خزان صرف تحول لمقبرة لـ800 طفل فى أيرلندا.. اعرف القصة

في الريف الأيرلندى، هبّت الرياح على أنقاض مقابر دُفنت فيها آلاف القصص المنسية، لتبعث أرواح أطفال لم يُكتب لهم العيش، ولم يُمنحوا حتى حق الدفن الكريم، وفي قصة حقيقية وثقتها شبكة "سي إن إن" الأمريكية، تعود إلى أكثر من 8 عقود، في واحدة من أفظع صفحات التاريخ الاجتماعي والديني في أيرلندا.
ففي بلدة توام، بمقاطعة جالواي غرب أيرلندا، بدأ فريق من خبراء الطب الشرعي المحليين والدوليين عملية تنقيب تمتد لعامين في موقع يُعتقد أنه يحتوي على رفات 796 طفلًا، تم دفنهم سرًا في خزان للصرف الصحي أسفل دار "سانت ماري" للأمهات والأطفال.
وكانت دار "سانت ماري" تُدار من قبل راهبات بون سيكور، وشهدت عقودًا من الانتهاكات بحق النساء غير المتزوجات وأطفالهن، بين عامي 1925 و1961.
وبدأت القصة عندما بكت ماجي أوكونور بحرقة بعد ولادة حفيدها الأول، ولم تكن الدموع لطفل حديث الولادة، بل لطفلتها، ماري مارجريت، التي توفيت عن ستة أشهر عام 1943، في دار توام.
كانت هذه أول مرة، وربما الأخيرة، التي أفصحت فيها أوكونور عن مأساتها لابنتها أنيت ماكاي، التي بدأت منذ ذلك الحين رحلة البحث عن الحقيقة والعدالة لأخت لم تلتقِ بها قط.
وحسب شبكة "سي إن إن"، فإن شهادات الناجيات والمؤرخين، تؤكد أن مؤسسات مثل دار توام كانت جزءًا من شبكة كاثوليكية أنشأتها الدولة الأيرلندية بين عامي 1922 و1998 لمعاقبة النساء غير المتزوجات.
وكان يتم فصل النساء قسرًا عن أطفالهن، وإرسالهن إلى "مغاسل ماجدالين"، أو بيع أطفالهن عبر التبني غير القانوني في الداخل والخارج، لا سيما في الولايات المتحدة، حيث تم تهريب أكثر من 2000 طفل بين الأربعينيات والسبعينيات، حسب بيانات مشروع "كلان".
في عام 2014، فُجرت الحقيقة الصادمة عبر الصحافة البريطانية، عندما نُشر تقرير عن وجود مقبرة جماعية لهياكل 800 طفل في خزان صرف مهجور.
وكانت المؤرخة المحلية كاثرين كورليس أول من كشف عن عدم وجود سجلات دفن لـ796 طفلًا في دار توام، مما أثار عاصفة من الجدل دفعت الحكومة الأيرلندية إلى فتح تحقيق رسمي في 2015.
التحقيق توصّل إلى "معدلات مروعة لوفيات الأطفال"، مشيرًا إلى أن الدولة والكنيسة كانتا على علم بالانتهاكات دون أن تحركا ساكنًا.
وأعلنت الحكومة الأيرلندية عام 2021 اعتذارًا رسميًا، وتعهّدت ببرنامج إنصاف، لكنه لم يكن كافيًا لكثير من الأسر والناجين. وقالت عالمة الآثار نيام ماكولاج، من الهيئة المشرفة على المشروع، وفق CNN، إن أعمال الحفر الميدانية حددت 20 غرفة تحت الأرض تحتوي على بقايا أطفال تتراوح أعمارهم بين 35 أسبوعًا وثلاث سنوات.
وأضافت إن طبيعة الرفات المجزأة وعدم وجود حمض نووي كافٍ سيجعل عملية تحديد الهويات صعبة للغاية.
من بين الأصوات التي تطالب بالعدالة، برزت آنا كوريجان، التي اكتشفت بعد وفاة والدتها في 2012 أنها كانت شقيقة لرضيعين وُلدا في دار توام، هما جون وويليام.
وتوفي جون بالحصبة عن عمر 13 شهرًا عام 1946، فيما لا تزال تأمل أن يكون ويليام قد تبنته عائلة في أمريكا وهو لا يزال حيًّا. وتقول كوريجان وهي تقف أمام موقع الحفر في توام: "كانوا هزيلين، بائسين، حُرموا من كل حق إنساني".
قالت الناجية تيريزا أوسوليفان، وفق شبكة "سي إن إن": "كان من الممكن أن أكون أنا"، فقد وُلدت عام 1957 في ذات الدار، وانتُزعت من والدتها المراهقة التي لم تكفّ عن البحث عنها رغم الأكاذيب التي أُخبرت بها. واليوم، إذ تقف أوسوليفان أمام الموقع ذاته، ممسكة بيد شقيق من جهة والدها.
وتقول أوسوليفان: "رغم كل الآلام، بدأت رحلة الاستخراج الفعلية لهؤلاء الصغار الذين لم تمنحهم الحياة شيئًا سوى السرية والعار"، مضيفة: "كانوا معنا في نفس الغرف، وفي نفس المبنى، لا بد أن نُخرجهم من هناك".

Trending Plus