من باريس إلى فيينا.. أوروبا تشدد الخناق على الإخوان.. ماكرون يقود معركة تشريعية لتفكيك "النفوذ الناعم" ويقر قانونا جديدا بنهاية 2025.. النمسا تحظر الشعارات.. هولندا تراقب.. وإسبانيا تباشر الترحيل

إيمانويل ماكرون - الرئيس الفرنسى
إيمانويل ماكرون - الرئيس الفرنسى
فاطمة شوقى

تثير التحركات الأمنية والقانونية التي تقودها فرنسا ضد تنظيم الإخوان الإرهابى، موجة من الاهتمام داخل الأوساط الأوروبية، حيث لم تعد القضية محصورة بالساحة الفرنسية فقط، بل تحولت إلى نموذج مراقب عن كثب من قبل العديد من دول الاتحاد الأوروبي، التي بدأت هي الأخرى مراجعة سياساتها تجاه هذه الجماعة الإرهابية.

فمن فرنسا التي تتصدر المشهد بتشريعات جديدة وتحركات أمنية حاسمة، إلى النمسا التي حظرت شعارات التنظيم الإرهابى وضيّقت على مؤسساته، مرورًا بـ هولندا التي كثّفت رقابتها على مصادر التمويل الخارجي، وصولًا إلى إسبانيا التي شرعت في ترحيل شخصيات مرتبطة بالتنظيم،  تبدو ملامح استراتيجية أوروبية مشتركة في طور التشكل لمواجهة ما يُوصف بـ"النفوذ الناعم" الذي تمارسه الجماعة داخل المجتمعات الأوروبية.


ففي ظل تصاعد المخاوف من تأثير الفكر الإخواني على تماسك المجتمعات الأوروبية وأمنها الداخلي، اتخذت فرنسا سلسلة من الإجراءات الحاسمة، شملت تجميد أموال مؤسسات يشتبه في ارتباطها بالتنظيم، حل جمعيات، ومصادرة أصول وممتلكات، في محاولة للحدّ من ما تصفه باريس بـ"النفوذ المتغلغل" للجماعة في الأحياء والمؤسسات.


وبحسب ما نشرته صحيفة لا جاثيتا الإسبانية  ، فإن هذه التدابير الصارمة أعادت إلى الواجهة نقاشًا حساسًا في أوروبا، يتمحور حول كيفية موازنة متطلبات الأمن القومي مع الحفاظ على الحريات الدينية وحقوق الأقليات. حيث ترى بعض الحكومات أن التحرك الفرنسي يمثّل جرس إنذار يدفع نحو التنسيق الأوروبي في مواجهة جماعات تستغل مناخ الحريات الديمقراطية لتوسيع نفوذها الأيديولوجي.


في المقابل، حذرت جهات مدنية ودينية من مخاطر تعميم الاتهامات، ما قد يُسهم في وصم الجاليات المسلمة المعتدلة، ويزيد من حالة الاستقطاب والتمييز داخل المجتمعات الأوروبية. وهو ما يستدعي، بحسب مراقبين، اعتماد مقاربات أكثر توازنًا وعمقًا تأخذ في الاعتبار تعقيدات السياق الثقافي والديني.


وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن حزمة من الإجراءات التشريعية والأمنية، تهدف إلى تعزيز أدوات الدولة في مواجهة الجماعات الإرهابية ، وعلى رأسها جماعة الإخوان، وجاءت هذه الإجراءات عقب اجتماع لمجلس الدفاع والأمن القومي، هو الثاني خلال أسابيع، بعد أن عبر ماكرون سابقًا عن عدم رضاه عن نتائج الاجتماع الأول في مايو الماضي، مطالبًا الحكومة بوضع مقترحات أكثر "جرأة وفاعلية".


وخلال مؤتمر صحفي بقصر الإليزيه، أعلن ماكرون عن اعتماد آليات جديدة لتعطيل وتجميد الأصول المالية للجمعيات التي يُشتبه بارتباطها بالإخوان، حتى وإن لم تكن مصنفة رسميًا ككيانات إرهابية. كما تقرر توسيع "التصفية الإدارية" لتشمل صناديق الأوقاف، وإنشاء نظام قانوني لتصفية أصول الكيانات المنحلة، بإشراف قضائي مباشر.
وأكد الرئيس أن الحكومة ستُشدد في تطبيق عقد الالتزام الجمهوري، الذي يُعد شرطًا أساسياً للحصول على الدعم الحكومي، مشيرًا إلى أنه سيتم فرض غرامات مالية يومية على الجمعيات غير الممتثلة، إضافة إلى وقف التمويل العام عنها.


كما أعلن عن إعداد مشروع قانون جديد بحلول نهاية الصيف، يهدف إلى سد الثغرات القانونية التي تسمح لبعض التنظيمات ذات الطابع السياسي بتوسيع نفوذها داخل المجتمع، على أن يُعرض المشروع على البرلمان لدخوله حيز التنفيذ قبل نهاية عام 2025.


ضمن حزمة الإجراءات الجديدة، شدد ماكرون على ضرورة تعزيز تدريب الأئمة داخل فرنسا، للحد من الاعتماد على المراكز الدينية التي تتلقى تمويلاً من الخارج، معتبرًا ذلك "خطوة أساسية لتحصين الإسلام الفرنسي من التأثيرات الأجنبية".
ويأتي هذا التوجه على خلفية تقرير سري أُعد بتكليف من الإليزيه، ونشرت مقتطفات منه صحيفة لوموند، أشار إلى تنامي نفوذ جماعة الإخوان في الضواحي والمناطق الهامشية عبر شبكات دعوية وخيرية. واعتبر التقرير أن هذه الشبكات تمثّل "تهديدًا حقيقيًا للتماسك الوطني"، ما دفع الحكومة إلى التحرك بسرعة نحو تشريعات أكثر صرامة.

على المستوى الأوروبي


وتُعد هذه التطورات اختبارًا حقيقيًا لفكرة العمل الأوروبي المشترك في مواجهة التحديات الأمنية والفكرية المعاصرة، إذ بدأت بعض الدول بالفعل باتخاذ خطوات مماثلة مستفيدة من "النموذج الفرنسي"، عبر تشديد الرقابة على التمويلات الأجنبية، وتعزيز أدوات الرقابة على الجمعيات والمنظمات الدينية.


وعلى مستوى أوروبا، تتباين السياسات تجاه الجماعة الإرهابية ،  ففي ألمانيا وبريطانيا، تخضع بعض منظمات الإخوان للمراقبة الأمنية، دون قرارات حظر واضحة،  أما النمسا، فأطلقت عملية أمنية واسعة استهدفت ما وصفته بشبكات الارهاب بعد هجوم فيينا 2020. بينما لا تزال دول مثل بلجيكا، هولندا، والسويد تعتمد أسلوب الرقابة القانونية والتمويلية.


ويمنع القانون النمساوى منذ عام 2019 عرض أو استخدام شعارات جماعة الإخوان (ويُفرض على المخالف غرامة بين 4000 و10000 يورو ،كما تقوم السلطات بمداهمات واسعة ومتابعة دقيقة لعدد من الجمعيات والمدن، مثل عمليات مداهمة عامي 2020 و2021 ضد شبكات مرتبطة بالإخوان تم خلالها تفتيش نحو 60 موقعًا واعتقال العشرات .
أما هولندا ، فتقوم بتتبع أجهزة الأمن بصورة دورية المحتوى التعليمي والديني في المساجد والمدارس المتعلقة وعلى صلة بالإخوان، وتقيّم تأثيره على الشباب المتدينين.


كما هو الحال فى إسبانيا ، فلديها تاريخ من التحقيقات والاعتقالات،  منذ العقدين الماضيين، تورّط أفراد مرتبطون بالإخوان في عمليات إرهابية مثل شبكة "أبو دحداح" التي كانت جزءًا من هجوم مدريد 2004، ما جعل السلطات الإسبانية تتحرّك بقوة ضد هذا التنظيم.


حملات أمنية مستمرة: شملت تحقيقات رسمية منذ 2019 ضد أئمة وجمعيات مرتبطة بالإخوان، طرد متهمين منهم، مثل قائد تم ترحيله عام 2018 بعد إثبات تورطه في التحريض والتطرف .
ويُحذر خبراء مثل لورينزو فيدينُو من استخدام تلك الجماعة الإرهابية  لأساليب "قانونية هادئة" للتأثير داخل المجتمعات الأوروبية. في حين يرى آخرون، أبرزهم أوليفييه روا، أن الحديث عن خطر الإخوان مبالغ فيه، ويجب توجيه الانتباه إلى تيارات أكثر تطرفًا مثل السلفيين.
 

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى