سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 12 يوليو 1893.. إسماعيل باشا يبدو عليه الكبر وضعف البصر أثناء استقباله لحفيده الخديو عباس الثانى فى الآستانة بعد 14 عاما من نفيه وشوقه للعودة إلى مصر

إسماعيل باشا
إسماعيل باشا

بدا على الخديو الأسبق إسماعيل باشا الكبر وضعف البصر، وأوشك على السقوط حينما كان يخطو فى اتجاه حفيده الخديو عباس حلمى الثانى، والذى كان فى أول زيارة إلى الآستانة عاصمة الدولة العثمانية، بينما كان «إسماعيل» يعيش فيها معزولا عن الحكم، بعد أن قررت الدول الكبرى بزعامة فرنسا وإنجلترا عزله، فأصدر السلطان العثمانى فرمانا بذلك يوم 26 يونيو 1879، وتولى ابنه توفيق الذى خلفه ابنه عباس حلمى الثانى، وغادر إسماعيل مصر نهائيا إلى نابولى يوم 30 يونيو 1879، ثم انتقل فيما بعد إلى تركيا للعيش فيها بموافقة السلطان عبدالحميد.

اعتزم عباس حلمى الثانى زيارة الآستانة، ويذكر أحمد شفيق باشا، رئيس ديوان الخديو عباس الثانى فى الجزء الثانى من مذكراته «مذكراتى فى نصف قرن»: «وجه الخديو إلى مجلس النظار يوم 3 يوليو 1893 الأمر الآتى: قد عزمنا بحول الله تعالى ومشيئته على زيارة الآستانة العلية والتشرف بمشاهدة أنوار مولانا الخليفة الأعظم للتشكر وأداء واجباتنا لسدته العلية الملوكية»، وهكذا وضع الخديو أهداف زيارته، وبالطبع فإنه طالما سيذهب إلى الآستانة كان شىء ما سيحدث بينه وبين جده إسماعيل الذى مضى على غربته 14 عاما دون أن يرى فيها مصر، رغم شوقه الذى لا ينقطع نحوها، ورغم كل محاولاته للعودة والتى باءت جميعها بالفشل.

كانت أولى اللقطات بين «الجد» و«الحفيد» هو خروج إسماعيل قادما على زورق لاستقبال «عباس حلمى الثانى» يوم وصوله إلى الأراضى التركية فى أول أيام زيارته إليها 10 يوليو 1893، ويصف أحمد شفيق باشا هذه اللحظات فى مذكراته قائلا: «على الأثر شاهدنا الخديو الأسبق إسماعيل باشا قادما على زورق يرافقه راتب باشا السردار السابق، وقد بدا عليه الكبر وضعف بصره، وكانت تبدو عليه اللهفة لرؤية حفيده يتجلى ذلك فى أسارير وجهه ونظرات عينيه وخطواته المسرعة رغم ضعفه، حتى لقد أوشك على السقوط حينما كان يخطو من السلم إلى الكويرتة، وكنت قريبا من بعض رجال الحاشية فبادرنا إلى معاونته».

شملت هذه الزيارة تفاصيل كثيرة، لكن دراما حياة إسماعيل فى الغربة، والشوق المتبادل بينه وبين حفيده أضفيا عليها طبيعة خاصة بالنسبة للاثنين، منها ما حدث فى يوم 12 يوليو، مثل هذا اليوم، 1893 والذى يذكره أحمد شفيق باشا، قائلا حضر إسماعيل ومعه نجلاه حسين وإبراهيم لتهنئة الخديو، بما ناله من تعطفات السلطان عبدالحميد بمنحه نيشان الامتياز المرصع، وفى يوم 11 يوليو زار الخديو جده فى السرايا الخاصة به، وعلى رصيف السراى ذبحت الذبائح، واستقبل البرنسات الخديو على الرصيف، وفى أسفل السلم كان إسماعيل باشا ينتظر حفيده فى اشتياق ولهفة ثم دخلا إلى الحرم فقضيا نحو الساعة ثم خرجا، وتكررت الزيارة يوم 20 يوليو.

ويقول شفيق باشا: «كان إسماعيل فى استقبال حفيده داخل السراى، حيث حاول الخديو تقبيل يده احتراما لمقام الأبوة، فأبى عليه ذلك إجلالا لمقامه فى ضيافته»، ويصف شفيق باشا غرفة مائدة الطعام التى ضمت الجميع، قائلا: « لما دخلنا غرفة المائدة بهرتنا فخامة الأوانى الصينية والذهبية التى يندر وجودها عند الملوك، وقد صنعت باسم الخديو الأسبق منذ أعوام بعيدة فى فلورنسا على الرسم الذى وضعه ماريت باشا، وفيه أدق النقوش التى توجد على الهياكل المصرية»، وبعد العشاء توجه الجميع إلى سرادق تم إعداده لتمثيل رواية تركية من نوع الكوميديا.

ومع هذه الحرارة والدفء بين الجد والحفيد، يقفز السؤال: «ألم يطلب إسماعيل من عباس السماح له بالعودة إلى مصر، خاصة وإذا عرفنا قسوة الحياة التى كان يعيش فيها إسماعيل فى تركيا بالرغم من ثروته المأهولة وحريمه وحاشيته الكبيرة، ويشير «إلياس الأيوبى» فى كتابه «تاريخ مصر فى عهد إسماعيل» إلى جانب من هذه القسوة، قائلا: «منذ أن سمح له السلطان عبدالحميد بأن يحل فى قصره الفخيم إلا وأحاط به الجواسيس، ولم يعودوا يفارقون حركاته وسكناته، وكان عبدالحميد مولى تسوده الظنون، وتملك الريب فى الناس زمام أمره». 

فى هذه الأجواء القاسية التى كان يعيش فيها «إسماعيل باشا» من الطبيعى أن يكون طلب من حفيده خلال هذه الزيارة السماح له بالعودة إلى مصر، ويقول الياس الأيوبى عن ذلك: «يقال إنه التمس منه الاستئذان بالعودة إلى مصر لأن حنينه إليها لا يحتمل، ولكن عباس لم يفعل إما لعدم رغبة منه مبنية على تخوف من جده، وإما لسهو مبنى على عدم محبة له»، واستمر فى منفاه حتى توفى يوم 2 مارس 1895 وعمره 65 عاما وعاد جثة إلى مصر.

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى