سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 14يوليو 1956.. انفجار طرد ناسف إسرائيلى فى الملحق العسكرى المصرى بالأردن صلاح الدين مصطفى بعد يوم من عملية مماثلة ضد «مصطفى حافظ» فى غزة لدورهما فى العمليات الفدائية

كانت الساعة الثانية والنصف بعد ظهر 14 يوليو، مثل هذا اليوم، 1956، عندما خرج الملحق العسكرى بالسفارة المصرية فى الأردن الضابط صلاح الدين مصطفى من مكتبه، متوجها إلى بيته ليتناول الغداء مع أسرته ثم يعود، وبينما يهم بركوب السيارة أسرع إليه ساعى السفارة «محمد عبدالنور» يخبره أن هناك طردا وصل إليه، فطلب صلاح منه إحضاره، حسبما يذكر «أبو الحجاج حافظ» فى كتابه «الشهيد صلاح الدين مصطفي»، عن «المجلس الأعلى لرعاية الشباب» سنة 1957.
أحضر الساعى الطرد، ويصفه «أبو الحجاج»: «حجمه صغير، يزن نحو 550 جراما، وطوله 23 وعرضه 15 وارتفاعه 7 ونصف سنتيمتر، وعليه طوابع بريد أردنية قيمتها 600 فلس، ومكتوب عليه «مطبوعات»، وجوانبه غير مغلفة، والورق الموضوع فيه من السوليفان الأصفر، ومصدره «مكتب بريد القدس».
امتدت يد صلاح مصطفى لتفض الورق السوليفان، فرأى عنوان كتاب يحبه وهو «القائد الرجل» للقائد العسكرى الألمانى «فون رنشتد»، وأمسكه فرحا، وفى لمح البصر دوى انفجار هائل بانفجار قنبلة شديدة صغيرة جدا كانت فى حفرة داخل الكتاب الذى تطاير، كما تطايرت يد صلاح فى الهواء، وتمزق جسده ونزفت دماؤه، وأسرع رجال السفارة المصرية لنقله إلى المستشفى الإيطالى بعمان.
تلقت القاهرة الخبر فأرسلت طائرة خاصة تحمل الطبيب اللواء مظهر عاشور كبير أطباء الجيش ومساعديه وضباط آخرين، وحاولت الجهود الطبية معه يوما بعد يوم، حتى أفاق قليلا فى ثالث يوم من ارتكاب الجريمة، وقال كلاما قليلا أهمه عبارة: «عملوها، فعلوها الأوباش، الحمد لله، بلغوهم فى مصر يحذروا وينتبهوا»، ثم راح فى غيبوبة طويلة ثانية حتى لفظ أنفاسه الأخيرة فى 21 يوليو 1956.
ارتكبت إسرائيل هذه الجريمة الشنيعة فى اليوم التالى لجريمتها الأخرى وبنفس الأسلوب ولنفس الأسباب، حيث أرسلت طردا ناسفا قتلت به الضابط البطل مصطفى حافظ فى غزة الذى انتقل إلى إدارة حكمها حين خضعت للإدارة المصرية وعين حاكما لرفح، وكلفه عبدالناصر سرا عام 1955 بإنشاء كتيبة للأعمال الفدائية ضد إسرائيل، وتأسيس الكتيبة 141 لهذا الغرض، ونفذت الكتيبة عشرات العمليات، واشتهر على أثرها بألقاب منها «أبو الفدائيين» و«الشبح» و«الرجل الظل» و«صاحب الأعصاب الفولاذية»، وأمام هذا النشاط قررت إسرائيل اغتياله، ووفقا لجريدة «المصرى اليوم» يوم 24 أبريل 2014، نقلا عن صحيفة «معاريف» الإسرائيلية، فإن مردخاى شارون قائد الموساد قال: «إن اغتيال مصطفى حافظ ضابط المخابرات المصرية الأسطورى فى غزة كان من أهم العمليات التى شارك فيها».
كان صلاح مصطفى يمارس فى الأردن نفس ما يقوم به مصطفى حافظ فى غزة، وتصفه مجلة الإذاعة فى عددها رقم «1208»، قائلة: «عين الشهيد فى 15 فبراير 1955 ملحقا عسكريا فى الأردن، وتسلم عمله يوم 14 مايو 1955، ومنحه القائد العام المشير عبدالحليم عامر رتبة القائمقام بتاريخ مارس 1955، وكان رحمه الله يقوم بنفس الدور الذى يقوم به الشهيد مصطفى حافظ فى فلسطين، كان دعامة قوية من دعامات الفدائيين، وكان واحدا ممن يعتمد عليهم فى الأزمات»، وفى جريدة «الأخبار»، عدد 15 يوليو 1956 وبعنوان «من المجرم وراء حادث قنبلة عمان؟»، قالت: «يزيد فى أهمية الحادث أن قلم المخابرات الإسرائيلى كان ينسب إلى الملحق العسكرى المصرى بالأردن أنه هو الذى نظم عملية الفدائيين العرب، وهم الفدائيون الذين ملأوا إسرائيل بالرعب والفزع منذ بضعة شهور».
كان صلاح مصطفى «ضابط له تاريخ» بوصف أحمد حمروش فى رسالته إلى الكاتب الصحفى عادل حمودة تعليقا على مقاله «الرجل الذى وصف لحظة وفاته» بالأهرام يوم 2 يونيو 2001، ويكشف حمروش فى رسالته: «كان صلاح الدين مصطفى أول دفعته فى المدرسة الحربية، ومن أفرادها عبدالحكيم عامر، وهو من المنصورة أصلا، والده كان تاجرا بسيطا، وتخرج ضابطا عام 1939 فى دفعة دخل فيها أبناء البسطاء المدرسة الحربية بعد معاهدة 1936، ليصبحوا لأول مرة ضباطا فى الجيش المصرى بعد أن كانوا أنفارا فيه، ولا شك أن ذلك هو ما جعلهم يشعرون بكل ما عبروا عنه فيما بعد من مشاعر وتصرفات وطنية، وبكل ما فعلوه من تغييرات انقلابية حادة كان من الصعب الرجوع فيها»، ويؤكد حمروش فى كتابه «قصة ثوة 23 يوليو»، أن صلاح مصطفى أصبح ضابطا فى سلاح «المدفعية المضادة للطائرات» أو«الدفاع الجوى» الآن، وعضوا فى لجنة الإسكندرية للضباط الأحرار مع المقدم عبدالحليم الأعسر، وأحمد حمروش.
فى 26 يوليو 1956، وفى خطاب جمال عبدالناصر بالإسكندرية الذى أعلن فيه قراره بتأميم شركة قناة السويس خص الشهيدين بالحديث طويلا، ومما قاله: «من أيام قليلة مضت استشهد اثنان من أعز الناس لنا، بل من أخلص الناس، استشهد مصطفى حافظ قائد جيش فلسطين وهو يؤدى واجبه، واستشهد صلاح مصطفى فى الأردن، وأشعر أن العصابات التى تحولت إلى دولة تتحول اليوم مرة أخرى إلى عصابات».

Trending Plus