هل الخوف فطرة أم قلة إيمان وعدم ويقين بالله؟.. محمود الهوارى يجيب

قال الدكتور محمود الهواري، الأمين العام المساعد لمجمع البحوث الإسلامية، إن الخوف شعور طبيعي ومشروع في الإنسان، وليس مطلوبًا منه دينيًا أو منطقيًا أن يتجرد من مشاعره أو يتسامى عليها بشكل غير واقعي.
وأكد الأمين العام المساعد لمجمع البحوث الإسلامية، خلال حوار مع الإعلامي شريف فؤاد، ببرنامج "مع الناس"، المذاع على قناة الناس، اليوم الثلاثاء، أن الخوف لا يتعارض مع الإيمان، بل هو جزء من الطبيعة البشرية التي أقرها الدين، ووردت في القرآن الكريم نفسه، حتى في وصف الأنبياء.
وأوضح أن القرآن تحدّث عن الخوف في مواضع عديدة، منها ما يتعلق بالأنبياء، مثل قول الله تعالى عن سيدنا موسى وهارون عليهما السلام: "قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى. قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى"، ما يدل على أن الخوف ليس مذمومًا في ذاته، وإنما تتحدد قيمته بحسب أثره وسلوك الإنسان بعده.
وأضاف أن هناك نوعين من الخوف، أولهما الخوف الإيجابي، وهو الذي يدفع الإنسان للعمل والاجتهاد والتحرك، كأن يخاف من ضياع فرصة أو من نتيجة عمل أو امتحان، أو أن يخاف من الله ويحرص على طاعته، موضحا: "الخوف الإيجابي هو صورة من صور الانشغال الصحي، وهو الذي يحرك الإرادة نحو الإنجاز".
وأشار إلى الحديث الشريف: "من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة"، لافتا إلى إن من يخاف بحق، فإنه يتحرك ويبادر ويجتهد، بينما من يخاف دون فعل أو يقبع في مكانه، فإن خوفه لا يفيده شيئًا.
وتابع أن الخوف في ذاته ليس مرضًا نفسيًا إلا إذا خرج عن حدّه الطبيعي وأصبح عائقًا عن العمل أو سببًا في الانعزال، لكنه في صورته المعتدلة مطلوب ومفيد، مشيرا إلى أن القرآن فرّق بين من يخافون الله فيزدادون قربًا، ومن يخافون أمور الدنيا بشكل مرضي يورثهم القلق المفرط.
ونوه إلى أن الإسلام يعترف بالمشاعر البشرية ويحترمها، لكنه يوجّه الإنسان إلى التعامل معها بشكل متوازن وواقعي، مضيفًا أن العلاج الأساسي للخوف المبالغ فيه يبدأ بـ"الصلاة" كما جاء في قوله تعالى: "إن الإنسان خلق هلوعًا، إذا مسه الشر جزوعًا، وإذا مسه الخير منوعًا، إلا المصلين..."، مشيرًا إلى أن الصلة بالله تمنح الإنسان سكينة في مواجهة المخاوف.
وقال الدكتور محمود الهواري إن الخوف في حد ذاته ليس مذمومًا، بل هو شعور إنساني طبيعي، ولكن الخطورة تكمن في تحوله إلى خوف سلبي يمنع الإنسان من الحركة ويحبسه داخل دائرة من القلق والوهم والتشاؤم دون أي سعي حقيقي لمواجهته أو تجاوزه.
وأوضح الهواري، أن هناك من يعيشون في حالة من الخوف المستمر على مستقبلهم أو صحتهم أو أولادهم أو أموالهم، ولكن دون أن يتحركوا لفعل أي شيء، قائلاً: "الخوف لو فضل شعور داخلي بس من غير سعي يبقى سلبي، وده ممكن يوصل الإنسان لحالة من القنوط أو الإحباط، بل وقد يؤدي إلى مشكلات نفسية خطيرة".
وأضاف أن البعض يخلط بين التوكل والتواكل، معتبرًا أن ترك الأسباب بدعوى "اليقين" هو مفهوم خاطئ، قائلاً: "اليقين الحقيقي لا يعني ترك العمل، بل يعني أن تباشر الأسباب وكأنها كل شيء، وتوقن أن الله هو الفاعل الحقيقي، وكأن الأسباب لا شيء، لازم أشتغل وأسعى، وبنفس الوقت أؤمن أن النتيجة بيد الله وحده".
وشدد الهواري على أن الإيمان الحقيقي يمنح الإنسان أمانًا نفسيًا وطمأنينة في مواجهة المخاوف، لأن المؤمن يعلم أن كل شيء بقدر، وأن الرزق، والحياة، والموت، والصحة، والنجاح، كلها مكتوبة عند الله. واستشهد بقوله تعالى: "قل إن الأمر كله لله"، مؤكدًا أن الإيمان لا يمنع الخوف، لكنه يوجهه ويوظفه بشكل إيجابي.
وأشار إلى هجرة النبي ﷺ كنموذج متكامل للتوازن بين الأخذ بالأسباب والتوكل على الله، فقال: "النبي ﷺ أخذ بكل أسباب النجاح، خطط واختار الطريق والدليل والمكان والدابة، ومع ذلك وقف الكفار عند باب الغار، فجاء التدخل الإلهي، وده درس إنك تعمل اللي عليك، وتسيب النتيجة على ربنا".
وأكد على أن الإسلام دين التوازن والوسطية، فلا يُطالب الإنسان بإلغاء مشاعره، ولا يدعوه إلى السلبية، بل يوجهه إلى التحرك والسعي مع تمام الثقة بالله، مضيفًا: "من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل.. الإيمان لا يمنع الخوف، لكنه يمنع اليأس والجمود".

Trending Plus