سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 13 يوليو 1798.. القوات الفرنسية تهزم جيش المماليك فى «شبراخيت» بسبب الجهل بأساليب القتال الحديثة ونابليون يخلى شاطئ النيل من الفلاحين الذين يهاجمونه أثناء سيره للقاهرة

وصلت قوات الاحتلال الفرنسى إلى «الرحمانية» بمحافظة البحيرة فى طريقها من الإسكندرية إلى القاهرة، بعد أسبوعين من وصول حملة بقيادة نابليون بونابرت لاحتلال مصر، وفى «الرحمانية» استعد «بونابرت» لمهاجمة جيش المملوكى مراد بك الذى جاء من القاهرة، حسبما يذكر عبدالرحمن الرافعى فى الجزء الأول من موسوعته «تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم فى مصر».
كن جيش مراد بك يتكون من نحو 12 ألف رجلا، منهم ثلاثة آلاف من فرسان المماليك، والباقون فلاحون وأتباع البكوات، وتسلح الفلاحون بالبنادق والعصى «الشماريخ»، وفقا للرافعى، مضيفا: «تحرك الجيش الفرنسى من الرحمانية، وقضى ليلة 13 يوليو 1798 فى ناحية «منية سلامة»، واتخذها مؤقتا معسكره العام، وأخذ نابليون يتأهب للقتال، فأمر «الكونترا ميرال بيرى» أن يحمى بأسطوله ميسرة الجيش فى هجومه على «شبراخيت» بحيث لا يبتعد عن صفوف الجنود، فتحركت السفن الفرنسية فى الساعة الثامنة من صبيحة 13 يوليو، مثل هذا اليوم، 1798، ولكن ريحا عاصفة هبت على السفن فدفعتها عن موقع الجيش مسافة طويلة، فالتقى الأسطول الفرنسى بأسطول المماليك الذى كان يحمى ميمنة جيش مراد بك بالقرب من شبراخيت».
يذكر «الرافعى»، أن الأسطول الفرنسى كان مؤلفا من 12 سفينة مسلحة وعدة مراكب تقل كتيبة من الجنود وتحمل الذخائر والأقوات، وجماعة من أقطاب الحملة الفرنسية العلماء، وسكرتير نابليون الخاص، والمسيو سوسى مدير مهمات الجيش، أما أسطول مراد بك فكان مؤلفا من عدد السفن لا يقل عن عدد الأسطول الفرنسى يقوده القبطان خليل الكريتلى، فتلاقى الأسطولان فى النيل بالقرب من شبراخيت وأخذا يتبادلان إطلاق القنابل.
يضيف الرافعى، أن مركز الأسطول الفرنسى كان محفوفا بالخطر لأن ألوفا من الأهالى المسلحين على شاطئ النيل تهاجمه من الجانبين، فغرقت منه خمس سفن وهوت إلى قاع النيل واستولى الأهالى على سفينتين مسلحتين، ومرت لحظة كادت الدائرة تدور عل السفن الفرنسية، لولا إحكام مرمى مدافعها فأصابت قنبلة منها سفينة من سفن مراد بك كانت مستودع البارود فنسفت السفينة نسفا، وكان الجنرال «أندريوسى» على ظهر إحدى النقالات فأمر بإنزال جنوده إلى البر لمقاومة الأهالى الذين يطلقون النار على السفن، فاستطاع أن يبعد عن الشاطئ جموع الفلاحين الذين يهاجمون الأسطول الفرنسى، واستمر القتال ثلاث ساعات حتى حضر نابليون بجنوده.
يذكر «الرافعى»، أن جيش مراد بك كان يرتكز بميمنته إلى شبرا خيت، وإلى النيل حيث كان أسطوله راسيا، فرتب نابليون جنوده مربعات، فكانت كل فرقة من الفرق الخمس تؤلف مربعا، والمدافع على زوايا المربعات، وهجم بهذا النظام المحكم على جنود مراد بك، فكانوا مكشوفين أمام نيران المدافع والبنادق، وأخذوا بالرغم من ذلك يهاجمون جناحى الجيش الفرنسى وجبهته، وانتشر فرسانهم فى السهل ليحيطوا بالمربعات الفرنسية، لكن نار المدافع حصدت الصفوف المتقدمة منهم، فاختل نظامهم وانسحبوا بغير نظام إلى شبرا خيت، بعد أن قتل منهم نحو مائتى قتيل، فتعقبهم نابليون بجنوده واحتل شبرا خيت، وأخلى شاطئ النيل من جموع الفلاحين الذين يهاجمون الأسطول الفرنسى.
يضيف «الرافعى»، أنه بالرغم من أن الجيش الفرنسى كان ينقصه الفرسان فإنه انتصر على قوات مراد بك لجهلها أساليب القتال الحديثة، وينقل عن أحد ضباط نابليون قوله: «لوكان جيش المماليك متدربا على ضرورة القتال الحديثة، ويقوده ضباط متعلمون لأمكنهم أن يهزموا الجيش الفرنسى أو لأجبروه على التراجع إلى الإسكندرية»، ويؤكد «الرافعى» أن القسط الذى احتمله الأهالى فى هذه المعركة كان كبيرا، بل كان أكبر من قسط المماليك.
ينقل «الرافعى» ما ذكره الجبرتى عن واقعة «شبراخيت»: «فى يوم الجمعة التاسع والعشرين من محرم 1213 - 13 يوليو 1798 - التقى العسكر المصرى مع الفرنسيس، فلم تكن إلا ساعة وانهزم مراد بك ومن معه، ولم يقع قتال صحيح، وإنما هى مناوشة من طلائع العسكريين بحيث لم يقتل إلا القليل من الفريقين، واحترقت مراكب مراد بك بما فيها من الجبخانة والآلات الحربية، واحترق بها رئيس الطبجية خليل الكردلى، وكان قد قاتل فى البحر قتالا عجيبا، فقدر الله أن علقت نار بالقلع، وسقط منها نار إلى البارود فى الهواء، فلما عاين ذلك مراد بك داخله الرعب وولى منهزما وترك الأثقال والمدافع وتبعته عساكره، ونزلت المشاة فى المراكب، ورجعوا طالبين مصر - القاهرة، ووصلت الأخبار بذلك إلى مصر فاشتد انزعاج الناس».
يؤكد الرافعى، أنه بانتصار الفرنسيين فى «شبراخيت»، تابع الجيش الفرنسى زحفه إلى القاهرة، وكان الأهالى والعرب يتعقبون فرقه فيقتلون كل من يدركونه ممن يتخلفون عن قوة الجيش إعياء وتعبا، أو ممن يتنقلون بين مختلف القرى لتبليغ الرسائل إلى قواد الفرق، حتى اضطر نابليون إلى تشديد أوامره على الجنود والرجال الملكيين التابعين للحملة بعدم الابتعاد عن فرقهم.

Trending Plus