"فتنة السويداء" تشعل الصراع فى سوريا.. 100 قتيل وعشرات المصابين فى اشتباكات بين الدروز والقوات الحكومية.. حكومة دمشق تعلن فرض حظر التجوال.. مطالبات درزية بحوار جاد.. ومراقبون يحذرون من التدخلات الإسرائيلية

عادت مدينة السوداء السورية إلى الحضور الإعلامي مجددا خلال الساعات الماضية ، نتيجة الاشتباكات العنيفة والدامية التي اندلعت بين عشائر البدو مدعومين بقوات أمنية وعسكرية تابعة لحكومة دمشق من جهة، والمكون الدرزي الذي يمثل أغلبية في المدينة من جهة أخرى، وذلك نتيجة تصعيد بين الدروز والبدو صباح الأحد وسط تبادل الطرفين للاتهامات حول الطرف المتسبب في التصعيد العسكري.
وضربت السويداء فوضى دامية سقط فيها عشرات القتلى والجرحى إثر الاشتباكات العنيفة إلى جانب تحركات عسكرية وأمنية منظمة، بالإضافة لتصريحات تحمل لهجة تصعيد من العناصر الأمنية والعسكرية التابعة لحكومة دمشق وهو ما رفضه الدروز الذين رفعوا السلاح وطالبت أصوات درزية بتدخل وحماية دولية من النظام السوري.
يأتي ذلك بالتزامن مع بيان صحفي شديد اللهجة من وزارة الدفاع السورية، وصفت فيه الوضع العسكري في السويداء بأنه "حالة اشتباك شديدة لكنها تتجه نحو السيطرة"، مشيرة إلى أن الجيش السوري بات على مشارف المدينة، وينسق مع فصائل داخلية من أبناء المحافظة، جاء ذلك بعد ساعات من قتل 18 عنصراً من الجيش السوري إثر تعرضهم لكمين من قبل مجموعات مسلحة تدعم الدروز.
صباح الأحد الماضي، اندلعت اشتباكات هي الأعنف بين الدروز والبدو تركزت المواجهات في حي المقوّس شرقي المدينة، وسط توتر غير مسبوق.
إثر ذلك، قال وزير الداخلية السوري، أنس خطاب، إن "غياب مؤسسات الدولة السورية، وخصوصاً العسكرية والأمنية منها، سبب رئيسي لما يحدث في السويداء وريفها من توترات مستمرة، ولا حل لذلك إلا بفرض الأمن وتفعيل دور المؤسسات بما يضمن السلم الأهلي وعودة الحياة إلى طبيعتها بكل تفاصيلها".
بدوره، قال المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية، نور الدين البابا: "الأمور تذهب باتجاه الحسم لصالح الدولة السورية ضمن الرؤية التي وضعتها رئاسة الجمهورية، ونتوقع أن يكون الأمر في محافظة السويداء محسوماً".
صباح الثلاثاء، أعلن قائد قوى الأمن الداخلي في محافظة السويداء، العميد أحمد الدالاتي، بدء دخول قوات وزارتي الداخلية والدفاع إلى مركز المدينة، وفرض حظر تجول اعتباراً من الثامنة صباحاً، داعياً الأهالي إلى الالتزام التام بالبقاء في منازلهم، كما حمّل المرجعيات الدينية وقادة الفصائل المسلحة مسؤولياتهم الوطنية، مطالباً إياهم بالتعاون الكامل مع الدولة لضمان استقرار المحافظة.
فيما رحبت الرئاسة الروحية للمسلمين الموحدين الدروز بدخول القوات الحكومية، وأكدت أن استعادة الأمن تتطلب بسط سلطة الدولة عبر مؤسساتها، داعية الفصائل المسلحة إلى عدم المقاومة وتسليم السلاح، ومطالبة في الوقت ذاته بفتح حوار جدي مع الحكومة لمعالجة تداعيات ما جرى وتفعيل مؤسسات الدولة بالتعاون مع أبناء المحافظة.
وبقيت محافظة السويداء خارج نطاق السيطرة المباشرة لأجهزة حكومة دمشق بعد إسقاط نظام بشار الأسد في ديسمبر الماضي، حيث عجزت القوات الأمنية والعسكرية ، بما في ذلك الجيش السوري وقوى الأمن الداخلي، ما جعلها ساحة مفتوحة لتنامي قوى محلية وغياب سلطة الدولة التقليدية، ما أسّس لواقع خاص في المحافظة، تميّز بتركيبة محلية معقدة من الفصائل والمجموعات المسلحة.
وفي هذا السياق، حاولت فصائل محلية تنظيم صفوفها لمواجهة محاولات الحكومة السورية استعادة السيطرة على المحافظة، مدعومة في ذلك برؤية حكمت الهجري، أحد مشايخ العقل لدى طائفة الموحدين الدروز، الذي عبّر مراراً عن استيائه من أداء الحكومة، وذهب إلى حد المطالبة بتدخل دولي.
فيما، أعلنت الرئاسة الروحية للدروز في سوريا، الإثنين، رفض دخول أي جهات، ومنها الأمن العام، إلى السويداء جنوبي البلاد.
وقالت الرئاسة في بيان صحفي: نرفض دخول أي جهات إلى المنطقة، ومنها الأمن العام السوري وهيئة تحرير الشام"، متهمة إياهما بـ"المشاركة في قصف القرى الحدودية ومساندة مجموعات تكفيرية باستخدام أسلحة ثقيلة وطائرات مسيّرة
ويوضح هذا الفرض مدى الانقسام الذي يعصف بالمكون الدرزي المنقسم على نفسه حيث ترفض بعض المرجعيات أي دور لحكومة دمشق فيما تتمسك مرجعيات أخرى بدخول القوات الحكومية إلى محافظة السويداء لبسط الأمن والاستقرار وسلطة الدولة.
وتتواصل الاشتباكات في السويداء بين مجموعات عشائر البدو وعناصر وزارتي الدفاع والداخلية من جهة، ومسلحين دروز من جهة أخرى، في الجهة الغربية من المحافظة.
واندلعت الاشتباكات الأعنف صباح الإثنين، بعد هجوم مسلح نفذته مجموعات من أبناء عشائر البدو بمشاركة عناصر من وزارتي الدفاع والداخلية، انطلاقا من ريف درعا الشرقي، مستهدفة عددا من قرى ريف السويداء الغربي.
وفي السياق ذاته، أعلنت وزارة الدفاع السورية أن الجيش يلاحق المجموعات الخارجة عن القانون بمحيط مدينة السويداء.
وقالت إدارة الإعلام في وزارة الدفاع، إن "المجموعات الخارجة عن القانون تحاول الهروب من المواجهة عبر الانسحاب إلى وسط مدينة السويداء".
وتقدمت القوات الحكومية نحو مدينة السويداء ذات الغالبية الدرزية مساء الإثنين، بعد معارك أوقعت نحو 100 قتيل، بينما أكدت إسرائيل أنها تدخلت بقصفها دبابات سورية، محذرة من استهداف الدروز.
وفي بيان منفصل، طالبت الرئاسة الروحية للموحدين الدروز المقربة من الشيخ البارز حكمت الهجري بوقف إطلاق نار فوري، وقالت: "نحن من البداية طلبنا وقف إطلاق النار والتهدئة. ولم نرغب بسفك الدماء (..) نحن لا نقبل بأي فصائل تكفيرية أو منفلتة أو خارجة عن القانون".
وتابع البيان: "نحن مع القانون ومع سيادة الدولة النظامية القانونية"، مشيرا إلى عدم معارضة "تنظيم المحافظة (السويداء) وترتيب أسسها وشرطتها من أبنائها ومن الشرفاء".
وأضاف: "نحن متأكدون أن الحكومة المؤقتة في دمشق توافقنا على ذلك، ولم تنقطع ولن تنقطع علاقتنا التوافقية معهم".
فيما أكد مراقبون أن سوريا تحتاج إلى حوار وطني جاد مع كافة المكونات والأقليات خلال الفترة المقبلة وعدم ممارسة سياسة الإقصاء من المشهد السياسي، مشددين على ضرورة تحييد المقاتلين الأجانب عن المؤسستين الأمنية والعسكرية والدفع نحو بناء مؤسسة وطنية سورية غير مؤدلجة.
وأوضح المراقبون أن التدخلات التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي في سوريا يهدف إلى تفتيت المكونات السورية وخلق فتنة طائفية تمكن الاحتلال من التدخل عسكريا، مؤكدين أن حكومة تل أبيب تحاول إثارة النعرات بين المكون الدرزي كي تتمكن من التدخل وفرض أجندتها الخاصة في سوريا بتدمير القدرات العسكرية ودفع حكومتها نحو التطبيع.

Trending Plus