تصرفات ترامب مع قادة أفريقيا.. "مقابلة توظيف" أم لقاء دبلوماسى؟

لم تكن تصرفات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب خلال غداء عمل فى البيت الأبيض مع رؤساء 5 دول أفريقية مجرد زلات بروتوكولية، بل كانت انعكاسًا صارخًا لنهج دبلوماسى، تكسوه الغطرسة والاستعلاء، ويقلل من قيمة العلاقات الدولية القائمة على الاحترام المتبادل، هذه الحادثة، التى انتشرت تفاصيلها على نطاق واسع، لم تكن مجرد موقف عابر، بل كانت تجسيدًا لمنهجية فى التعامل تستدعى تحليلاً نقديًا حادًا.
لقد تجسد الإحراج عندما قاطع ترامب الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزوانى، أثناء حديثه عن الإمكانات الاستثمارية لبلاده، لم يكتفِ ترامب بإشارة اليد المباشرة ليطلب منه التوقف، بل أتبعها بتعليق "ربما يتعين علينا الإسراع قليلًا فى الحديث، لأن لدينا جدولًا زمنيًا حافلًا"، هذا التصرف لا يعد فقط خرقًا فجًا لأبجديات البروتوكول الدبلوماسى، بل هو توبيخ علنى لرئيس دولة ضيف، وكأن وقت ترامب أثمن بكثير من فرصة حليف فى التعبير عن بلاده، هذا السلوك يكشف عن تجاهل تام لأهمية الاستماع والإصغاء فى بناء العلاقات الدولية، ويرسخ فكرة أن المضيف هو من يفرض الإيقاع والتوقيت دون اعتبار لمكانة الضيوف.
وما زاد الطين بلة هو طلب ترامب من بقية الرؤساء الاكتفاء بذكر أسمائهم وبلدانهم فقط لتسريع وتيرة الاجتماع، هذا التحويل لقمة يفترض أن تكون حافلة بالمناقشات السياسية والاقتصادية الرفيعة إلى ما يشبه "مقابلة توظيف" جماعية، يعد استهانة بقادة دول ذات سيادة، ويقلل من شأنهم، ويصنفهم كأفراد يجب أن يقدموا بياناتهم الأساسية دون أى فرصة للحوار أو تبادل الرؤى العميقة، مما يرسخ فكرة عدم تكافؤ المعاملة ويقوض جوهر الدبلوماسية.
ولعل الموقف الأكثر دلالة على عدم توفر المعلومة والاستعلاء كان سؤال ترامب للرئيس الليبيرى جوزيف بواكاى عن طلاقته فى اللغة الإنجليزية "إنجليزيتك رائعة.. أين تعلمتها؟" هذا السؤال، الذى قد يبدو بريئًا للبعض، يحمل فى طياته استغرابًا، ليبيريا، أسسها مجموعات من العبيد الأمريكيين المحررين، تتخذ الإنجليزية لغة رسمية لها منذ عقود طويلة، وهذا السؤال لا يعكس فقط جهلًا فاضحًا بتاريخ وثقافة بلد أفريقى مهم، بل يوحى بأن إتقان اللغة الإنجليزية من قبل قائد أفريقى أمر مستغرب وغير متوقع، وهو ما يغذى الصور النمطية السلبية عن القارة الأفريقية وشعوبها، ابتسامة بواكاى الممزوجة بالحرج وإجابته الموجزة "نعم سيدى فى ليبيريا" كانت ردًا دبلوماسيًا راقيًا على ترامب.
تتجاوز هذه التصرفات كونها مجرد زلات شخصية لتشكل تداعيات أعمق على العلاقات الدبلوماسية، فهى ترسخ صورة للغطرسة والاستعلاء، وتقلل الثقة لبناء شراكات حقيقية ومثمرة، فعندما يتصرف رئيس دولة عظمى بهذا الشكل، فإنه يرسل رسالة واضحة بأن العلاقة ليست قائمة على الاحترام المتبادل والندية، بل على توازن قوى غير متكافئ حيث يفرض طرف إرادته وشروطه، وهذا المنهج لا يساهم فى تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمى أو الدولى، بل يعرقل أى جهود لبناء جسور من التفاهم والتعاون الحقيقى بين الولايات المتحدة والقارة الأفريقية، فالدبلوماسية الفعالة لا تبنى على الإهانة والتقليل من الشأن، بل على الاحترام، حتى وإن اختلفت وجهات النظر.

Trending Plus