الإنترنت و«المحمول».. الأزمة والدعاية والثغرات وشركات الـ«وَلا حاجة»!

مع كل أزمة تواجه الاتصالات يكتشف الإنسان المعاصر أنه لا يمكنه الاستغناء عن الإنترنت، وأن تكنولوجيا الألياف وغيرها أمور أصبحت جزءا من حياة البشر، مهما كانت فئاتهم أو درجاتهم التعليمية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، فقد تسبب حريق سنترال رمسيس فى تعطيل شبكات الإنترنت فى شبكات المحمول ومعها عمليات البيع والشراء والدفع بل وأحيانا الأكل والشراب، وعلى مدار عقدين ونصف العقد - على الأقل - ارتفع اعتمادنا فى أعمالنا على شبكات الاتصال إلى درجة تضاعف فيها استهلاكنا للإنترنت عشرات وربما مئات المرات، وأصبحت هناك مهن لا يمكنها الاستمرار من دون توافر الشبكات لها، صحيح أن الإنترنت لم ينقطع بشكل تام، لكن مجرد تأثيره على البنوك والمؤسسات المالية والإعلامية أدى لانعكاسات عاجلة، بجانب أنه كشف عن وجود ثغرات بالذات لدى شركات المحمول المختلفة التى اشتركت فى كونها تنفق مليارات على الإعلانات والدعاية وتبخل على التحديث والتأمين والبدائل التى تمنع «بلاوى كتيرة» عند سقوط الشبكات.
واكتشفنا أيضا - من واقع شهادات المختصين والخبراء والمستخدمين - أن هذه الشركات التى تحقق مئات المليارات على حساب المستخدمين تعتمد فى بنيتها الأساسية على الشبكة الأم القومية، والتى كانت أكثر صمودا فى الأزمة من الشركات الدعائية ذات المليارات الإعلانية، والتى تستغل المستخدم وتفرض عليه شروطا من دون أن تمنحه خدمة مقابلها، بينما مهما كان الانتقاد للشركة القومية، فهى تحملت الضغط والمسؤولية، بل وكانت هى الأكثر وجودا فى وقت غياب وصمت شركات المحمول التى لا هم لها سوى تحقيق أرباح، وهو أمر يستحق وقفة من جهاز الاتصالات للتعامل مع حال لا يمكن أن يكون صحيحا، فالشركات تتوسع فى بيع خدمات ليس لها غطاء فنى أو قاعدى أو تأمينى، وتشترى الدعاية والصمت والتواطؤ، وحتى فى الأزمات فإن اللوم يتجه للشركة القومية، وتختفى شركات المحمول التى تنفق مليارات على الـ«وَلا حاجة»، نجوم وفقرات وسوشيال ميديا ودعاية وإعلان، وتبخل على التحديث والتطوير.
كل هذه التفاصيل يفترض وضعها فى اعتبار الجهات المختصة ولجان تقصى الحقائق، وهى تبحث أسباب وتداعيات وانعكاسات الأزمة، مع تأكدنا انه لا يمكن للمرء المعاصر الاستغناء عن الإنترنت، بل وربما أدوات التواصل الاجتماعى التى أصبحت جزءا أساسيا من حياة الناس، وكل يستعملها بطريقته، سواء للعمل «أونلاين» أو للاتصال والتواصل، والدفع، بل وحتى تطبيقات البيع والشراء ومهن مثل «الدليفرى» أصبحت تعتمد على الشبكات والإنترنت، وهذه المهن خسرت - مثل غيرها - من تداعيات الأزمة، وطبعا بجانب مئات المهام والمهن والحاجات التى تجعل الإنترنت جزءا من عملنا وحياتنا، فهى أيضا مجال لعمل اللجان الإلكترونية ومولّدى ومطلقى الشائعات ومنتجى الهبد، والمنخرطين فى عيش دور «الخبير الفاهم» الذى يعيش ويتنفس من خياشيمه الإلكترونية، حيث لا يمكن الاستغناء عن هذا العالم البسيط.
وفى كل أزمة يسقط فيها الاتصال نكتشف كيف تجذّر الإنترنت فى حياتنا وأعمالنا وحتى فى حياتنا الاجتماعية، وحتى صناع التريندات التافهة، الذين اختفوا خلف الأزمة، كان اختفاؤهم من أفضل نتائج الانقطاع، لكن طبعا فإن وجودهم من ضمن الأعراض الجانبية لعصر الإنترنت، الذى يقدم الكثير من المهام ويجعل من الصعب الاستغناء عنه، وفى حال توافره نحن نتعايش مع الأخبار والمعلومات والشائعات والتريندات التافهة والـ«ولا حاجة» التى يقدمها هؤلاء المحترفون فى إنتاج وترويج السطحية والهبد، وكل هذا بالطبع ضمن حزمة نأخذها كلها بميزاتها وعيوبها، ونحتاج فيها إلى الشفافية والمحاسبة، لكل من يبيع الوهم، أو يتاجر بالتقنية والشائعة والهبد.

مقال أكرم القصاص فى العدد الورقى لليوم السابع

Trending Plus