سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 15يوليو 1944.. جنازة حاشدة لأسمهان يتقدمها محمد عبدالوهاب وفريد الأطرش تعطل المرور وسط القاهرة.. والمخابرات البريطانية تطلق شائعة أن أم كلثوم وراء مقتلها

كانت الساعة الحادية عشرة صباح السبت 15 يوليو، مثل هذا اليوم، 1944، عندما توقف المرور تماما فى وسط القاهرة، أثناء تحرك موكب جنازة الفنانة أسمهان فى شارع فؤاد الأول «26 يوليو حاليا» متوجها إلى مسجد أبى العلا، للصلاة عليها، وغص موكب الجنازة الشعبية بآلاف المشيعين يتقدمهم شقيقها فريد، والموسيقار محمد عبدالوهاب وجمع من الموسيقيين لم يتخلف عنه إلا من كان خارج البلاد، كان الحزن على أسمهان وما زال كبيرا، إذ ليس فى كل يوم ترحل أميرة كهذه، حسبما يذكر الدكتور نبيل حنفى محمود فى كتابه «الغناء المصرى - أصوات وقضايا».
كان مصرع أسمهان فى حادث أليم يوم، 14 يوليو 1944، ويذكر «حنفى محمود» أنها كانت فى طريقها إلى رأس البر برفقتها صديقتها وسكرتيرتها «مارى قلادة»، وكان يقود السيارة فضل محمد نصير، السائق فى «استديو مصر»، وقبل الساعة الحادية عشرة بدقائق، وعند قرية «سرنفاش» التابعة لمركز «طلخا»، اصطدمت السيارة بحفرة كبيرة نتجت عن أعمال حفر تمت بعرض الطريق، وكان الاصطدام من القوة بدرجة أطاحت بالسيارة إلى أعماق الترعة، وبينما تمكن السائق «فضل» من القفز من باب السيارة الأمامى وقبل أن تهوى إلى الماء، لقيت «أسمهان» و«مارى قلادة» مصرعهما غرقا فى الجزء الخلفى من السيارة، لفشلهما فى فتح أبواب السيارة المغلقة عليهما، وفور تلقى شقيقها فريد الخبر اشترى قطعة أرض بمدافن الإمام الشافعى، وبدأ العمل فيها فورا، وشارك الموسيقار مدحت عاصم العمال فى حفر قبر لأسمهان، وكان يستحث العمال بالعمل معهم طوال الليل.
كانت جنازتها تسير، وكان الحزن يعم عائلتها فى الجبل بمحافظة السويداء بسوريا، ويتذكر أخوها غير الشقيق منير للباحثة شريفة زهور فى كتابها «أسمهان - المرأة، الحرب، الغناء»، ترجمة: عارف حديفة: «كنا نقطع الكعكة فى عيد ميلاد كاميليا ابنة أسمهان من زوجها وطليقها حسن الأطرش ابن عمها فى 14 تموز «يوليو 1944»، وكان حسن موجودا، وفؤاد «شقيق أسمهان» والأسرة، وصل أحد أقاربنا، وسرعان ما سألنا: لماذا تحتفلون، أما سمعتم خبر وفاة أسمهان فى الراديو، ولكننا لم نُشعل الراديو، ومضى حسن إلى غرفته، وأخذ يبكى، وذهب إلى مصر، وذهبت أنا أيضا لحضور الجنازة».
تعاملت أسمهان مع أجهزة المخابرات البريطانية والفرنسية والألمانية أثناء الحرب العالمية الثانية، حيث كانت سوريا ولبنان تحت سيطرة قوات حكومة فيشى الفرنسية الموالية للألمان، وكانت خطة بريطانيا هى دخول سوريا ولبنان وطرد القوات الموالية للألمان، واستخدمتها المخابرات البريطانية فى هذا، وهو ما جعل عمها يقول للباحثة «شريفة زهور»: «كانت هناك ثلاثة أسرار وراء موتها، ففى غمرة الصراع بين القوى الكبرى أثناء الحرب العالمية الثانية، اعتبرتها كل واحدة من هذه القوى عدوة لها، وكان لهن مصلحة فى القضاء عليها، والعائلة كانت غاضبة أيضا، كنا نعيش فى مرحلة محافظة، ومسلسل الأحداث مع زوجها أحمد سالم لم يكن مقبولا بالجملة».
يضيف: «لم تكن مجرد امرأة درزية، بل امرأة لها خصوصيتها، نحن لم نعتبرها مجرد بطلة فيلمين «انتصار الشباب» و«غرام وانتقام»، بل أميرة حقا، ولا بد أيضا أن يحسب حساب أعدائها من الأسرة المالكة المصرية»، وكانت الملكة نازلى أم الملك فاروق تناصبها العداء لشكها فى وجود علاقة بينها وبين أحمد حسنين باشا.
كانت أغرب شائعة قيلت عن مصرعها أن أم كلثوم تقف وراءه، ويؤكد الفريق عزيز المصرى أن المخابرات البريطانية هى التى وقفت وراء هذه الشائعة، قائلا فى كتاب «أبو الثائرين عزيز المصرى»، تأليف محمد عبدالحميد: «كان من المؤكد أن المطربة المعروفة أسمهان على علاقة بالمخابرات الألمانية، وتلعب دورا معينا مع المخابرات الإنجليزية، ومن المعروف أنها كانت ترتاد دائما فندقى «الكونتيننتال» و«شبرد»، وتقضى الكثير من وقتها وسط القيادات الإنجليزية تشرب الويسكى، وكانت صديقتها أمينة البارودى على نفس الوتيرة».
يضيف «المصرى»: «أحب أن أقرر حقيقة أن حادث مصرع أسمهان أطلق حوله العديد من الشائعات كان أكثرها سريانا أن سيدة الغناء العربى أم كلثوم وراء الحادث، وخرجت الشائعة تردد أن أم كلثوم أرادت أن تقضى عليها خوفا من قوة صوتها وقلقها على مستقبلها الذى كان يهدده وجود أسمهان على ساحة الغناء، والحقيقة أن أم كلثوم بعيدة تماما عن هذا الادعاء، وهذه الشائعة أطلقتها المخابرات الإنجليزية، وأقول أيضا إن المخابرات الإنجليزية كانت وراء مصرع أسمهان، واكتشف الإنجليز دورها المزدوج، فهى على علاقة بالمخابرات الألمانية، وفى نفس الوقت تلعب دورها المزدوج مع المخابرات الإنجليزية، ولصلتها القوية بأحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكى، حاول الاتصال بالقيادة الإنجليزية لمنع التحقيق معها».
يضيف «المصرى»: «لما رأت المخابرات الإنجليزية أن ترك أسمهان أمر بالغ الخطورة عليهم، كان القرار بالقضاء عليها، وتم تدبير حادث مصرعها ثم أطلقوا الشائعة بأن أم كلثوم وراء مصرعها وعملوا على ترويجها وانتشارها».

Trending Plus