خالد دومة يكتب: لا شيء هناك

أنا اللا شيء، ومع ذلك فأنا مصدر رعب، لكثير من الناس، الذي يُلصقون بي أشياء تقلق مضاجعهم، وتجعلهم يعيشون حياة مضطربة، فأنا الوسواس القهري، وأنا الجن والسحر، وأنا الحزن أحيانا، تتغير حالتي كثيرا وأبدو على هيئات لا حصر لها.......لي أعداء كثيرين، ولي عبيد أكثر، يصنعون لي الأوثان والأصنام، ويبنون لي المعابد والمحاريب، ويقدمون لي القرابين، حتى أرضى عنهم، ويتوجهون إلي بالدعاء طالبين الرحمة والمغفرة، يبنون لي أمجادا سماوية، وأخرى أرضية، ولم يخطر ببال أحدهم، أنني لا شيء، وأن الأوهام ربما كانت لها أثر وقيمة، أما أنا فلا شيء على الاطلاق، أنني أتعجب مما يُصنع بي، وأنا لست أمثل حتى الهواء، كل ما في الأمر أن لهم خيال مريض وشذوذ في أفكارهم، يشرد بهم ليتوهم أنني هناك قائم على رؤسهم، وأتحكم في مسيرتهم وطرائق حياتهم، وأوجهها كما يحلو لي، وأنا لم أقترب منهم ولم أحتك بهم، أنما هم جعلوا لي وجود في مخاوفهم وهواجسهم، فلم يتركني الإنسان في حالي، إنما أراد أن يزج بي في مآسية، ويُحملني ذنبه ويُلصقه به، بدل أن يعاقب نفسه، ويشعر بالذنب، يأتي بي ويلبسني ما يريد من أحاجي ويفصل حولي ألوان عدة من الألبسة والأزياء، ويجردني منها ويُلبسني أخرى، ولا يبتعد عني أبدا ولا ييأس أو يتركني لشأني يوما ما، وإذا اصطدم بواقع يكشف له حقيقتي أسرع بالتماس أعذار وجردني من القديم، ليصنع لي ثياب أخرى جديدة، أشد جاذبية موشاة بالكثير من الزخارف والزينة، أقلقوني في عالمي، ودفعوا بي إلى عالمهم، وقد كنت أحيانا أتنكر لنفسي، وأصدق أنني شيء، فما بال هؤلاء يفعلون ما يفعلون، لا بد أنني أنا المخطأ، ولا بد أنني لا أعرف قيمة نفسي، فجمهوري كبير وعبيدي من كل لون وشكل، فكيف لي أن أدعي أنني لا شيء، وأنا في حياتهم كل شيء، أغرتني الأزياء والبهارج والألوان المختلفة، ونظرت في مرآة أقف أمامها في أزيائي المتنوعة وأشاهد جمالي، وقوامي وأنبهر بنفسي، ولكني عندما أدقق النظر، لا أجد لي رأساً، ولا جسداً، تحت هذه الأزياء، إنما هو الفراغ، فلا ملامح ولا وجه يبدو ينعكس في المرآة، لا بد أنني ضعيفة النظر؟ لعل هناك جوهر يختفي خلف الثياب الأنيقة روح مثلا، او أي شيء، وأطيل النظر، لأعود إلى صوابي، أن لا شيء هناك.

Trending Plus