رؤية عربية لتطوير كليات الإعلام في العصر الرقمي

في ظل الاهتمام المتزايد بدور الإعلام في صناعة وبناء الوعي وتنشئة المجتمعات، تبرز ضرورة النظر إلى الإعلام ليس باعتباره مهنة عادية فقط، وإنما هو صناعة وعلم ومهارة يتعدي دوره مجرد مهنة لتحقيق الربح، ولكن هو رسالة ومسئولية اجتماعية في المقام الأول.
ومع هذه الأهمية المتزايدة للإعلام يزداد كل فترة وأخرى الحديث عن الفجوة بين الميدان العملي والمجال الأكاديمي، لتأهيل الإعلاميين في مجال الدراسات الإعلامية، والبحث العلمي في كليات الإعلام وأقسامها في الوطن العربي بشكل نسبي من جهة لأخرى حسب إمكانياتها وتأهيلها، وتوافر العناصر البشرية والمادية والفنية والإدارية المؤهلة للتعليم الإعلامي بكفاءة .
ومن المعروف أن كليات الإعلام هي منبر أكاديمى مستقر وثابت ومطلوب في جميع الدول في جميع أنحاء العالم، فلا يوجد دولة ليس بها عشرات بل أحيانا مئات من كليات وأقسام وأكاديميات الإعلام بتخصصاته المختلفة.
وإلى هنا فالأمر قد يبدو جيدا، لأن كليات الإعلام تخرج كوادر إعلامية مؤهلة ومدربة على أساس علمي راسخ ومستقر.
ولكن المشكلة تتفاقم حينما تتسع هذه الفجوة الكبيرة بين القطاعين، ويصبح كل منهما في واد.
والإعلام التطبيقي المهني له ما له وعليه ما عليه من إيجابيات وسلبيات، وكثيرا ما يتم توجيه الملاحظات والانتقادات له بشكل متزايد، سواء لغياب المهنية أو ضعفها، أو عدم الالتزام برؤية وطنية واضحة لصالح المجتمع.
ولكن على الجانب الآخر ، فإنه بنظرة موضوعية عن حال كليات الإعلام في الوطن العربي، نجد أن هناك العديد من الملاحظات التي يجب على هذه المنابر الأكاديمية مراعاتها، وبصفة خاصة مع الثورة الهائلة في تكنولوجيا الأقمار الصناعية وسيطرة الرقمنة على المشهد الإعلامي أكاديميا وتطبيقا.
وعلى الرغم من أن عددا كبيرا من كليات الإعلام في الوطن العربي شهد تطورا كبيرا في لوائحها وهياكلها واعتماداتها، لكن لازال الطريق طويلا أمام الأغلبية منها في ظل هذا التسارع الرقمي المحموم.
ومن المهم تفهم أن دراسة وسائل الإعلام لها خصوصيتها، وهناك العديد من الأسئلة التي يجب الإجابة عنها.. مثل: هل هناك أنظمة ملائمة للتعليم لوسائل الإعلام وغيرها؟ ما هو البعد الاستراتيجي المناسب للعمل الإعلامي؟ هل التعليم لوسائل الإعلام حاليا يختلف عن التعليم التقليدي له؟ وما دور المعلم الأكاديمي والإدارة والتعليم والطالب والمؤسسة في كليات الإعلام، ومدى تأهيلهم للقيام بدورهم؟ وهو يهدف إلى الوصول إلى التخطيط لمشروع استراتيجي عربي لتطوير التعليم للإعلام.
الحقيقة أن تطوير كليات الإعلام يجب أن يشمل عدة جوانب، منها تطوير المناهج والبرامج التعليمية، وتدريب المحاضرين بها على استخدام التقنيات الحديثة، وتعزيز مهارات الطلاب في مجال الإعلام الرقمي، بالإضافة إلى تطوير البنية التحتية اللازمة لدعم التعليم الإعلامي.
ووضع أهداف استراتيجية واضحة نحو تطوير كليات الإعلام ومنها:
تمكين طلاب الإعلام، بما يساعد في تزويدهم بالمهارات اللازمة لفهم وتحليل الرسائل الإعلامية المختلفة، مما يمكنهم من اتخاذ قرارات مستنيرة وواعية.
وتعليمهم سبل مكافحة التضليل الإعلامي بما يساهم في التوعية بمخاطر الأخبار الكاذبة والشائعات، ويعزز قدرتهم على التمييز بين المعلومات الصحيحة والمضللة، مع تطوير المهارات المهنية بما يساهم في إعداد جيل جديد من الإعلاميين المهرة والمؤهلين للعمل في مختلف المجالات الإعلامية.
ويجب أن تتضمن المناهج الدراسية مفاهيم الإعلام الرقمي ومهارات التعامل مع التكنولوجيا الحديثة، بالإضافة إلى تدريب الطلاب على استخدام الأدوات الرقمية المختلفة.
مع توفير بيئة تعليمية تفاعلية تشجع الطلاب في الإعلام على البحث والتحليل والنقد، وتتيح لهم فرصة المشاركة الفعالة في العملية التعليمية.
ويجب تعزيز التعاون بين المؤسسات التعليمية للإعلام ومؤسسات الإعلام المهنية لتوفير فرص تدريبية عملية للطلاب وتطوير برامج تعليمية مشتركة.
ويجب دعم وتشجيع البحث العلمي في مجال الإعلام، وتطوير النظريات والمفاهيم المتعلقة بالإعلام الرقمي، وتأثيره على المجتمعات.
وهنا يجب الاهتمام بتطوير الدراسات الإعلامية في مجال بحوث الإعلام الرقمي للتناسب مع متطلبات المجتمع العربي في مختلف الاتجاهات ومنها: تطوير مناهج البحث وتطبيقها على نطاق واسع لقياس تأثير صدى المادة الإعلامية في مختلف الاتجاهات ومنها الاتجاه السياسي للدراسات الإعلامية والاتجاه السيكولوجي الاجتماعي للدراسات الإعلامية ثم المجال الإصلاحي ومسؤولية وسائل الإعلام والاتصال الجماهيري اتجاه المجتمع ودور وسائل الإعلام الجماهيرية في مجال نشر الأفكار المستحدثة وأساليب التغيير السريع للمعتقدات والتركيز على دراسات الاتصال الجماهيري والإعلام الدولي على ضوء التطورات الهائلة لوسائل الاتصال الجماهيري وخروجها من إطار المحلية إلى إطار الدولية.
إن المشكلة الأساسية التي تعترض طريق إصلاح كليات الإعلام هي إنها لا تزال تعاني من فجوة واضحة بين الجانب النظري والتطبيقي ولا يتوافق مع سوق العمل الإعلامي الآن الذي بات يحتاج إعلاميين رقميين قادرين على استخدام تقنيات الواقع الافتراضي، ومحللين يجيدون التعامل مع الذكاء الاصطناعي.
وهو ما يتطلب طفرة حقيقية في تحديث المناهج وكيفية تدريسها بحيث تشمل موضوعات الإعلام الرقمي، وصحافة البيانات، وكيفية استخدام الذكاء الاصطناعي في صناعة المحتوى ثم تفعيل برامج حقيقية للتدريب العملي. والانخراط في العمل في مؤسسات إعلامية ، وكذلك يجب ان تحتوي كل كلية للإعلام علي استوديوهات متعددة حسب الهدف من إنشائها لتتناسب مع بيئة العمل الإعلامي حاليا في ظل التطور السريع في التكنولوجيا الحديثة وكذلك ضرورة الإهتمام بالعنصر البشري القائم علي التدريس والإدارة في هذه المؤسسات الأكاديمية من حيث التأهيل العلمي والأكاديمي والخبرة التطبيقية العملية في ظل الحرص علي التخصص مع التعامل بحكمة وموضوعية مع التخصصات البينية الأخري بحيث لا يحدث ذوبان للتخصص الرئيسي مما يفقد الهوية العلمية للقطاع الإعلامي الأكاديمي .
والأهم أن هذه الرغبة الملحة في تطوير كليات وأقسام الإعلام في الوطن العربي لن يمكن أن تتحقق إلا من خلال التعاون الحقيقي والفعلي بين كل من المؤسسات الإعلامية ونظيرتها الاكاديمية وأن يعرف كلا الطرفين أنهما يكملا بعضهما البعض في تطوير أداء الإعلام للقيام برسالته المأمولة.
وفتح جلسات حوار ونقاش مستمر بين الجانبين في مجالات العمل الإعلامي المختلفة لتأهيل الإعلاميين أكاديميا وعمليا على برامج الإعلام الذكي مع ثورة الذكاء الاصطناعي وأدوات الإعلام الرقمي الحديثة.
وختاما.. إن تطوير كليات الإعلام في الوطن العربي يجب أن يبدأ من رؤية عربية علمية واضحة لدورها وإرادة مجتمعية حقيقية من جميع عناصر المجتمع في احترام قيمة العلم والتخصص في هذا الميدان الحيوي، وهو الإعلام وتطويره، والذي يشكل الوعي العام الجمعي، ويستطيع أن يهدم الأمة لا قدر الله، أو أن يكون خير سلاح لنهضة وبناء الإنسان العربي من خلال إعداد جيل متميز من الإعلاميين، قادرين على القيام برسالة الإعلام ومسئوليته المجتمعية في التنوير والبناء والإصلاح في المجتمع العربي، وتقديم الصورة العربية الحضارية المشرفة أمام العالم.

Trending Plus