نرشح لك.. تقويض الإصلاح وبناء الدولة.. من الأفغانى إلى البغدادى

كتاب تقويض الإصلاح وبناء الدولة
كتاب تقويض الإصلاح وبناء الدولة
أحمد إبراهيم الشريف

يقدم كتاب "تقويض الإصلاح وبناء الدولة.. من الأفغاني إلى البغدادي" الصادر عن مركز المسبار، ملفًا بحثيًا يفتح سجالاً تاريخيًا وفكريًا حول تعثر مشروع الدولة العربية الحديثة، ومآلات فكرة الإصلاح الديني، وتحوّلاتها من التنوير إلى التوظيف السياسي، ومن النقد الذاتي إلى أدوات التعبئة الثورية.

وينطلق الكتاب من لحظة التأسيس الحديثة مع محمد علي باشا في مصر، وعهد حمودة باشا في تونس، ويصل إلى تيارات العنف الديني الحديثة، مرورًا بمشروعات القومية والتجديد، مع تتبعٍ نقديّ لمفهوم "الوعي بالإصلاح"، وتحولاته، وتسييسه من قبل تيارات الإسلام السياسي، وصولاً إلى تجلياته في الظاهرة الجهادية الحديثة.

 

الصدمة الأولى.. من الحملة الفرنسية إلى مشروع محمد علي

في تقديمه للكتاب، يتناول الأكاديمي السوري خلدون النبواني لحظة الحملة الفرنسية على مصر (1798) بوصفها صدمة حضارية، كشفت حجم التفاوت بين العرب والغرب. ويرى أن مشروع محمد علي لم يكن مجرد تحديث عسكري أو اقتصادي، بل مشروع سياسي تأسيسي لوعي الدولة، قائم على استيراد أدوات التقدم من أوروبا، عبر الترجمة والطباعة وبعثات التعليم، وما رافقها من بناء الهوية الوطنية.

من خلال تجربة رفاعة الطهطاوي، تتبع النبواني تشكّل الفكر القومي في مصر، والذي تبلور لاحقًا في تأسيس الأحزاب الوطنية، وبزوغ الحركة الوطنية المصرية. لكنّه يشير أيضًا إلى المفارقة: فمشروع التحديث لم يترسخ على أساس ديمقراطي، بل ارتبط غالبًا بنخبة متعلمة أو بالحكم المركزي، مما جعله هشًا أمام الصراعات الأيديولوجية التالية.

 

تونس: إصلاح مبكر ووعى مدنى

تناولت الباحثة صبرين الجلاصي جذور الإصلاح في تونس، من عهد حمودة باشا وأحمد باي، مع التركيز على حدث إلغاء الرق (1846)، وورشة إصلاح جامع الزيتونة في عهد محمود قابادو. وترى الجلاصي أن هذه المرحلة شهدت تشكل وعي نخبوي تونسي، تبنّى هوية مدنية أكثر انفتاحًا، وكان أكثر استعدادًا لمواجهة التحديات الفكرية الحديثة، حتى بعد فرض الحماية الفرنسية عام 1881.

 

الأفغاني: حين دخل "المعطى الثوري" بوابة الإصلاح

يخصص الباحث المغربي محمد زكاي دراسته لشخصية جمال الدين الأفغاني، مؤكدًا أن الرجل مثّل لحظة انحراف في مسار الإصلاح، حين أدخل السرّية والحركية الثورية إلى المجال الفكري، وخلط السياسي بالعقائدي. وبرأيه، فإن استنساخ الأفغاني وتلاميذه لتجربة "البروتستانتية الإسلامية" أدى إلى عسكرة العقيدة، وتحويل الإيمان إلى منصة سياسية، مهدت لاحقًا لظهور الحركات الجهادية.

 

من محمد عبده إلى رشيد رضا.. الانزلاق إلى الإسلاموية

تناول الباحث كريم شفيق مسيرة الأفغاني من جديد، ولكن من زاوية "الانسلاخ"، أو المأزق الوجودي بين التحديث والتراث، ويرى أن تلاميذ الأفغاني –خاصة رشيد رضا– اختزلوا فكر الإصلاح في أطر أيديولوجية جامدة، نقلت الخطاب من فضاء التجديد إلى التنظير للفرقة، وألهمت الحركيين من البنا إلى سيد قطب. وبهذا صار إرث الأفغاني، وإن بدأ بأحلام ليبرالية، وقودًا لأصوليات ضيقة.

أما الباحث سامح إسماعيل فحاول التمييز بين محمد عبده المفكر و"محمد عبده السياسي"، موضحًا أن مشروعه التجديدي لم يكن سياسيًا تنظيميًا، بل معرفيًا إصلاحيًا، تم تشويهه لاحقًا بإدخاله في حسابات الجماعات.

تقويص الإصلاح
تقويص الإصلاح

محفوظ كمرآة.. الرواية تُفكك خطاب الأيديولوجيا

قدّم الباحث أحمد الشوربجي قراءة أدبية لرواية نجيب محفوظ "القاهرة الجديدة" (1945) بوصفها نصًا نقديًا للفكر الإسلاموي في لحظة تشكّله، حيث رصد محفوظ تحوّل المثقف إلى أداة بيد التنظيم الديني، عبر خطاب براغماتي مزيّف. واستكمل سامح فايز هذا الاتجاه من خلال رواية "المرايا" (1972)، مشيرًا إلى شخصيات رمزية، مثل الحاج زهران حسونة، التي تجسّد التناقض بين الخطاب الديني والنكسة الوجودية، بعد هزيمة 1967.

 

أيديولوجيا الكفاح.. أم فقر معرفي؟

حللت الباحثة اللبنانية نايلة أبي نادر مفهوم "أيديولوجيا الكفاح" عند المفكر محمد أركون، باعتبارها ذريعة فكرية للتغطية على فقر الإنتاج المعرفي في الفكر العربي الحديث، مشيرة إلى أن هذا التوظيف الأيديولوجي أدى إلى تعطيل مساءلة الذات، وتكريس "اللامفكّر فيه" داخل المنظومات الفكرية العربية.

 

تفلسف أصولى.. أم تحايل على العقل؟

في ورقته، يوضح الباحث والفيلسوف السعودي فهد الشقيران العلاقة الإشكالية بين الأصولية والفلسفة، مشيرًا إلى أن التيارات الأصولية تستخدم المصطلحات الفلسفية كأقنعة لا كمناهج حقيقية، وتبقى معادية جوهريًا للعقل النقدي. ويرى الشقيران أن "التفلسف الأصولي" هو محاولة دفاعية لا تغييرية، هدفها حماية الأيديولوجيا من الحداثة لا الاندماج فيها.

 

الخطاب النهضوى.. من وعي الذات إلى شيطنة الآخر

في دراسة نقدية شاملة، قدّمت الباحثة التونسية ناجية الوريمي تحليلًا لتحولات وعي الذات العربية من القرن التاسع عشر حتى اليوم. تشير الوريمي إلى أن خطاب النهضة المبكر ركّز على إبراز تفوق الذات العربية مقابل "انحلال الغرب"، وأن هذه الثنائيات سهلت لاحقًا نشوء الأصوليات الدينية، التي رفضت الحداثة، وشيطنت الآخر، بحجة الحفاظ على الهوية. تدعو الوريمي إلى تفكيك ثنائية "نحن/هم"، واعتماد قراءة نقدية منفتحة للذات والآخر، تدمج الفكر العربي في الحداثة الإنسانية العالمية.

 

معاهد الأئمة فى فرنسا.. بين التكوين والتوجّس

اختتم الباحث التونسي أحمد نظيف الكتاب بدراسة حول المعاهد الدينية الإسلامية في فرنسا، التي تُعنى بتكوين أئمة ودعاة من أبناء الجالية المسلمة. يرى نظيف أن هذه المعاهد ظهرت لسد فراغ في التعليم الديني الرسمي، وتسعى لتكوين قيادات دينية منفتحة على السياق الفرنسي، لكنها في الوقت ذاته تثير مخاوف من الانغلاق أو التحول إلى منصات غير خاضعة للرقابة. تعكس هذه الدراسة الجدل الدائم حول الإسلام في الغرب، والتحديات الثقافية لتكوين خطاب ديني عصري ضمن بيئة متعددة الهويات.

يرصد هذا الكتاب الحواري المتشعب، كيف انتقلت فكرة "الإصلاح" من مشروع فكري ونهضوي إلى أداة أيديولوجية في يد التنظيمات السياسية، وكيف تراجعت الدولة العربية، لصالح الجماعة والحزب والرمز. فبين محمد علي والبغدادي، تتبع الباحثون رحلة وعي مأزوم، بدأ بالسؤال عن النهضة، وانتهى باستدعاء السلف الصالح كمصدر للسلطة، وسُحبت مفاهيم كالدولة، والديمقراطية، والحداثة، إلى معارك هوية مزيفة.

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

محافظ نابلس: الاحتلال يشن حرب استنزاف ومصر تقود الموقف العربى ضد التهجير

المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية: الموقف المصرى صلب ضد تهجير الفلسطينيين

سنة دون مبرر.. غلق الوحدة السكنية يوجب إخلاءها فى قانون الإيجار القديم

تعرف على حالات يحق لرجل المرور سحب التراخيص من السائق على الطرق

السعودية تستنكر تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلى بمنع إقامة دولة فلسطين


مروان حمدى يسجل الهدف الأول لبيراميدز أمام الإسماعيلى وطرد يورتشيتش وتوريه

الأقصر تدعم المزارعين.. علاج 40 فدانا من دودة القصب الكبيرة.. الانتهاء من زراعة 16 حقلا إرشاديا بمحصول الذرة الرفيعة.. 20 رخصة لمحال الاتجار في الأعلاف.. ومقاومة حشرة النمل الأبيض بـ 19 منزلا بالمجان.. صور

إعفاء طلاب الثالث الإعدادى بالعامين الدراسيين 2026 و2027 من أعمال السنة

وزير التعليم يعلن تطبيق أعمال السنة على الصف الثالث الإعدادى

بدء هدم عمارة هندسة السكة الحديد بميدان رمسيس لتوسعة كوبرى أكتوبر.. إنشاء موقف متعدد الطوابق للقضاء على العشوائية وإزالة كافة الأكشاك والمحال المنتشرة بالميدان.. وتجهيز مول تجارى ومكاتب إدارية بديلة.. صور


5 معلومات عن مباراة الأهلى وفاركو غدا الجمعة فى الدوري المصري

الأرصاد تحدد موعد انكسار الموجة الحارة وتحذر من أمطار رعدية.. فيديو

ضبط سائق سيارة فارهة حاول الهرب بعد ارتكابه حادثا مروريا بكوبرى أكتوبر.. فيديو

ضربة لحيتان المقاولين.. إزالة 6 أبراج مخالفة فى منطقة اللبينى بالهرم.. صور

مصابة بحادث طريق الواحات أمام النيابة: الشباب طلبوا منا النزول من السيارة

والدة فتاة حادث طريق الواحات: “مش هتنازل عن حق بنتى.. والرعب اللى عاشته”

منتخب مصر يستعجل اتحاد الكرة لحسم وديات نوفمبر وديسمبر

سلوت: جاهزون لضربة البداية أمام بورنموث والصفقات الجديدة تُصعب المنافسة

الرئيس السيسى يوجه بالمضى قدماً فى إعداد الموقع العالمى لإذاعة القرآن الكريم

بيراميدز يتفوق على الإسماعيلى فى المواجهات قبل لقاء اليوم بالدورى

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى