عاطف محمد عبد المجيد يكتب عن مذكرات جميل مطر حكايتى مع الصحافة

ماتكونوش فاكرين إنكم كاتبيين درر؟!
أهدت إلى تجربتى فى الدبلوماسية حكايتى الأولى التى سجلتها فى كتاب "حكايتى مع الدبلوماسية"، أما الصحافة فقد أهدتنى حكايتى الثانية الرائعة، التى أسجلها فى كتابى هذا.
هذا ما يبدأ به جميل مطر كتابه "حكايتى مع الصحافة" الصادر عن الدار المصرية اللبنانية، وفيه يكتب قائلًا إنه بدأ مشاويره المهنية بمشوار المتدرب فى مهنة المكتبات العامة، التجربة التى طرحت أمامه مجموعة من أخلاقيات وقواعد العمل عززت عوده على امتداد تجاربه المهنية المختلفة، ذاكرًا أنه سعى بالدبلوماسية إلى تحقيق حلم رائع ما لبث أن تكسرت أضلاعه على صخرة واقع رفضت تفاصيله أن تهدأ أو تلين، وقد أفاق من الحلم الرائع المنتهى منهزمًا لتهل الصحافة حلمًا آخر لا يقل روعة، وفى الحقيقة هى سلسلة أحلام تبارت فى ما بينها للفوز بمكانة الحلم الأمثل.
هنا يتوقف مطر عند تجربته مع جريدة الأهرام التى كانت ولا تزال بطل حكايته مع الصحافة، إذ تبدأ علاقته بها منذ سنوات طفولته حيث كان أول من يفتح باب الشقة ليسحب نسخة الأهرام الموضوعة أمامه، وكانت هذه النسخة الملقاة أمام باب الشقة فاتحة علاقة طويلة الأجل مع الأهرام جريدة ومؤسسة، معلنًا هنا أن الأقدار شاءت أن يبدأ المرحلة الدبلوماسية فى حياته المهنية من مدخل الصحافة، مشيرًا إلى أنه أدرك مبكرًا أهمية الدور الذى تؤديه العلاقات الشخصية فى حياتنا العملية، خاصة فى تلك المهن التى اختار ممارستها أو اختارته وتخلى عنها بعد قضاء فترة فيها أو معها.
حكايته مع الصحافة
هنا يتحدث جميل مطر عن نشأته، عن التحاقه بالسلك الدبلوماسى وعمله ملحقًا سياسيًّا بسفارة مصر فى الهند، ثم انتقاله إلى بكين وغيرها من المدن، وعن أول مقال كتبه لينشر فى جريدة الأهرام، عن رحلتيه الآسيوية والعربية، عن مهنة البحث عن الحقيقة، عن مُتع الصحافة ومتاعبها، عن الصحافة والدبلوماسية معًا فى فترة التكوين، وعن درس مكثف فى إدارة مؤسسة صحفية، معبرًا عن سعادته بحسن حظه الذى لازم معظم حكايات حياته العملية خاصة حكايته مع الصحافة، ظانًّا أنه لو لم يتلقَّ الدرس الأول عن الصحافة بالشكل الذى تلقاه فى دار الشيخ بيومي، زوج خالته، لربما تلقاه بشكل آخر يسيء إلى كل الفرص الطيبة التى واتته فى مرحلة عمرية لاحقة، ذاكرًا أنه قضى فى شبابه المبكر ولا يزال يقضى فى شبابه المتأخر أوقاتًا متناثرة يراقب صحفيين يعملون وشبابًا يحلمون ويتدربون ليكونوا صحفيين، معترفًا هنا أن أهم الدروس التى أثرت فى تكوينه وتطوره الصحفى تلقاها فى حياته العملية وليس عبر كتاب مدرسى أو بحث أكاديمي، دون أن ينفى استفادته من قراءته للكتب وغيرها من المراجع الأكاديمية، غير أن الفائدة الأعظم جناها من الممارسة الفعلية زائرًا فى صالة الأخبار فى مقر الجريدة، ومن اختلاطه المكثف بصحفيين مخضرمين ونابهين ومخلصين.
ومن المواقف التى لا ينساها مطر هو أن دكتور عبد الملك عودة وقت أن كان مساعدًا لرئيس مجلس الإدارة كان بسيطًا بساطة مثيرة للإعجاب، وكان حينما يُلح كغيره لمعرفة موعد نشر مقال كتبه وسلمه فى مكتبه، كان د. عودة يقول مبتسمًا وساخرًا: متسربعين ليه، ما تكونوش فاكرين إنكم كاتبين درر؟!، ذاكرًا، مطر، أنه لم يعد يذكر عدد المرات التى توقفت فيها هذه العبارة عند طرف لسانه خلال الفترات التى تولى فيها، بعد ذلك، مسؤوليات التحرير فى مجلة "كتب.. وجهات نظر" أو الإشراف على صفحة أو أخرى من صفحات الرأي! معترفًا أنه لم يتعلم فى الأهرام كل ما كان يجب أن يتعلمه، ولم يمارس كل ما تمنى أن يمارسه أو هكذا كان يفكر أحيانًا، مؤكدًا أنه من حسن حظه أنه تعلم الصحافة على يد معلم ماهر انبهر به كاتبًا منذ سنوات القراءة الأولى، وإداريًّا خلال عمله فى مركز الدراسات وسياسيًّا على امتداد العلاقة، وصديقًا فى كل الظروف وفى كل الأحوال، وهو هنا يتحدث عن هيكل.
الكائن الاجتماعي
هنا أيضًا يقر جميل مطر ويعترف أن صفة الكائن الاجتماعى لم تنطبق على مجمل سلوكياته خلال معظم مراحل حياته، حيث عاش يفضل الانفراد بنفسه على الاختلاط بالناس، مشيرًا إلى نشأته فى عائلة صغيرة لديها أربعة أبناء غير أنه احتكر النصيب الأعظم من التدليل والمعاملة المتميزة خلال أكثر سنوات الطفولة، ذاكرًا أنه عاش طفولته يختبئ وراء معطف أمه عند زيارة أغراب، وأنه كان يتشبث بذراع أبيه عند خروجه معه فى مشواره الأسبوعى لزيارة أشقائه فى الغورية وشارع فاروق، مشيرًا إلى أنه يعرف الآن أنه عاش سنوات نضجه يحارب هذه النزعة الانفصالية فى نفسه وفى سلوكه تجاه الآخرين، متحدثًا عن علاقته بالصحافة التى بدأت متدرجة إذ ترك القاهرة إلى موقعه فى الهند وهناك وفى الصين ثم فى إيطاليا قضى أربعة أعوام قبل أن يعود إلى القاهرة ليقضى فيها عامين قضى جانبًا منهما فى إدارة الصحافة.
مطر يقول كذلك إن كان أسلوبه فى الكتابة قد تحسن، وإن كان نجح فى تخليص ما يكتب من سطوة قوالب الكتابة البيروقراطية، ومن هيمنة شكل وطبيعة المذكرة الدبلوماسية، ومن تحكم عناصر الشك والحذر والقلق فى كتابة الرأي، ومن انحيازات الباحث للمترادفات الأصعب والكلمات المركبة والعبارات المنحوتة، فنجاحه فى كل هذا يرجع الفضل فيه لكتابات كثيرين منهم من كتب العمود القصير، من كتب الرواية، من خصص له وقتًا وجهدًا وقدم له النصيحة، منهم من قابله ومنهم من لم يقابله، معتقدًا أن الصحافة والدبلوماسية يعيش كلاهما على المعلومات، والفرق بين صحفى وآخر أو دبلوماسى أو آخر هو حصيلة معلومات أى منهم، والفرق بين صحفى ودبلوماسى هو فى كيف وأين يوظف كل منهما ما حصل عليه أو جمع من معلومات.
الكتب.. وجهات نظر
مطر الذى يطوف هنا بين عمله فى الصحافة وعمله الدبلوماسي، ساردًا عنهما حكايات، ومواقف مر بها طوال سنوات عمله بهما، كاشفًا تفاصيل نشأته وحياته، مشيرًا إلى أن تناقض المشاعر لازم نشأته ومراهقته وما بعدهما من مراحل نموه الجسدى والذهنى والعاطفي، يذكر هنا أن علاقته بالصحافة لم تنقطع خلال معظم المدة التى قضاها يعمل فى الجامعة العربية فى مقرها التونسي، حيث كانت له مقالات رأى ينشرها بانتظام فى صحف مصرية وعربية، كذلك يتحدث عن تجربته فى إصدار مجلة "الكتب.. وجهات نظر" وعن تجربته فى إصدار جريدة الشروق.
عاطف عبد المجيد
ما يذكره هنا أيضًا أن مساحة شاسعة تفصل بين مقابلة مسئول عربى ومقابلة مسئول آسيوي، معتقدًا أن لعنصر الثقة المتبادلة بين الصحفى والمسئول العربي الدور الأكبر فى نجاح أو فشل المقابلة، مشيرًا إلى أن من كان مثله ممن ساقتهم الأقدار ليصبحوا طرفًا فى قافلة الصحافة الورقية، يعيشون فى قلق له ما يبرره غالبًا، إذ هو مؤلم جدًّا للصحفى المنتمى للمهنة عاطفيًّا والمرتبط بها ماديًّا وأخلاقيًّا أن يجد نفسه بعد تاريخ طويل فى المهنة يسعى وراء الخبر فى إحدى وسائل التواصل الاجتماعي، وأن انحسار الصحافة الورقية لم يكن السبب الوحيد فى تغير العلاقة بين الصحفى والسياسي، حيث كان السياسى فى أزمنة سابقة يعتمد على الصحفيين الكبار فى الحصول على المعلومات والأخبار الدولية والمحلية، إذ لم تكن أجهزة الاستخبارات والاستماع والاتصالات تطورت إلى حد انتفت معه الحاجة لهذا الصحفى الكبير أو ذاك فى تقديم هذه الخدمة الحساسة والضرورية.

Trending Plus