نسيج وهوية.. أزياء مصر فى عدد خاص لليوم السابع

يقدم اليوم السابع عددا خاصا تحت عنوان "أزياء مصر - نسيج وهوية"، يكشف تاريخ المصريين مع "ملابسهم" من الفراعنة إلى العصر الحديث ووسط تناغم وتواصل بين الأجيال..
حيث حط الإنسان على الأرض مُتحلّلا من كل شيء؛ حتى ما يستر به حضوره العارى، بحسب النص القرآنى، عندما عصى آدم وحواء أمر ربهما، بدت لهما سوءاتهما، «وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة»؛ يُرقّعانها بما يُشبه الثوب. فى الميثولوجيا حكايات عدّة، وفى الفهم التاريخى المُجرّد لا شكّ أن أول إنسان على الأرض كان مكشوفا مثل طينهما؛ ثم أخذ يجمع من بيئته عودا إلى جوار آخر، وينسج رداءه الأول، وينسج معه المداميك الأولى في ثقافته الإنسانية.
الأصل واحد؛ لكن الحياة وزّعته على طرق شتّى، العائلة الأولى أرست ملامح الستر؛ ثم أخذت تنتشر وتستجيب لتحدياتها بالإمكانات المتاحة، من الطقس إلى ظروف الطبيعة، وما بين الوفرة والنُدرة، وتراكم الخبرة وفارق الخيال، وهكذا أخذت البشرية تنمو على خطّ الزمن وعيًا وسلوكا، وعلى خطّ التحضّر اكتشافا وممارسة، وتشكّلت تمايزات الثقافة بين المجتمعات فى صور عِدّة؛ لعل من أهمها وأوضحها ما تختزنه الدواليب ويتعلّق على مشاجب البيوت، وما ينتقل بعدّته الكاملة من يدٍ ليد، أو يتحوّر فى الزمان والمكان ككائن حى يتنفس صيرورته اليومية. إنها الأزياء، الملابس، النسيج المشغول لُحمة وسداة، بغرزة من المادى وأخرى من المعنوى، وبالخيوط والهُويّة معًا.
في رحلة الشعوب الممتدة عبر الزمان، لا يبقى من التاريخ إلا ما يرسّخ في وجدان الناس، وما يتجسد في تفاصيل حياتهم اليومية، ومن بين هذه التفاصيل، تبقى الأزياء أكثر من مجرد قماش يُلبس، إنها ذاكرة وهوية.
ومصر، بتاريخها الضارب في القدم، ليست كأي بلد، فهي الأرض التي احتضنت واحدة من أعظم الحضارات في التاريخ الإنساني، حضارة لم تكن يومًا مجرد آثار على جدران المعابد، بل كانت نمط حياة معاشة، لا تزال بعض ملامحها باقية في وجدان المصريين إلى اليوم.
وما يثير الدهشة والإعجاب أن المصريين ظلوا، لآلاف السنين، يعيشون وفق روح تلك الحضارة، بتناغم وتواصل بين الأجيال، لكن، في العقود الأخيرة، بدأت العولمة تهدد هذا التواصل، وصار الخطر الأكبر موجهًا إلى الهوية المصرية، ومن أبرز مظاهر هذه الهوية الأزياء التقليدية.
رغم تنوع الأزياء في مصر، ما بين الصعيد والدلتا، بين البدو والحضر، بين القرية والمدينة، فإن ثمة سمة مصرية أصيلة توحد هذا التنوع، فعندما ترى هذه الأزياء، تشعر فورًا بعبق الأرض، وتدرك أنها تنتمي إلى هذه التربة الطيبة.
لكن هذا التنوع الثري بات مهددًا بالاندثار، لأسباب ثلاثة:
التأثير الخارجي منذ سبعينيات القرن الماضي، حين سافر عدد كبير من المصريين للعمل في الدول العربية، ثم عادوا محملين بثقافات وأنماط ملبس مختلفة، وبدأوا في تعميمها بوصفها نموذجًا للتدين، متناسين أن كل بيئة لها ما يناسبها، وأن الخصوصية الثقافية لا تتناقض مع الدين، بل تعززه.
سطوة العولمة الغربية، التي فرضت ثقافتها على المجتمعات، وارتبطت عند البعض بمفاهيم «التحضر» و»التمدن»، فصار الانسياق وراء الأزياء الغربية نوعًا من التطور، على حساب فقدان الطابع المحلي، ما يستدعي مواجهة واعية لحماية ما تبقى من خصوصيتنا.
تفكك الخصوصية المحلية، حيث لم يعد الزي التقليدي محل فخر واعتزاز كما كان في السابق، وخصوصًا لدى النساء، حيث تراجعت الألوان الزاهية وهيمنت العباءة السوداء، التي تحوّلت إلى رمز كئيب، يوحي بالحزن، ويفرض حالة من الفقد المستمر.
ولذلك، نفتح هذا الملف المهم تحت عنوان: «الأزياء المصرية بوصفها هوية»، لنُعيد النقاش حول معنى الزي، ودوره في التعبير عن الإنسان والمكان، قبل أن نتحول إلى مجرد أفراد نرتدي ما يُفرض علينا، دون وعي أو تميّز.






Trending Plus