نهاية الخائنين والمنافقين للأمة على يد حلفائهم (2)

ما زلنا نتحدث عن عاقبة الخائنين والمنافقين للأمة الإسلامية من واقع التاريخ الذى لا يكذب ولا يتجمل فها هو أبو رغال الذى يعدُّ الخائنَ الأكبر، الذى جعَل من نفسه دليلًا وعميلًا لأبرهةَ الأشرم عندما عزم على هدم الكعبة، ولقد مرَّ الرسول صلى الله عليه وسلم بقبره فرجَمه، فأصبح رَجمُه سنَّة.
وهذا هو الوزير شاور الذى خان المصريين وتحالف مع الصليبيين ضدَّ نور الدين محمود وصلاح الدين فى الفترة من 562 هـ إلى 564 هـ، وحاول تمهيدَ الطَّريق لهم للاستيلاء على مصر؛ عن طريق الخيانة تارة، وعن طريق إشعالِ الحرائق فى أنحاء القاهرة تارةً أخرى؛ حتى يضطرَّ الناس لمغادرتها، ويكون الطريق ممهدًا للصليبيين، وظلَّت نار الخيانة تَستعر إلى أن تمَّ قتل شاور، ومكَّن الله تعالى للمسلمين.
ولم يغفل التاريخ الناصر يوسف الأيوبى وهو للأسف من أحفاد صلاح الدين الأيوبى، وآخر ملوك الدولة الأيوبيَّة، وكان من خيانته أن قام النَّاصر يوسف الأيوبى بمَنع الإمدادات والمساعدات عن الكامِل محمد الأيوبى، وساعَد كذلك فى حصار مدينة ميافارقين (بين دجلة والفرات)، وساعد هولاكو فى الهجوم على مصر لتخليصها من بين يدى المماليك، والأكثر من ذلك أنَّ العزيز بن الناصر يوسف آثَر أن يَبقى فى عسكر هولاكو ليهاجم معه المسلمين.
وبالرغم من كلِّ ذلك أرسل هولاكو رسالةً إلى الناصر يوسف الأيوبى يهدِّده ويتوعَّده؛ بل ويأمره أن يأتيه هو وجنوده، وفى نهاية رسالة التهديد والوعيد هذه كتب قائلًا: ".. وقد بلَغنا أنَّ تجَّار الشام وغيرهم انهزموا بحريمهم إلى مصر؛ فإن كانوا فى الجبال نسفناها، وإن كانوا فى الأرض خسفناها".
بعد هذه الرسالة التى يُفهم منها تجريد الناصر يوسف من كلِّ شيء والقضاء على حلمه، قرَّر الناصر يوسف أن يتَّخذ قرارًا بإعلان الجِهاد ضد التتار، قوبلَت هذه الدَّعوة للجهاد باستهتار واستخفافٍ شديدين؛ لأنَّ الجميع يعلم أن الناصر يوسف ليس من أهل الجهاد، وليس عنده أى حميَّة للدين ولا للعقيدة، ولا يغار عليهما، فمن المعروف عنه أنَّه اعتاد أن يتنازل عن كلِّ شيء، وأى شيء، من أجل الحكم.
استجاب بعض المتحمِّسين للناصر يوسف، وجاؤوا يقاتلون تحت رايته الجديدة، وضرب معسكرًا لجيشه فى شمال دِمشق عند قرية (برزة)، وبدأ الناصر يوسف يراسِل الأمراءَ من حوله لينضمُّوا إليه لقتال التتار، وبدأ كذلك استمالة النَّصارى، ووعدهم بتوليهم إدارةَ شؤون البلاد بعد المعركة.
تقدَّم جيش هولاكو واستولى على ما بَقى من بلاد الشام، فقرَّر الناصر يوسف الهربَ إلى مصر، لكن السلطان (قطز) سلطان مصر كان له بالمِرصاد، ورفض دخولَه، وبقى النَّاصر يوسف فى الصحراء إلى أن أمسكَته جنودُ المغول، وقام هولاكو بقتله بعد هزيمة المغول فى معركة عين جالوت.
كما سجل التاريخ خيانة الضابط المصرى على يوسف الشهير بـ (خنفس باشا) وهو من بين الضبَّاط الذين خانوا أحمد عرابى فى معركة التل الكبير؛ ممَّا أدَّى إلى هزيمة جيش عرابى، واحتلال القوات الإنجليزية لمصر.
وكان من خيانة (خنفس) أنْ طمأَنَ جيشَ عرابى بأن الإنجليز لن يهجموا فى ذلك اليوم، فاطمأن الجيش، غير أنَّ القائد الإنجليزى (ولسلي) شنَّ هجومًا مُباغتًا ترتَّب عليه هزيمة جيش عرابى فى معركة التل الكبير، وسيطرة الإنجليز على زمام الأمور.
* وجاء فى كتاب "فصل فى تاريخ الثورة العرابية"؛ للمؤرِّخ (محمود خفيف) أنه: "فى 15 سبتمبر بلغ الإنجليز منطقه العباسيَّة، ومنها ساروا إلى القلعة، وكان بها أربعة آلاف جندى، فسلَّمهم خنفس مفاتيحها".
كما كان للمعلم يعقوب يوحنا دور فى تسهيل الاحتلال الفرنسى لمصر عندما غزَت الحملة الفرنسية مصرَ بقيادة نابليون بونابرت عام 1798، استعانت بالمعلم يعقوب يوحنا لإخضاع الصَّعيد ومطاردةِ جيش مراد بك، وبالفعل أدَّى دورًا بارزًا فى خدمة الحملة الفرنسيَّة على مصر؛ وذلك لخبرته بطبيعة المكان وبطبيعةِ قادة المماليك فى ذلك الوقت.
كتب الجنرال جاك فرانسوا مينو إلى بونابرت رسالة يقول فيها: "إنِّى وجدتُ رجلًا ذا دراية ومَعرفة واسعة، اسمه (المعلم يعقوب)، وهو الذى يؤدِّى لنا خدمات باهرة؛ منها تعزيز قوة الجيش الفرنسى بجنود إضافية من القبط لمساعدتنا".
ويذكر أنَّ الكنيسة قد تبرَّأَت من تصرُّفاته ومن خيانته للوطن، جاء فى كتاب "تاريخ الأمة القبطية"؛ لمؤلِّفه المؤرخ (يعقوب نخلة): "وتسجِّل كتب التاريخ القبطى تبرُّؤ الكنيسة المصرية من الشخص الذى يَنحرف عن هذا التقليد العَريق؛ يعني: الولاء للوطن، ممثلًا بالجنرال يعقوب، الذى عاش أيام الحملة الفرنسية، وسار فى خطَّةٍ تُخالِف أبناء جنسه".
ومع نهاية الحملة الفرنسية على مصر، قرَّر المعلم يعقوب أن يسافر إلى فرنسا، وفى عرض البحر أُصيب يعقوب بعد يومين من ركوبه السفينة بالحمَّى ومات، وتقول بعضُ الروايات: إنَّ الفرنسيين قد قاموا بإلقاء جثَّته فى البحر.
إنَّ النماذج على مرِّ العصور أكثر من أن تُحصى، وستستمر المعركة سِجالًا، والأيام دُول، إلى أن يرث الله تعالى الأرضَ ومَن عليها.

Trending Plus