غزة والاحتلال ولعنة التكرار.. عن الهُدنة بين فخ الممانَعة ودراما نتنياهو وترامب

حازم حسين
حازم حسين
حازم حسين

عاد نتنياهو إلى البيت الأبيض للمرة الثانية فى غضون أربع وعشرين ساعة. كان لقاؤه الثالث مع ترامب على مأدبة عشاء مساء الاثنين الماضى، ثم التقاه مجددا بعد ظهيرة الثلاثاء، لبحث ما يخص المفاوضات الجارية فى قطر بشأن هدنة غزة.

وإذ يُستشف من التكرار أن شيئا من الاستعصاء يشوب الحوار بينهما فى تلك المسألة، أو أن ديكتاتور تل أبيب يتأبى على إرادة الحاكم بأمره فى واشنطن؛ فربما تكون التجزئة مجرد صياغة درامية لموقفهما المشترك، ومحاولة لممارسة ضغوط نفسية على حماس والوسطاء.

يجريان فى المكان للإيحاء بصعوبة السباق، ويُضيف الرئيس الأمريكى قدرا من البهارات إلى دوره الضئيل جدا فى مشهد الانسداد الراهن؛ ليُضاف كل ما يأتى لاحقا إلى حساب مهاراته العالية فى صنع الصفقات، ويُقدّم الوصول للنقطة المقصودة باعتباره تنازلا يستحق الاحتفاء من زعيم الليكود.

يُصنَع الزخم من جهة القاهرة والدوحة، ويُستَولَى عليه لصالح الهالة الترامبية أولا، ثم تدعيم موقف رئيس الحكومة الإسرائيلية أمام حلفائه ومُعارضيه تاليًا. وكلاهما يعلم أن الحرب استنفدت أغراضها، ولا سبيل لاستكمالها بالكيفية القائمة، كما لا طائل من وراء إبقاء الميدان معطلا للسياسة، وتطويق الأخيرة بدخان لا يحرق ولا يحسم المعادلة المستعصية على كل الأطراف.

ولهذا؛ تُستكمَل لعبة توزيع الأدوار بتصعيد الأفعال وتبريد الأقول، وخلق توازن حرج بين نظرية التفاوض تحت النار وثابتها الأصولى عن السلام من خلال القوة، وبين الحاجة إلى صناعة توافقات وقتية تُوقف القتال ولا تنهيه تماما، وتُعلق المآلات النهائية على ما ستنتهى إليه حال الاستدراج وآلية الترويض البطىء، وتقطيع الوقت بالترضيات الجزئية.

آخر ما فعله نتنياهو قبل مغادرة تل أبيب، أنه جمّع أعضاء حكومته الأمنية المصغرة فى اجتماع لبحث الهدنة، أقرّ فيه مسارا احتياليا يقضى بتوزيع المساعدات شمالى غزة، بالرغم من رفض وزيره المتطرفين للمالية والأمن القومى، بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن جفير.

لكنه طلب على التوازى من رئيس الأركان أن يُعدّ خطة لإعادة الانتشار فى القطاع، والسيطرة على ما تبقى من مناطق خارج قبضة القوات، وإخلاء مئات الآلاف من الغزيين جنوبا باتجاه معسكر الخيام المزمع إقامته فى رفح، دون سماح للأخير بالاعتراض أو التحذير من مخاطر الإدارة العسكرية وما تلقيه من أعباء والتزامات على كاهل الجيش.

يضرب فى ناحية ويُناور فى غيرها، متقصّدا أن يخدع فريقين متضادّين أو أكثر فى الوقت نفسه: الصقور يطمئنون لتشديد القبضة، والباحثون عن وقف المغامرة واسترداد الأسرى يخالطهم الأمل، فيما يتردد الحماسيون بين الاحتمالين بعيون زائغة ونفوس متوجسة.

ولا تختلف الحالة عما كان طوال الشهرين الماضيين، عندما أرسل ترامب رسالته التهدوية للمرشد الأعلى الإيرانى على خامنئى، مشمولة بمهلة الشهرين لإنجاز اتفاق بشأن البرنامج النووى، ثم أخطر صديقه الصهيونى فى زيارته الثانية لواشنطن خلال أبريل الماضى، على صيغة تشبه المفاجأة والإخطار الملزم بالتثبت والارتداع.

وبعد خمس جولات بين مسقط وروما، انقضت الفسحة الزمنية المعلتة، وأسبلت وكالة الطاقة الذرية غطاءها السياسى بإدانة طهران، ووظِّفت الترويكا الأوروبية فى لعبة الخداع دون أن تدرى.

وفيما كان سيد البيت الأبيض يُدفّع الوقت لأجل لقاء سادس، ويُطمئن شركاء الطاولة إلى أن الضربة الإسرائيلية غير وشيكة، عمد إلى تذخير الطائرات سرًّا، ومنح إذنه لكلب حراسته الليكودى بالهجوم.

العلاقة انتقلت من صيغة الاستتباع والتخادم بين فريقين، إلى العمل فى فريق واحد، واقتسام الأدوار ضمن مسرحية مُعدّة سلفًا، ولا يسهل فيها فرز الأبطال المُحرّكين للأحداث عن مُمثّلى الأدوار الثانوية.

المؤكد أن ملف غزّة وُضع على طاولة العشاء، وفيما كان من لقاء سابق عليها بين الحليفين. ولم يكن التناول بعيدًا عن مُجريات الأوضاع فى لبنان، وخلاصة الجولة الصاخبة على الأراضى الإيرانية، وكل الملفات اصطُحبت بالضرورة إلى الغرفة نفسها فى اليوم التالى؛ كأنها إعادة للاستزادة، أو تحضير لما هو أكبر وأخطر.

ينفرد الصهاينة بوضع الأفكار الكبرى والخطوط العريضة للمقترحات الأمريكية بشأن غزّة؛ ثم يُفاوضون عليها من نقطة الصفر كأنها ساقطة عليهم من أعلى. حدث ذلك بوضوح قبل أكثر من سنة، عندما طرح بايدن ورقته للحل مشفوعة بأنها واردة من تل أبيب، أو بعد نقاش مُفصّل معها؛ لكن نتنياهو اشتبك مع ما يُنسَب إليه، بذات الحدة المتوقعة فيما لو كانت الأطروحة حماسيّة خالصة.

ومن البديهى أن وضع مبعوث ترامب للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، بنود خطّته على الطاولة منذ سقوط الهُدنة السابقة فى مارس الماضى، كان نتاج بحث طويل فى الغُرف المُغلقة مع الإسرائيليين؛ وكالعادة لم يُقرّوا بالرؤية المعروضة عليهم بسهولة ويُسر، وناكفوا فى بعض شروطها، ثم اعتمدوها عندما تأكّدوا من استحالة تمريرها من جهة الفصائل الأصولية فى غزة.

والجديد، أن البديل المطروح اليوم نسخة قطرية مُعدّلة من سابقتها الأمريكية، والمفاقة أن تل أبيب تلقّفتها باستحسان مُباغت.

ويصحّ هنا القول إنها ضاقت بالحرب وتبحث عن مخارج منها، أو تكتفى بما أحرزته بعد الطوفان من أقرب نقطة فى القطاع حتى أبعد النقاط فى الهضبة الإيرانية، كما يُحتَمَل أنها تُراهن على حشر الحماسيين فى رُكن ضيّق، ووضعهم فى مقابلة مُباشرة مع حلفائهم القطريين.

لا ينتمى الصهاينة إلا لأنفسهم، ومن وراء ذلك ثمّة توافقات مع الولايات المتحدة، وعلاقات مُتذبذبة ومتفاوتة الإيقاع مع بعد العواصم الأوروبية. فى الأخير يعرفون ما يريدونه بدقّة، وما يصبّ عضويًّا فى مصلحتهم، ولا يُرتّبون شيئًا قبل أهدافهم الاستراتيجية، كما لا يلتزمون تجاه أحد بما يتضادّ مع التزامهم تجاه بلدهم؛ بكل ما فيه من سوء وتوحّش وانفلات من الإنسانية والقانون.

أما الحركة ذات الهوى الإخوانى والتحالفات المُتضاربة؛ فإنها تنظر إلى فلسطين كُلها باعتبارها مسواكًا فى الفم، كما قال قائدها البارز محمود الزهار، وتعُدّ نزيف الجغرافيا والديموغرافيا مُجرّد خسائر تكتيكية، ويتوزّع هواها على عدّة وجهات قليلاً ما تكون منسجمة، وكثيرًا ما تختلف وتتضادّ فى النوايا والغايات، ما يجعل سلوكها هوائيًّا وغير منضبط باعتبارات المنطق والمنفعة، كما لا يُمكن قراءته فى متوالية منضبطة ومترابطة الحلقات.

قُبِلت هُدنة أولى فى نوفمبر 2023 بشروط أقل كثيرًا مِمَّا كانت ترفعه الحركة عقب الطوفان مُباشرة، ودون أى حديث عن وقف الحرب نهائيا، أو الانسحاب الكامل من القطاع وتبييض السجون مرّة وللأبد.

ثم عاد التشدُّد ومعه انتكاسات مُضاعَفة وهزائم مُركّبة، ومنها إلى مُخرجات باريس وروما والورقة المصرية، واستباق قبولها بتصويب عدّة قذائف هيكلية عديمة الأثر على مُحيط كرم أبو سالم، وصولاً إلى القبول الإجبارى بصفقة سيئة تحت سطوة الإدارة الأمريكية الجديدة وتهديدات ترامب.

تتقافز الحركة بين الشىء ونقيضه. تُغلِّظ الأيمَان والاشتراطات؛ لكنها تمنح الجندى مزدوج الجنسية عيدان ألكسندر مجانًا. تتمسّك بالسلاح رغم تعطّله، وتُبدى قبولاً نظريًّا للخروج من المشهد، ما إتيان كل السلوكيات النافية للخطوة والساعية لنسفها من الجذور.

نتنياهو يتقصّد مصالحه الشخصية، ومنها إلى غايات إسرائيل وحسب. أمّا حماس فإنها تضع نفسها فوق بيئتها الغزّية المنكوبة، والقطاع قبل عموم فلسطين، ودوائر الانتماء والتحالفات الخارجية قبل الجميع دائمًا. ما جعلها حلقة فى طوق المُمانَعة؛ بأكثر من كونها رصيدًا فى خزانة القضية.

والأرجح أنها مُنِعَت من إبرام أية صفقة مُحتَمَلة بإملاءات من طهران، أو بمُراعاة لشواغل الجمهورية الإسلامية، ورهان على أن تتدخل تطوّعًا أو بالاستدراج لتغيير مُعادلات المنطقة.

فكأن الفصائل الرديفة فى غزّة احتُكِرت بين رُزمة أوراق الملالى وعناصر قوّتها التفاوضية، قبل أن تجد نفسها عارية فى ميدان القتال كما كانت طوال عشرين شهرًا، وفى السياسة بعدما حُيِّد الحُلفاء بالقوّة، أو استجابوا لنداء إبعادهم عن بقيّة الأذرع والساحات المُستتبَعة.

وما يجرى على حماس، يصح ويتجلّى بصورة أشدّ فجاجة فى لبنان. فما زال حزب الله يقبض على التزاماته الولائية تجاه المراجع الدينية فى قُم، ويعتبر نفسه مندوبًا عن مشروع قاسم سليمانى لبناء جدار من الدفاعات الإيرانية المتقدمة، وليس يدًا مُضافة إلى جسد الدولة اللبنانية وعناصر قوّتها.

وقد تقبّل اتفاق وقف إطلاق النار بشروطه القاسية، وفيها نزع السلاح وحصره فى يد السلطة النظامية وحدها، ثم أخذ يتفلّت منها رويدًا رويدًا، وصولاً إلى المُجاهرة بالرفض المُطلق، وتهديد المؤسسات والشركاء من بقيّة الطوائف بقطع اليد التى تمتدّ على مخازنه العتيدة.

والاحتمال هنا بين أمرين: أنه كان يشترى الوقت لحين استكشاف التفاعلات الإقليمية ومداها، أو كان يُراهن على حلحة الانسداد مع رأس المحور المُمانِع وانتفاء الحاجة إلى إمكاناته التأجيجة، وعندما ارتدّت طهران فى المكان والمكانة؛ تعيّن عليه أن يحفظ لها ما تبقّى من استثمارات باهظة فى الساحات البديلة، وألا يُجرّدها من طاقة الفعل والتشغيب حينما تقتضيها الحاجة أو تفرضها الظروف الطارئة.

أى أن الحزب كان يُمارس نوعًا من التقيّة والكُمون، يبتدئ من استنقاذ ما تبقّى لديه من فائض قوّة، ثم مراقبة الأجواء والجاهزية لتلقّى ما يُستجَد من أوامر وتوجيهات.

والأرجح أنه كان يُضمَر فى دواخله نيّة الانقلاب على التعهّدات مع الخارج والداخل، وإعادة تكييف رؤاه السياسية والعملانية عند نقطة بعينها، أكانت اعتبارات تخص أجندة الشيعية المُسلّحة المحكومة بتصوّرات إيران، أو استلحاق التوازنات البينيّة ومُكتسابته السياسية فى بيئته المحلية، بما يُحوّل الهزيمة على الحدود إلى نصر فى العاصمة، والتآكل أمام العدو صلابةً واستئسادًا على الشقيق.

وتشابه البِنية والمُرتكزات العقائدية وشراكة الأجندة الواحدة مع حماس، يُؤكّد أن الأخيرة قد تُكرِّر التجربة، أو تجتهد فى هذا على الأقل، وحسبما تتيح لها الظروف والتعقيدات فى داخلها ومع بقيّة القوى الفلسطينية والإقليمية.

وإذ تعرفُ أنه لا نجاة للقطاع بوجودها؛ فإنها تُحاول أن تفرض مُعادلة مُجاورة لها بأنه لا منجى أيضًا بغيابها، وأن على الجميع أن يتصالحوا على وجودها عند أى منسوب؛ ولو ضئيلاً وخافتا، على أن تتكفّل الأيام بإعانتها على التسرّب البطىء وإعادة الكَرّة مستقبلاً.

وإذ تطلُب إسرائيل إفناء الحركة أو شطبها من القطاع تمامًا؛ فإنها تعرف باليقين الكامل وقبل غيرها أنها تنادى بالمستحيل، وربما لا تُريد هذا على وجه الدقة، إنما كل ما تسعى إليه أن تُضعِف التنظيم هيكليا وماديا، مع استبقاء قاعدة بنيوية وفكرية صالحة لإرباك أى مسار إجرائى وتنفيذى مقترح، وإثارة الغبار فى سماء اليوم التالى، وضمان عدم الافتقاد الكامل لماكينة إنتاج الذرائع والتعليلات.

حتى أسابيع قبل الطوفان، كان صقور الحكومة الأشدّ تطرّفًا يُعادون السلطة الوطنية بأكثر من عداوتهم لحماس. ونُشِرَت تقارير فى بعض المنصات العبرية عن أن «بن جفير» كان يدعم تمكين الحركة فى الضفة الغربية، على حساب منظمة التحرير وحركة فتح، واستعار فى أحد الاجتماعات الحُكومية مقولة نتنياهو الشهيرة لتمرير فكرته، وخُلاصتها أن التنظيم الأصولى «ذُخر لإسرائيل».

وليس القصدُ أنه طابور خامس أو يعمل بالتنسيق مع المحتل لا سمح الله؛ لكنه الصورة الضدّ للطبعة اليمينية شديدة التطرّف قوميًّا وتوراتيًّا على الجانب الآخر، وبوجودها يتبرّر إعلاء الخطاب الإبادى الإلغائى وتسييده، وبه يتأمَّن للحريديين وأحزاب المستوطنين أن ينتهجوا سلوكيات شديدة التوحُّش، ويُعمِّموا أفكارهم على المجال الفلسطينى فى إطار الاختزال والتنميط وسحب الخاص على العام.

والمُطابقة الفكرية بين العدوّين اللدودين، أكثر ما حفّز الجنون فى سياق الطوفان ومعاركه التالية؛ لكنها تُتيح بالدرجة نفسها أن يتوصّل الخصمان إلى توافقات تستبقى جذوة النار مُتّقدة تحت الرماد، دون الاشتعال وفوق الانطفاء الكامل؛ لأن التوصل إلى ترتيبات طبيعية سيستدعى بالضرورة الحاجة إلى تغيير تركيبة الهيمنة على الجانبين.
وبقدر التغيُّر المُنتظَر فى آلية الإدارة المدنية فى غزّة ورام الله، قد تحدث إزاحات فى تل أبيب بمنطق التناسب الطردى؛ مثلما جرت المُعادلة بين جناحى اليمين هُنا وهناك.
الإجهاز على حماس قد يكون مقبرة نتنياهو وأسطورته التى يسعى لتأبيدها، وضربة قاتلة لمشروع الانفراد اليمينى الكامل بالمجال العِبرى دون شراكة أو مُنافسة.
والحركة إذ تُدافع عن وجودها؛ فإنها تضمن لأسوأ أعدائها فرص البقاء والتمدُّد، وهم من جانبهم لن يُضحّوا بورقة الأصولية الإسلامية فى غزة وغيرها، دون انتقاء بديل ملغوم، أو الاطمئنان إلى خلخلة البيت الفلسطينى من أعماقه، أو إقامة عمارته الجديدة على شفا جُرفٍ هارٍ.  

وتتمة العقل من جانب الفصائل، والحماسيين على رأسهم طبعا؛ ألا ينظروا للهُدنة المُستجَدّة بمعزلٍ عن السياقات السابقة. كان الطوفان جُملة اعتراضية فى سياق إقليمى ينقلب على القضية وأولويّاتها؛ لكنها استجلب عليها انقلابات أكبر وأشد فداحة.

الصهاينة وظّفوا فاصلة السنوار لافتتاح جُملة من قاموس مُغاير تماما، وأصلوا التوازنات السياسية إلى نقطة أعمق فى الاختلال والاستعصاء الكامل على المُداواة، أو الرجوع إلى ما كان قائمًا فى السابق.

كُسِّح حزب الله من وراء الحدود حتى ضاحية بيروت الجنوبية، وانكسر الهلال الشيعى عند الخاصرة الدمشقية. العراق فى ثلاجة التبريد الأمريكية، والحوثيون باتوا خارج معادلة التأثير بشكل شبه كامل.

أما إيران فتلعق جراحها، وأقصى ما تستطيعه اليوم أن تُقايض على أطلال المحور المُمانِع، لا أن تتجرأ على توظيفه أو تُعاود الاستثمار فى قُدراته بالمنطق القديم.

وإذ يفتح ترامب أبواب البيت الأبيض لنتنياهو مرتين فى غضون ساعات، ويقول ويتكوف إنه بصدد التحليق نحو الدوحة للإشراف على المفاوضات. تنقضى الجولات دون تحقيق أى اختراق ملموس، وتبقى النقاط العالقة على حالها. فيما إطالة المدى تصبُّ فى صالح الاحتلال، واستعجال الصفقة أيضًا؛ إنما المفاضلة تنحصر للأسف بين السيئ والأسوأ.

وأخطر ما يُمكن أن يتورّط فيه الحماسيّون، أن يُخطئوا فى استقبال الإشارات وتفسيرها، أو أن يتلقوها على غير معانيها الحقيقية.

التسارع ليس دليلاً على انضغاط العدو الأكثر قوّة وجاهزية، ونشاط واشنطن لا يُعبِّر عن اعتدال طارئ بعد انحرافات عظيمة.

ربما يكون خداعًا شبيهًا بما مُورِس مع طهران، أو حملة علاقات عامة لغسل السُّمعة وتعليق عبء المُماطلة على أكتاف الحماسيِّين، مع الاطمئنان إلى أن ما يُرفَض اليوم لن يكون مُتاحًا فى الغد، وسيُقبَل لاحقا بما هو أقل كثيرًا لأنه لا بديل عنه، ولأن العربة على منحَدَر هابط أصلاً.

غزة أحوج ما يكون لإخراجها من أجواء الطوفان، وإبعاد القليل المتبقّى فيها عن أجواء التشاحُن والرسائل الساخنة بين تل أبيب وطهران. الحرب مُرشّحة للعودة إلى لبنان بأثر مُناكفات الحزب وافتقاده لرشادة استقراء الشواهد واحترام مقتضيات اللحظة، والجمهورية الإسلامية ستذهب إلى الطاولة فى أوسلو أو غيرها؛ لكنها ستظلّ فى مرمى نيران القاذفات الإسرائيلية.

وبالرغم من كل المخاطر المحوّطة لسوريا؛ فلعلّها المجال الوحيد من حزام المُمانَعة الذى يبرأ من فواتيرها الآن. ويتعيّن استنساخ القطاع لتجربتها، بدلاً من إدمانه للدوران فى فلك الشيعية المسلحة أو الافتتان بخيارات الميليشيا اللبنانية المُتأججة عاطفيًّا ومذهبيًّا.

وللأسف؛ فإن الصفقة الآن وعلى أى شرط مُتاح، أفضل ما يُمكن تنحية فلسطين به عن طُرود النار المُتبادلة بين الجبهات، وإعادتها إلى ذاتها كقضية تحرُّر وطنى؛ لا مشروع انفجار عقائدى أو سباقات على الأدوار والخرائط.

بدأت كتائب القسام لُعبة عض الأصابع بأكثر من 250 أسيرًا، واليوم فى حوزته خُمس العدد فقط، أقل من نصفهم فقط أحياء. تضرر ما لا يقل عن ثُلثى كتائبهم الأربع والعشرين، وسُطِّحت طبوغرافيا القطاع تمامًا، ويسيطر الاحتلال على نحو 65 % من مساحته الضيّقة.

وما لم يتحقّق بمئات الرهائن لا سبيل لاقتناصه بالعشرات، وما تعذّر عليهم فى أزمنة العافية سيكون مستحيلاً فى حال الوهن والانكسار. المواصلة تُهدِّد بأخطر مِمَّا كان ولو كان أقل؛ لأنه سينزل بالمنكوبين بعدما تبدّدت طاقتهم واستبدّ بهم اليأس، ولم يعُد بمقدورهم احتمال المزيد.

على حماس أن تُخلِّى سبيل القطاع ليخوض صراعاته مع الحياة بمعزلٍ من الاعتبارات الأيديولوجية، ودون انتماء لجبهة فوق فلسطينية، أو احتكام إلى خيارات الآخرين وأولوياتهم.

عليهم أن يُضحّوا بما يعرفون أنهم قد يُسدّدونه إجباريا بعد وقت قصير، والبُعد عن شُبهة أنهم يأخذون شعبهم رهينة، ويفاوضون على مأساته كما يُفاوض المحتل على حياته وطعامه.

الصفقة لم تعُد رفاهية أو اختيارًا للأسف؛ والهروب إليها يفصل بين إخلاص الوجه للأرض وأصحابها، ولعب مُبارة أصولية أو فصائلية تدّعى صفاء النيّة والمقصد؛ لكنها للأسف تصبُّ فى صالح العدوّ دائمًا.

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

محمد فؤاد يشعل افتتاح المسرح الرومانى بباقة من أجمل أغانيه

مواعيد مباريات منتخب الناشئين فى كأس العالم قطر 2025

تعرف على موعد صرف تكافل وكرامة بالزيادة الجديدة

غادة عبد الرازق تكشف عن تعرضها للإصابة وتجلس على كرسى متحرك

موعد انطلاق فترة إعداد الأهلي للموسم الجديد


مانشستر سيتي: هالاند يستمع إلى ألبوم عمرو دياب الجديد

ننشر قوائم المرشحين لانتخابات مجلس الشيوخ عن دائرة محافظة كفر الشيخ

ننشر قوائم المرشحين لانتخابات مجلس الشيوخ عن دائرة محافظة المنيا

ننشر قوائم المرشحين لانتخابات مجلس الشيوخ عن دائرة محافظة بنى سويف

7 أخبار رياضية لا تفوتك اليوم الجمعة 11 – 7 – 2025


العراق يرحب بإعلان "حزب العمال الكردستانى" بدء عملية تسليم السلاح

55 مستشفى حميات لتقديم خدمات علاج ضربات الشمس والإجهاد الحرارى.. وزارة الصحة توضح معلومات مهمة حول مواجهة الموجة الحارة.. تحذر 3 فئات من الخروج فى أوقات الذروة.. وتوفر غرف الإجهاد الحرارى بالمستشفيات

شقيق حامد حمدان: أخى فى حالة نفسية سيئة ومستعد للعب للزمالك دون شروط

الهيئة الوطنية تنشر آلية استعلام المواطنين عن مقر اللجان بانتخابات مجلس الشيوخ

بيان رسمي من مودرن سبورت يكشف كواليس أزمة جنش

سر تجدد اشتعال النيران في سنترال رمسيس.. مدير الحماية المدنية الأسبق يوضح

شاهد بوستر فيلم "روكى الغلابة" بطولة دنيا سمير غانم

الجفالي ومهاب ياسر والجزيرى فى تشكيل الزمالك أمام أورانج

حامد حمدان يواصل الضغط على بتروجت: خلقت الأحلام كى تتحقق وليس لتمنع

اندلاع حريق فى دبى مول بمنطقة الشيخ زايد.. فيديو وصور

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى