نوبل للسلام.. جائزة انحرفت أهدافها النبيلة إلى غسيل السمعة والأيادى الملطخة بالدماء!

منذ قرن وربع القرن تقريبا، صدرت أول جائزة نوبل للسلام، وتحديدا عام 1901 ومُنحت حينها مناصفة بين، السويسرى جان هنرى دونانت، لدوره فى تأسيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر، والفرنسى فريدريك باسى، كونه المؤسس الرئيسى للاتحاد البرلمانى الدولى، والمنظم الرئيسى لأول مؤتمر سلام عالمى، والملاحظ أن بداية منح الجائزة، كانت وفق معايير جيدة، لمن ساهم فى دعم الإنسانية، والجنوح نحو السلم وإطفاء الحرائق.
وبموجب وصية ألفريد نوبل، صاحب اقتراح الجائزة، كانت مخصصة لمن يسهم أكثر من غيره فى تقريب الشعوب، أو الحد من قتال الجيوش، والداعم لنشر السلام، وهو ما ورد فى الوثيقة الأصلية؛ وقد مُنحت الجائزة وطوال عقود لأسماء سخرت حياتها دفاعا عن قضايا الأمن والسلم، والدفاع عن حقوق الشعوب المظلومة، من عينة نيلسون مانديلا إلى ملالا يوسفزاى، ومن مارتن لوثر كينج إلى ليخ فاونسا.
غير أن الجائزة لم تكن بمنأى عن الجدل، وطالتها نيران الشك عندما مُنحت لشخصيات ساهمت فى اندلاع الحروب وتشريد الشعوب، ومحاولة التلاعب فى البنية الجغرافية للدول، مثل الرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما، الحاصل على الجائزة سنة 2009 وعقب توليه منصبه بأشهر قليلة، حيث دفع العراق وأفغانستان الثمن غاليا من استقرارهما وأمنهما على يديه، ثم ساهم فى دعم ثورات الخريف العربى، وتدشين مصطلح «شرق أوسط جديد» تتغير فيه الخرائط.
ناهيك عن أن الجائزة مُنحت أيضا لتوكل كريمان، إحدى أبرز الأدوات التى ساهمت فى تخريب اليمن، ونشر الفوضى والتشرذم، ومنحت أيضا لرئيس الوزراء الإثيوبى أبى أحمد، الذى نكل بشعبه، وارتكب جرائم يندى لها الجبين، وأخيرا يطمع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى الحصول عليها، ويحشد جهوده لإجبار الدول والشخصيات المؤثرة على ترشيحه لنيل الجائزة.
الجائزة تُمنح سنويا فى العاشر من ديسمبر، فى العاصمة النرويجية أوسلو، تزامنا مع ذكرى وفاة نوبل، بينما يُعلن اسم الفائز عادة فى شهر أكتوبر، وأن هناك لجنة نرويجية معنية بمنح الجائزة، وتتكون من خمسة أعضاء يُعينهم البرلمان النرويجى، وأن هذه اللجنة تبرر اختياراتها بما تراه مساهمات ملموسة فى إحلال السلام أو النضال من أجل حقوق الإنسان.
المثير للدهشة، أن البرلمان النرويجى، المعنى بتعيين اللجنة التى تختار الشخصية لمنحها جائزة نوبل للسلام، عدد منهم رشحوا الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، للحصول على الجائزة! بجانب ترشيح البرلمان السويدى، ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، وباكستان والبحرين والمغرب والسودان ولا نعرف بالضبط معايير ترشيح الرئيس الأمريكى الحالى دونالد ترامب! فمنذ توليه منصبه ودخوله البيت الأبيض، وقد تفجر العالم بحروب تجارية واقتصادية وتهديد باحتلال وضم دول لبلاده، وتدشين سياسة الابتزاز ومحاولة الاستحواذ على ثروات الشعوب، فى قارات الدنيا، ومنح الضوء الأخضر لإبادة غزة وطرد شعبها، للاستحواذ عليها، كما شارك فى ضرب إيران.
الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، الذى وضع العالم على حافة حرب عالمية ثالثة، بين الجيوش، وحرب تجارية أكثر شراسة، ويعلن عدم اعترافه بالمحكمة الجنائية الدولية، يطمع بقوة فى الحصول على الجائزة! وهنا يبرز السؤال الجوهرى، فى حالة حصول ترامب على الجائزة، ما موقف مصداقية شعوب العالم فى جدوى الجائزة؟ وهل تستمر حالة الجدل والاختلاف وتوجيه التُهم لهذه الجائزة بعدم المهنية، والإغراق فى الانحيازات السياسية الدعائية؟ إذا ما وضعنا فى الاعتبار أن الحصول على الجائزة الدولية الشهيرة هى حلم معظم الساسة فى العالم والناشطين فى الدفاع عن السلام!
إذا فاز دونالد ترامب بالجائزة وإعلان اسمه فى أكتوبر المقبل، سيكون خامس رئيس أمريكى يحصل عليها، بعد تيودور روزفلت، وودرو ويلسون، وجيمى كارتر، وباراك أوباما.
والشىء بالشىء يذكر، فإنه قد سبق ونال الجائزة قادة عرب مثل ياسر عرفات وأنور السادات، كما نالها إسرائيليون مثل شيمون بيريز وإسحاق رابين، وهذه الأسماء اتخذت قرارات تاريخية، لتدشين السلام، وإنهاء حالة الحروب.

Trending Plus