ترحيل المهاجرين.. صفقة ترامب مع أفريقيا

مرة أخرى، تحاول قوى عالمية فرض أجنداتها على القارة الأفريقية، وهذه المرة عبر ضغوط أمريكية لقبول مهاجرين مرحلين من الولايات المتحدة، بعضهم من المدانين بجرائم خطيرة، وكأن أفريقيا أصبحت ملعبًا تلقى فيه مشكلات الآخرين وأزماتهم، وهو ما يفتح الباب أمام نقاش بالغ الأهمية حول النظرة الغربية للقارة ، ودور أفريقيا على الساحة الدولية، فما يحدث ليس مجرد طلب دبلوماسى، بل هو محاولة صريحة لتحويل القارة إلى "سلة مهملات" لمشاكل الآخرين، وهذا أمر يجب أن يواجه برفض قاطع من كل مواطن فى أفريقيا.
إن رؤية الولايات المتحدة لأفريقيا كمنطقة يمكنها استيعاب "الفائض" من المهاجرين الذين لا ترغب فيهم، وبعضهم من المدانين بجرائم خطيرة، هى رؤية مهينة لا تتوافق مع مبادئ السيادة الوطنية والاحترام المتبادل، الحديث عن "نقل كريم وآمن" لهؤلاء المهاجرين بينما ترفض بلدانهم الأصلية استقبالهم هو مجرد تزيين لكارثة إنسانية وسياسية يتم التخطيط لها بعناية، كيف يمكن لدول أفريقية، تعانى أصلاً من تحديات اقتصادية واجتماعية، ومن عبء اللاجئين والنازحين داخليًا، أن تتحمل عبء أناس لا ينتمون إليها، وبعضهم قد يشكل خطراً على أمنها واستقرارها؟.
تصريح وزير الخارجية النيجيرى يوسف توغار، الذى رفض بشدة هذا المقترح، هو صوت العقل الذى يجب أن يتردد فى كل عاصمة أفريقية، فنيجيريا بأكثر من 230 مليون نسمة وتحدياتها الداخلية المعقدة، ليست فى وضع يسمح لها بقبول المزيد من اللاجئين أو المرحلين، خاصة من خارج القارة، هذا ليس مجرد رفض لطلب، بل هو إعلان عن أن أفريقيا ليست ساحة خلفية للمشاكل العالمية، وأن كرامة شعوبها وسيادتها الوطنية ليست للبيع أو المساومة.
إن المقارنة مع اتفاقيات سابقة أبرمتها الولايات المتحدة مع دول فى أمريكا الوسطى تزيد من خطورة الموقف، محاولة نقل هذا "النموذج" إلى إفريقيا يكشف عن استراتيجية واضحة لإدارة ترامب لتجاوز العقبات القانونية والدبلوماسية فى ملف الترحيل، على حساب استقرار دول العالم الثالث، هذا التوجه لا يخدم سوى المصالح الأنانية للولايات المتحدة، ويتجاهل تماماً تداعياته الكارثية على الدول المضيفة.
يجب على قادة أفريقيا أن يكونوا موحدين فى رفضهم لمثل هذه المخططات، فالحديث عن تعزيز التجارة و"الانتقال من المساعدات إلى التجارة" يجب ألا يكون غطاءً لفرض أجندات تضر بمصالح القارة، فأفريقيا غنية بمواردها الطبيعية والبشرية، وهى قادرة على بناء مستقبلها بنفسها دون أن تكون طرفاً فى صفقات غير عادلة تمس كرامتها وسيادتها، علما بأن هذه الموارد تنهب وتسرق من قبل الدول الكبرى، و حان الوقت لأن تترك لأفريقيا خيراتها لتبنى بها مستقبلها، ولتبقى الدول الكبرى "مساعداتها" لنفسها، فالحديث عن تعزيز التجارة و"الانتقال من المساعدات إلى التجارة" يجب ألا يكون غطاءً لفرض أجندات تضر بمصالح القارة، أو للتحكم فى ثرواتها، وأفريقيا قادرة على بناء مستقبلها بنفسها دون أن تكون طرفًا فى صفقات غير عادلة تمس كرامتها وسيادتها.
التحول من المساعدات إلى التجارة يجب أن يكون مبنياً على شراكة حقيقية تخدم الطرفين، لا على استغلال ضعف طرف لفرض إرادة الطرف الآخر، و القارة الأفريقية ليست ساحة للاختبارات الاجتماعية أو مستودعاً للمشاكل التى لا يريدها الغرب، وليست سلة مهملات.

Trending Plus