كيفية الاستفادة من مياه الصرف الزراعى.. تعوض 30% من احتياجات الرى بمصر بنحو 4.8 مليار متر مكعب سنويا.. نتصدر العالم بمحطة بحر البقر لمعالجة 5.6 مليون متر مكعب يوميا.. ومحطة الحمام تقود ثورة المعالجة فى الدلتا

تواجه مصر تحديات كبيرة فى مجال الموارد المائية، حيث تعتبر من أكثر الدول التى تعانى من ندرة المياه، خاصة مع التزايد السكانى المستمر والاحتياجات المتزايدة فى قطاعات الزراعة والصناعة والاستهلاك اليومى، وفى ظل هذه الظروف الصعبة، برزت أهمية الاستفادة من مياه الصرف الزراعى كحل استراتيجى يعزز الأمن المائى ويسهم فى تنمية القطاع الزراعى بشكل مستدام.
مياه الصرف الزراعي هى المياه الناتجة عن استخدام المياه في الري الزراعي، والتي كانت تُعتبر لفترة طويلة مياهًا ملوثة يجب التخلص منها، نظراً لاحتوائها على ملوثات عضوية وغير عضوية، ومخاطر بيئية عديدة. لكن مع التطور العلمي والتقني، أصبح من الممكن إعادة معالجة هذه المياه وتحويلها إلى مصدر مائي آمن يمكن استخدامه لري المحاصيل الزراعية، خاصة فى المناطق الصحراوية التى تعاني من ندرة المياه العذبة.
اتخذت مصر خطوات كبيرة فى هذا المجال من خلال تنفيذ مشروعات ضخمة لمعالجة مياه الصرف الزراعى، على رأس هذه المشروعات تأتى محطة بحر البقر، التى تعد الأكبر من نوعها فى العالم، حيث تمتلك قدرة معالجة تصل إلى حوالى 5.6 مليون متر مكعب يوميًا، تخدم هذه المحطة بشكل رئيسى مناطق شمال ووسط سيناء، والتى تمثل أحد أهم المناطق المستهدفة فى خطة الدولة لاستصلاح وزراعة الأراضي الصحراوية.
إلى جانب محطة بحر البقر، تم إنشاء محطة الحمام فى الدلتا مصر والتى تبلغ طاقتها حوالى 7.5 مليون متر مكعب يوميًا، وتستهدف هذه المحطة استصلاح الأراضي الصحراوية فى غرب الدلتا، وتحويلها إلى أراضٍ زراعية منتجة، كذلك توجد محطة المحسمة فى شرق قناة السويس التى تبلغ طاقتها نحو 1.5 مليون متر مكعب يوميًا، وتساهم فى استصلاح حوالى 50 ألف فدان، ما يوضح الأهمية الكبيرة لهذه المشروعات فى زيادة الرقعة الزراعية.
تُعد مياه الصرف الزراعي المعالجة اليوم مصدراً هاماً للمياه، حيث تسهم فى توفير ما يقرب من 4.8 مليار متر مكعب سنويًا، يستخدم لرى المحاصيل الزراعية، مما يدعم زيادة الإنتاج الزراعى وتحقيق الاكتفاء الذاتى من الغذاء، ويعزز من قدرة مصر على مواجهة التحديات البيئية والمائية المتزايدة.
تعمل وزارة الموارد المائية والري المصرية على تطوير تقنيات متقدمة لمعالجة مياه الصرف الزراعي تضمن إزالة الملوثات بشكل فعال، وتطبيق نظم مراقبة دقيقة لجودة المياه المعالجة قبل استخدامها فى الرى. بالإضافة إلى ذلك، يتم اختيار المحاصيل الزراعية التي تتناسب مع نوعية المياه المستخدمة، ويفضل زراعة المحاصيل التى تتحمل ظروف الملوحة والظروف البيئية القاسية.
تتضمن خطة مصر المستقبلية لتوسيع الاستفادة من مياه الصرف الزراعى إنشاء المزيد من محطات المعالجة فى مناطق مختلفة من البلاد، وذلك بهدف تغطية أكبر مساحة ممكنة من الأراضى الزراعية الجديدة، خاصة فى الصحراء الغربية والشرقية، كما تهدف الخطة إلى تحسين كفاءة تشغيل هذه المحطات من خلال تدريب الكوادر الفنية والإدارية المختصة، لضمان استدامة تشغيل هذه المحطات على المدى الطويل.
من ناحية أخرى، تولى الدولة اهتمامًا كبيرًا لنشر الوعى بين المزارعين بأهمية إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي، ومخاطر الاستخدام الخاطئ لها، حيث إن التعليم والتدريب هما عنصران أساسيان لنجاح هذه المشاريع وضمان استدامتها.
على الصعيد الاقتصادى، يمثل استخدام مياه الصرف الزراعى فرصة كبيرة لتقليل الضغط على المصادر التقليدية من المياه العذبة، وبالتالى خفض تكاليف المياه المستخدمة فى الزراعة، مما ينعكس إيجابيًا على تكلفة الإنتاج الزراعى ويزيد من تنافسيته فى الأسواق المحلية والعالمية.
أمثلة لمشروعات بارزة فى إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي فى مصر
تتبنى مصر عددًا من المشروعات الرائدة التي تهدف إلى معالجة مياه الصرف الزراعي واستخدامها في الزراعة، مما ساعد بشكل كبير في استصلاح الأراضي وتوفير المياه اللازمة في ظل التحديات المائية.
محطة بحر البقر تعد أكبر محطة لمعالجة مياه الصرف الزراعي على مستوى العالم، حيث تقع فى دلتا مصر وتبلغ طاقتها حوالي 5.6 مليون متر مكعب يوميًا. هذه المحطة العملاقة تخدم بشكل رئيسي مناطق شمال ووسط سيناء، وتسهم في استصلاح آلاف الأفدنة الصحراوية من خلال توفير مياه معالجة صالحة للري، مما ساعد فى تحويل مناطق صحراوية قاحلة إلى أراضٍ زراعية منتجة.
محطة الحمام تقع فى دلتا مصر وتعمل بطاقة معالجة تصل إلى 7.5 مليون متر مكعب يوميًا. تستهدف هذه المحطة استصلاح الأراضي في غرب الدلتا، وتحويلها إلى مناطق زراعية قادرة على إنتاج محاصيل متعددة، كما تساهم في تقليل الاعتماد على مصادر المياه العذبة التقليدية.
محطة المحسمة فى شرق قناة السويس، والتي تعالج حوالي 1.5 مليون متر مكعب من مياه الصرف يوميًا، تلعب دورًا مهمًا فى استصلاح حوالي 50 ألف فدان من الأراضى الصحراوية، حيث يتم استخدام المياه المعالجة لري المحاصيل، ما يسهم في زيادة الإنتاج الزراعي ويعزز من فرص التنمية في المنطقة.
بالإضافة إلى هذه المحطات الكبيرة، تنفذ مصر عددًا من المشروعات الصغيرة والمتوسطة في محافظات مختلفة تعتمد على تقنيات معالجة متقدمة تضمن جودة المياه المستخدمة في الزراعة، وتستهدف هذه المشروعات زيادة رقعة الأراضي المستصلحة ودعم المزارعين المحليين بموارد مائية مستدامة.
هذه الأمثلة وغيرها تظهر بوضوح التزام مصر بخطتها الوطنية لاستغلال الموارد المائية المتاحة بأفضل الطرق، وهو ما يعكس رؤية واضحة لتحقيق تنمية زراعية مستدامة وأمن مائي طويل الأمد.
جهود مصر في مجال معالجة وإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي نموذجًا رائدًا يعكس قدرة الدولة على مواجهة تحديات نقص المياه وتحقيق التنمية المستدامة. فبفضل التخطيط الحكومي الدقيق، والتكنولوجيا المتطورة، والوعي المجتمعي، يخطو القطاع الزراعي خطوة جديدة نحو المستقبل، يضمن فيها أمنه المائى والغذائى، ويحقق نقلة نوعية فى التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

Trending Plus