الإمام محمد عبده.. دعوة العقل والحرية والعدالة

في ذكرى رحيله فى 11 يوليو 1905 لا يزال الإمام محمد عبده حاضرًا بأفكاره الإصلاحية التي أرسى بها قواعد لتجديد فهم الدين، من خلال كتابه "الإسلام بين العلم والمدنية"، الذي يُعد حجر زاوية في مشروعه الفكري في هذا المقال، نسلط الضوء على أبرز أفكاره الواردة في الكتاب.
الإسلام والعقل: التوحيد بداية لا نهاية
يرى الإمام أن الإسلام يقوم على دعوتين: الأولى إلى الإيمان بالله، والثانية إلى التصديق برسالة النبي محمد ﷺ. والدعوة إلى الإيمان بالله لا تستند إلى معجزة أو خوارق، بل إلى النظر العقلي والتأمل في الكون. فالقرآن لا يقيد العقل ولا يفرض عليه تسليمًا أعمى، بل يدعوه إلى التفكر في آيات الله فى السماوات والأرض والمطر والنبات والنظام الكوني، ليصل إلى التوحيد من خلال بصيرته لا قهره.
ويقول الإمام:
"فالإسلام في هذه الدعوة لا يعتمد على شيء سوى الدليل العقلي، والفكر الإنساني الذي يجري على نظامه الفطري... فلا يدهشك بخارق للعادة، ولا يغشي بصرك بأطوار غير معتادة."
القرآن المعجزة: دعوة مفتوحة للعقلاء
أما الدعوة الثانية للإسلام، أي الإيمان بالنبي ﷺ، فمستندة إلى معجزة عقلية متواترة، هي القرآن الكريم. هذه المعجزة ليست خارجة عن العقل، بل فيه ومنه، إذ أن تحدي القرآن قائم على البلاغة والبيان والعلم والنظام، وقد دُعي البشر لمعارضته ولم يستطيعوا.
يقول الإمام:
"معجزة القرآن جامعة من القول والعلم، وكل منهما مما يتناوله العقل بالفهم، فهي معجزة عرضت على العقل وعرفته القاضي فيها."
خمسة أصول كبرى لفهم الإسلام
1- النظر العقلي أساس الإيمان
أول واجب على المسلم هو استعمال العقل لتحصيل الإيمان، لا التسليم الأعمى. ويعتبر الإمام أن من مات طالبًا للحق غير واقف عند الظن فهو ناجٍ.
2- تقديم العقل على ظاهر الشرع عند التعارض
إذا تعارض النقل والعقل، فإن العقل يُقدم، بشرط المحافظة على قوانين اللغة في تأويل النص، لأن الإسلام لا يغلق باب التأمل والاجتهاد، بل يفتح للباحثين آفاقًا لا تضيق.
"إن لم يكن في هذا متسع لهم فلا وسعتهم أرض بجبالها ووهادها ولا سماء بأجرامها وأبعادها."
3- الابتعاد عن التكفير والتسامح مع المختلفين
الإسلام لا يحمل أقوال الناس على الكفر ما دامت تحتمل الإيمان، بل يُقدم حسن الظن، حتى مع الفلاسفة والمفكرين. فهو دين سعة ورحمة وعقل لا دين محاكم تفتيش.
4- الاعتبار بسنن الله في الكون والمجتمع
لا يعتمد الإسلام في إصلاح الأمم على العجائب، بل على دراسة سنن الله في التاريخ والبشر. السنن التي لا تتغير هي مفاتيح سعادة الإنسان في دنياه وأخراه.
5- لا سلطة دينية في الإسلام
هدم الإسلام ما يُعرف بالسلطة الدينية، فلا وصاية على عقائد الناس، بل لكل مسلم أن يفهم كتاب الله وسنة نبيه بنفسه، بعد امتلاك أدوات الفهم.

Trending Plus