رمسيس الثاني: الفرعون الذي أعاد صياغة المجد المصري

حسين عبد البصير
حسين عبد البصير
د. حسين عبد البصير

عالم المصريات المصري
يُعد رمسيس الثاني، أو رمسيس الأكبر، أحد أعظم ملوك مصر القديمة، ليس فقط لطول مدة حكمه التي تجاوزت الستة وستين عامًا، بل أيضًا لإنجازاته المعمارية والعسكرية والسياسية التي جعلته نموذجًا للحاكم الإلهي في الوعي المصري القديم. وقد خلّف آثارًا ونقوشًا تشهد على قوة دولته، وأعاد تأكيد مكانة مصر كقوة عظمى في الشرق الأدنى خلال عصر الدولة الحديثة.

النشأة والخلفية العائلية


ولد رمسيس الثاني في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، وهو ابن الملك سيتي الأول من الأسرة التاسعة عشرة، والملكة تويا. ومنذ نعومة أظافره، أُعدّ رمسيس لتولي الحكم، إذ عُيّن وليًا للعهد في سن مبكرة ورافق والده في حملاته العسكرية.


عُرف عن رمسيس اهتمامه بتربية أبنائه على الشؤون العسكرية والدينية، وقد خلفه العديد من أبنائه في المناصب العليا. وبلغ عدد أبنائه المعروفين ما يفوق المئة، ومنهم الأمير "خع إم واست"، الذي أصبح كاهنًا أعظمًا لإله بتاح، وعُرف باهتمامه بالتراث وترميم المقابر الملكية القديمة.

اعتلاء العرش وبدايات الحكم


تولى رمسيس الثاني العرش حوالي عام 1279 ق.م.، بعد وفاة والده سيتي الأول. وقد بدأ حكمه في ظل استقرار نسبي، لكنه سرعان ما واجه تحديات خارجية على الجبهة الشمالية، خصوصًا من الإمبراطورية الحيثية، التي كانت تتوسع في أراضي الشام.
عرف عهده بأنه فترة "إحياء المجد المصري"، إذ سعى إلى تقوية الحدود وإعادة بناء الهيبة المصرية في وجه القوى الإقليمية، من خلال مزيج من الحملات العسكرية والبناء الرمزي الضخم.

الإنجازات العسكرية: معركة قادش ومعاهدة السلام
معركة قادش (حوالي 1274 ق.م.)
تُعد معركة قادش من أبرز الأحداث في عهد رمسيس الثاني، وقد خاضها ضد الحيثيين بقيادة الملك مواتالي الثاني قرب مدينة قادش على نهر العاصي في سوريا الحالية. تعتبر هذه المعركة من أكبر المعارك التي استخدمت فيها العربات الحربية في التاريخ القديم.
واجه الجيش المصري في بدايات المعركة هجومًا مباغتًا من الحيثيين، وكاد يمنى بهزيمة ساحقة، لكن رمسيس قاد بنفسه الهجوم المعاكس وأنقذ الموقف. وقد استغل هذا الحدث دعائيًا ببراعة، فرُسمت مشاهد المعركة في معابد الأقصر والكرنك والرامسيوم وأبو سمبل، حيث يظهر فيها الملك كمحارب إلهي لا يُقهر.


معاهدة السلام
رغم أن المعركة لم تكن نصرًا حاسمًا لأي من الطرفين، إلا أنها مهدت الطريق لعقد أول معاهدة سلام مكتوبة في التاريخ، حوالي عام 1258 ق.م. بين رمسيس الثاني وخاتوشيلي الثالث، شقيق مواتالي. نصّت المعاهدة على احترام الحدود، وعدم الاعتداء، وتبادل اللاجئين، وقد سُجّلت بنصين متطابقين بالهيروغليفية والأكدية.

النشاط المعماري: عبقرية الحجر والرسالة السياسية
من أبرز سمات عهد رمسيس الثاني كثافة البناء المعماري، الذي استُخدم كأداة دعائية لترسيخ صورته كفرعون مجيد وإله حي.
معابد أبو سمبل
يُعتبر معبد أبو سمبل في النوبة من أعظم إنجازاته المعمارية. نُحت في الجبل، واصطفّت على واجهته أربعة تماثيل ضخمة للملك بارتفاع أكثر من 20 مترًا. وفي داخل المعبد، تُضيء أشعة الشمس قدس الأقداس مرتين في العام (22 فبراير و22 أكتوبر)، في ظاهرة فلكية دقيقة تعكس عبقرية التصميم المصري القديم.
الرامسيوم
هو معبد جنائزي ضخم في طيبة الغربية، بُني لتخليد ذكراه بعد الوفاة. يضم نقوشًا لمعاركه العسكرية، وتمثالًا ضخمًا سقط لاحقًا وذُكر في الأدب الأوروبي، مثل قصيدة شيلي "أوزيماندياس".
معبد نفرتاري
شيد رمسيس معبدًا مستقلًا لزوجته المحبوبة نفرتاري بجوار معبده في أبو سمبل، وهو من الحالات النادرة التي يُمنح فيها هذا التكريم لملكة.
إعادة نقش اسمه
رمسيس الثاني نقش اسمه على آثار قديمة تعود لملوك سابقين، مثل أمنحتب الثالث، في محاولة لربط نفسه بتاريخ مصر المجيد، وهو ما أربك لاحقًا جهود التأريخ الآثري.

الحياة الدينية
رمسيس الثاني عزّز دور الملك كـ"إله حي"، وحافظ على دعم كهنة آمون في طيبة، لكنه في الوقت ذاته عمل على تعزيز مراكز دينية أخرى، مثل منف وهليوبوليس. يُظهره الفن الرسمي على أنه ابن الإله رع، مما يعكس أهمية الأيديولوجيا الدينية في دعمه للسلطة.

الأسرة والجانب الإنساني
كان رمسيس الثاني رجلًا عائليًا، وتزوج عددًا من الملكات، أبرزهن:

  *   نفرتاري: صاحبة التأثير الأكبر، وربما شاركته الحكم في بعض المراسيم.
  *   إيست نفرت: ملكة أخرى أنجبت له أبناء بارزين.
وقد أنجب أكثر من 100 ابن وابنة، ظهر الكثير منهم في النقوش والمعابد، مما يعكس الطابع الأبوي للعصر.

رمسيس الثاني والخروج اليهودي
ارتبط اسم رمسيس الثاني في بعض الدراسات التوراتية بقصة خروج بني إسرائيل من مصر، إذ يشير سفر الخروج إلى مدينة "رعمسيس"، التي يعتقد أنها بنيت في عهده. إلا أن أغلب علماء الآثار والتاريخ يشككون في دقة هذا الربط، نظرًا لغياب أدلة أثرية مباشرة على القصة التوراتية، وصعوبة التوفيق بين التسلسل الزمني والوقائع المذكورة.

الوفاة والمومياء
توفي رمسيس الثاني عن عمر يُقدّر بأكثر من 90 عامًا، بعد حكم طويل لمصر. دُفن في مقبرة رقم KV7 بوادي الملوك، لكن مومياؤه نُقلت لاحقًا إلى خبيئة الدير البحري (TT320) مع عدد من الملوك لحمايتها من السرقة.
في القرن التاسع عشر، عُثر على مومياؤه، ونُقلت إلى القاهرة، ثم إلى المتحف القومي للحضارة. كشفت الفحوصات الحديثة أنه عانى من أمراض المفاصل وتصلب الشرايين، وكان طوله حوالي 1.7 مترًا.

الإرث والتأثير اللاحق
ظلّ اسم رمسيس الثاني يتردد في الكتب والآثار والشعر الأوروبي، واشتهر عالميًا باسمه اليوناني أوزيمنديس. وقد وصفه المؤرخ الإغريقي هيرودوت بأنه أعظم ملوك مصر، وأثّر على تصور الغرب للفراعنة لقرون طويلة.
لا تزال معابده قائمة، تمثل ذروة الإبداع الفني والسياسي في مصر القديمة. كما يُستشهد بعهده كنموذج لعصر القوة والاستقرار والازدهار في التاريخ الفرعوني.

يُجسّد رمسيس الثاني صورة الفرعون النموذجي في الوعي المصري القديم والحديث: المحارب، الباني، الإله الحي، والوالد العظيم. ترك بصمة لا تمحى في العمارة والفكر والدين، ومثّل ذروة ما وصلت إليه الدولة الحديثة من قوة وتنظيم. وسيظل اسمه محفورًا في التاريخ، ليس فقط بفضل ما أنجزه، بل أيضًا لما أبدعه من صورةٍ فرعونيةٍ كاملة تمزج بين القوة الإلهية والبراعة السياسية.

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

محمد فؤاد يشعل افتتاح المسرح الرومانى بباقة من أجمل أغانيه

مواعيد مباريات منتخب الناشئين فى كأس العالم قطر 2025

تعرف على موعد صرف تكافل وكرامة بالزيادة الجديدة

غادة عبد الرازق تكشف عن تعرضها للإصابة وتجلس على كرسى متحرك

موعد انطلاق فترة إعداد الأهلي للموسم الجديد


مانشستر سيتي: هالاند يستمع إلى ألبوم عمرو دياب الجديد

ننشر قوائم المرشحين لانتخابات مجلس الشيوخ عن دائرة محافظة كفر الشيخ

ننشر قوائم المرشحين لانتخابات مجلس الشيوخ عن دائرة محافظة المنيا

ننشر قوائم المرشحين لانتخابات مجلس الشيوخ عن دائرة محافظة بنى سويف

7 أخبار رياضية لا تفوتك اليوم الجمعة 11 – 7 – 2025


العراق يرحب بإعلان "حزب العمال الكردستانى" بدء عملية تسليم السلاح

55 مستشفى حميات لتقديم خدمات علاج ضربات الشمس والإجهاد الحرارى.. وزارة الصحة توضح معلومات مهمة حول مواجهة الموجة الحارة.. تحذر 3 فئات من الخروج فى أوقات الذروة.. وتوفر غرف الإجهاد الحرارى بالمستشفيات

شقيق حامد حمدان: أخى فى حالة نفسية سيئة ومستعد للعب للزمالك دون شروط

الهيئة الوطنية تنشر آلية استعلام المواطنين عن مقر اللجان بانتخابات مجلس الشيوخ

بيان رسمي من مودرن سبورت يكشف كواليس أزمة جنش

سر تجدد اشتعال النيران في سنترال رمسيس.. مدير الحماية المدنية الأسبق يوضح

شاهد بوستر فيلم "روكى الغلابة" بطولة دنيا سمير غانم

الجفالي ومهاب ياسر والجزيرى فى تشكيل الزمالك أمام أورانج

حامد حمدان يواصل الضغط على بتروجت: خلقت الأحلام كى تتحقق وليس لتمنع

اندلاع حريق فى دبى مول بمنطقة الشيخ زايد.. فيديو وصور

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى