"أوقاف الأقباط الأرثوذكس" 6 عقود من الحماية والإدارة الرشيدة للأملاك الكنسية.. الهيئة نشأت استجابةً لأزمات تاريخية هددت الممتلكات.. وتدير آلاف الأفدنة ومئات العقارات الموقوفة بآليات مؤسسية دقيقة

تُعد هيئة أوقاف الأقباط الأرثوذكس إحدى أهم المؤسسات الكنسية ذات الطابع القانونى والإدارى، والتى أنشئت بموجب القانون رقم 264 لسنة 1960، لتكون الجهة الرسمية المشرفة على أوقاف الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، من أراضٍ وعقارات، بما يضمن الحفاظ عليها واستغلالها فى خدمة أغراض البر والتعليم والرعاية.
وتأسست الهيئة استجابة لأزمتين واجهتهما الكنيسة القبطية فى عام 1959: الأولى تمثلت فى رغبة الدولة بتطبيق قوانين الإصلاح الزراعى على الأوقاف الكنسية، والثانية تتعلق بسوء إدارة هذه الأوقاف، وهو ما دفع المجمع المقدس بقيادة البابا كيرلس السادس إلى تشكيل لجنة قانونية لوضع تصور لحماية تلك الممتلكات. وأسفرت جهود اللجنة عن إصدار القانون الذى أنشأ الهيئة وأعفا بعض ممتلكات الكنيسة من تطبيق أحكام الإصلاح الزراعى.
ونص القانون فى مادته الأولى على استثناء ما لا يتجاوز 200 فدان لكل جهة موقوفة عليها، ومائتى فدان من الأراضى البور، من قانون الإصلاح الزراعي، سواء كانت موقوفة للبطريركية أو المطرانيات أو الأديرة أو الكنائس أو جهات التعليم والبر.
كما أسندت المادة الثانية من القانون إلى الهيئة الشخصية الاعتبارية، ومنحتها صلاحيات واسعة فى اختيار واستلام الأراضى الموقوفة، وإدارة شؤونها المالية والإدارية، تحت رقابة الجهاز المركزى للمحاسبات، الذى أكد فى تقاريره خلال الستة عقود الماضية خلو الهيئة من أى مخالفات مالية جسيمة.
وصدر أول قرار جمهورى بتشكيل مجلس إدارة الهيئة فى العام نفسه، رقم 1433 لسنة 1960، وتوالت تشكيلات المجالس حتى آخرها بالقرار الجمهورى رقم 198 لسنة 2019. وتتمثل أبرز اختصاصات الهيئة فى الإشراف على إدارة كافة الأوقاف من أطيان وعقارات، ومحاسبة النظار، وتوزيع الريع على الجهات المستفيدة، إلى جانب إعداد الميزانيات السنوية والتصرف فى الفوائض المالية بما يخدم أغراض الوقف.
وتشرف الهيئة على إدارة نحو 4667 فدانًا موزعة على 337 وقفًا، بالإضافة إلى عدد كبير من العقارات المبنية، ويتولى إدارتها 205 من نظار الوقف، وتعمل الهيئة بكفاءة رغم قلة عدد موظفيها الذى يبلغ 11 موظفًا فقط، مع الاعتماد على الحوسبة الإلكترونية لتوثيق وإدارة كافة بياناتها وخطاباتها وقراراتها.
وقد استحدث مجلس الإدارة عدة مناصب لضمان استمرارية الأداء، مثل منصبى وكيل الهيئة المساعد وسكرتير الهيئة المساعد، إلى جانب إنشاء هيئة مكتب برئاسة وكيل الهيئة للنظر فى الملفات الهامة قبل عرضها على مجلس الإدارة.
وأصدر المجلس سلسلة من القرارات التنظيمية، من أبرزها عدم تعيين أى ناظر وقف إلا بموافقة المطران أو الأسقف المختص، وتحديد مدة التعيين بثلاث سنوات قابلة للتجديد، مع ضرورة الرجوع للأسقف قبل استبدال أى عقار موقوف، وعدم اعتماد حسابات الكنائس إلا بعد توقيع الأسقف المختص، بما يضمن الرقابة الروحية والإدارية فى أن واحد.
وتُعد الهيئة نموذجًا فى التوازن بين القانون والخصوصية الكنسية، إذ حافظت على استقرار الأملاك الكنسية لأكثر من ستين عامًا، وشكلت مظلة قانونية تضمن حماية أموال البر والتعليم والرعاية الكنسية من التعدى أو الإهمال.

Trending Plus