الصراع النفسي الذي يُنهكنا

ننظر إلى ما في أيدي الناس، فنفقد ما في أيدينا، نقيس أيامنا بمسطرة غيرنا، فتنكسر فينا بهجة الرضا، نقارن، نحسد، نقلق، ثم نغرق في دوامة لا قاع لها، اسمها: "لماذا ليس أنا؟".
نعيش على حافة الترقّب، نخاف الغد كأننا نملك اليوم، ونتعب من الحسابات التي لا تنتهي، مع أن الأقدار لا تُدار بالحساب، بل تُساق بلطف خفيّ اسمه "حكمة الله".
إنه صراع داخلي لا يُرى، لكنه ينهش الروح؛ حيث يسكن القلق، ويتمدد الخوف، ويهمس لنا الشك: أنت متأخر، أنت ناقص، أنت دونهم.
وفي غمرة اللهث خلف "ما ينقصنا"، لا نلتفت لما "يملؤنا"، ننسى النِعم لأنها أصبحت عادة، ونحسب النقص لأنه صار عادة أيضًا.
نقارن أنفسنا بصور مُعدّلة، بحكايات مبتورة، وبمظاهر لا نعرف خفاياها، فنقع أسرى لوهم المقارنة، لكن الحقيقة؟ أن كل قلب يحمل معاركه الخاصة، كل روح تخوض صراعاتها بصمت، لا أحد يعيش بلا وجع، ولا أحد ينجو من الامتحان.
السلام النفسي لا يُشترى، بل يُبنى، يُزرع في القلب حين يُسقى بيقين: أن ما كتبه الله لنا، لا يفوتنا، وأن ما فاتنا، لم يكن لنا.
"فما ظنكم برب العالمين؟"
آية واحدة، كفيلة بإخماد عاصفة القلق، وتسكين رجفة الخوف، ووضع حد لصراع المقارنة.
الثقة بالله ليست استسلامًا، بل شجاعة، هي أن تنام مطمئنًا رغم ضيق الحال، وتبتسم رغم تعثّر الطريق، وتُكمل رغم ثقل القلب، لأنك تعلم أن لكل تأخير حكمة، ولكل عثرة درس، ولكل وجع نهاية.
فلنخفف من الضجيج في رؤوسنا، لنتوقف عن التحديق في حياة الآخرين، وننظر في مرآة أنفسنا: هل نحن على ما يُرضي الله؟
فقط حين نصنع سلامنا الداخلي، سندرك أن أجمل القلوب ليست التي امتلكت كل شيء، بل التي رضيت بكل شيء.

Trending Plus