أزمة مناخية تضرب أوروبا.. جفاف وفيضانات وعواصف عنيفة تعصف بالقارة.. موجات حر قياسية وتهديد للمحاصيل الزراعية ومصادر مياه الشرب.. ونقص الحبوب يهدد إسبانيا.. ووضع كارثى فى فرنسا.. و600 حريق فى يوم واحد فى صربيا

تشهد أوروبا صيفًا من الظواهر الجوية المتطرفة، حيث اندلعت حرائق الغابات في فرنسا وإسبانيا وتركيا، تلتها عواصف عنيفة في دول البلقان، وسط موجات جفاف تهدد المحاصيل الزراعية ومصادر المياه الصالحة للشرب. ويرى الخبراء أن هذا التقلب الحاد في الظواهر المناخية هو نتيجة مباشرة لتغير المناخ، محذرين من "لطمة هيدرو- مناخية" قد تتكرر بل وتشتد مستقبلاً.
خلال الأسابيع الماضية، ضربت القارة الأوروبية موجات حر شديدة، أعقبتها أمطار غزيرة وعواصف مدمرة. وتؤكد الدراسات العلمية أن هذه الظواهر المفاجئة والغير منتظمة مرتبطة جزئياً بالنشاط البشري الذي يساهم في الاحتباس الحراري، ومن المتوقع، بحسب العلماء، أن تزداد وتيرة هذه الظواهر في السنوات القادمة، مما يؤدي إلى خسائر بشرية ومادية جسيمة.
وحذرت وكالة البيئة الأوروبية من أن "هذه الحوادث المأساوية ما هي إلا تذكير صارخ بواقع مناخي متقلب يتطلب من أوروبا التكيف معه بسرعة، إلى جانب اتخاذ خطوات عاجلة لتقليل الانبعاثات الكربونية بشكل كبير لاحتواء الأزمة المناخية".
وفى إسبانيا ، أعلن وزير الزراعة، والصيد، والغذاء الإسباني، لويس بلاناس، أن إسبانيا ستحتاج إلى استيراد بين 10 و12 مليون طن من الحبوب هذا العام بسبب الإنتاج المحلي الذي لا يلبي الطلب، وذلك بسبب الجفاف الشديد التى تعانى منه البلاد، وستعتمد البلاد على أسواق دولية مثل البرازيل وكندا والولايات المتحدة لتغطية هذا العجز.
وأشارت صحيفة 20 مينوتوس الإسبانية، إلى أن موجات الجفاف
والظروف المناخية السيئة تسببت في أضرار كبيرة للمحاصيل الزراعية في إسبانيا، لا سيما فى قطاع الحبوب، الذي سيسجل هذا العام إنتاجاً أقل من الحاجة المحلية.
وأكد بلاناس في بروكسل على ضرورة استيراد ملايين الأطنان من الحبوب لضمان تلبية الاستهلاك الداخلي، مما يعكس مرة أخرى اعتماد إسبانيا الكبير على الواردات من الخارج في منتجات أساسية للأمن الغذائي وتغذية الثروة الحيوانية.
وأوضح بلاناس أن إسبانيا ستنهي موسم الحبوب لعام 2025 بعجز يتراوح بين 10 و12 مليون طن، مما سيدفعها للبحث عن الإمدادات من الأسواق الدولية وتشير التوقعات إلى أن الإنتاج المحلي سيصل إلى حوالي 21 مليون طن حسب تقديرات وزارة الزراعة، بينما يتوقع الاتحاد الأوروبي 23 مليون طن، وتقدّر التعاونيات الإنتاج بنحو 24 مليون طن. ومع ذلك، لا تزال هذه الأرقام بعيدة عن الكمية المطلوبة لتلبية الاستهلاك المحلي.
وأضاف بلاناس: "سواء كانت الأرقام النهائية 21 مليون طن أو 23 أو 24 مليون طن، فإننا بحاجة لاستيراد بين 10 و12 مليون طن من الخارج."
حرائق فرنسا: الوضع "كارثي" ومرتبط بتغير المناخ
في جنوب فرنسا، اندلعت حرائق ضخمة بالقرب من مدينة مرسيليا، حيث التهمت النيران أكثر من 720 هكتارًا من الأراضي، ما أجبر السلطات على إجلاء مئات السكان، وتسببت في شلل جزئي في حركة الطيران والقطارات.
وأشار الباحث المتخصص في البيانات المناخية، ماكس دوجان-نايت، إلى أن السبب المباشر للحرائق كان اندلاع النيران في سيارة، إلا أن الظروف المناخية هي المسؤولة الحقيقية عن اتساع رقعة النيران بسرعة كبيرة: "في ظل حرارة مرتفعة، وجفاف شديد، ورياح قوية، يكفي شرارة صغيرة لتتحول إلى كارثة بيئية".
"لطمة هيدرو-مناخية": تقلبات بين الأمطار الغزيرة والجفاف القاسي
أوضح العلماء أن تغير المناخ يسبب نمطًا جديدًا من الظواهر يعرف بـ"اللطمة الهيدرو-مناخية"، أي التقلب المفاجئ بين فترات من الأمطار الشديدة وجفاف قاسٍ. هذه التقلبات تؤدي إلى نمو نباتات كثيفة بعد المطر، ما يشكّل وقودًا مثاليًا للحرائق بمجرد جفافها.
ويحذر دوجان-نايت من أن هذا النمط يزيد من حدة وخطورة حرائق الغابات، التي تطلق بدورها كميات هائلة من الغازات الدفيئة، مما يغذي حلقة مفرغة من الاحتباس الحراري والدمار البيئي.
دول البلقان: من الحرارة الشديدة إلى البرد القارس
في كرواتيا، اجتاحت عاصفة برد مدمّرة مناطق عديدة بعد موجة حرارة وصلت إلى 40 درجة مئوية، مما أدى إلى إصابة ثلاثة أشخاص وتدمير منازل وأشجار. في سلوفينيا المجاورة، تساقطت الثلوج على المرتفعات بينما شهدت المناطق الأخرى أمطارًا غزيرة وبَرَدًا كثيفًا.
وفي صربيا، تسببت العواصف الأخيرة في خسائر كبيرة بعد أن كانت البلاد تواجه موجة جفاف خطيرة تهدد الزراعة وتؤدي إلى نقص في مياه الشرب. وأفادت السلطات أنها تعاملت مع أكثر من 600 حريق خلال يوم واحد فقط.
خطر داهم يهدد حياة مئات الآلاف فى أوروبا
تأتي هذه الأحداث كدليل حي على ما ورد في أول تقرير لتقييم المخاطر المناخية في أوروبا (EUCRA)، والذي حدد 36 خطرًا مناخيًا يهدد الأمن الغذائي والمائي والطاقة والبنية التحتية والاقتصاد والصحة العامة في القارة.
وأكد التقرير أن العديد من هذه التهديدات وصلت بالفعل إلى مستويات حرجة، وقد تتحول إلى كوارث إذا لم تتخذ الحكومات الأوروبية إجراءات عاجلة للتكيف مع الواقع المناخي والحد من أسبابه.
ونبهت وكالة البيئة الأوروبية إلى أن غياب هذه التدابير سيجعل القارة تواجه سيناريوهات مرعبة، حيث يمكن أن تصل الخسائر الاقتصادية الناتجة عن الفيضانات الساحلية إلى تريليون يورو سنويًا، وقد يموت مئات الآلاف بسبب موجات الحر المتكررة.

Trending Plus