أم ياسر أول سيدة بدوية تكسر التقاليد وتصبح دليلا سياحيا في جبال سيناء.. عمر تجربتها 5 سنوات بدأتها من منطقتها بوادي الصهو بأبوزنيمة.. تقود السائحين فى عمق الجبال ليعيشوا تقاليد البدو والطبيعة البكر ودفء الضيافة

تسير أم ياسر بخطى واثقة، تقود فوجًا من السياح عبر دروبٍ لا يعرفها إلا من نشأ على سفوحها بين مسارات وديان سيناء، لا يشاهد أحدا ممن تقودهم ملامح وجهها المخفية بلثام ورثته من جدتها، بينما عيناها تراقب المشهد حولها ولسانها يروي تفاصيل حكايته.
اسمها الحقيقي "ربيعة حميد عودة"، ولكن الجميع يعرفها بلقبها المحبّب: "أم ياسر".. أول امرأة بدوية في جنوب سيناء تقتحم عالم الإرشاد السياحي، وتجعل من الجبل مسرحًا لحكاية صبر وكسر للتقاليد.
تقول ربيعة لـ "اليوم السابع" من داخل ديوان زوجها الساكن بين مجموعة بيوت بسيطة تحيطها الجبال من كل جانب:" بدأت قبل خمس سنوات، حين شعرت أن العالم يتغير، وأن منطقتنا وادي الصهو، أحد أودية أبو زنيمة - لم تعد فقط موطنًا للبدو وعمال البحث عن المعادن، بل وجهةً سياحيةً يقصدها الزوار من كل صوب، بحثًا عن الجمال البدوي والطبيعة البكر ودفء الضيافة واسرار تاريخ وحضارات هنا".
تتابع أم ياسر: "شعرت أن عليّ دورًا، فأنا أعرف الجبال مثل كفي، أسير فيها ليلًا ونهارًا، وأحفظ أسماء الصخور والوديان والأشجار. قررت أن أكون أول من تقوم بهذه المهمة من النساء. لم أكن أقرأ أو أكتب، ولكن المعرفة التي غرسها فيّ المكان كانت كافية".
تشير ربيعة إلى أن تجربتها الأولى لم تكن سهلة، فقد اعتادت أن تسير بمفردها أو مع الأغنام، لا مع الأجانب. لكنها ذات يوم، أثناء مشاركتها مع زوجها في "درب سيناء"، وهي شبكة مسارات سياحية بيئية، جاء مرشد أجنبي وسأل: "هل هناك سيدات يمكن أن يعملن مرشدات لنساء أجنبيات؟".
هنا، وقع الاختيار على أم ياسر، ووافقت دون تردد. تقول ضاحكة: "فكرت أنني أمشي في هذه الدروب منذ سنوات، فما الفرق؟ بدلًا من الأغنام، سأقود بشرًا"..ومن هنا بدأت الرحلة.
زوجها، إبراهيم عبيد سعيد، من قبيلة الحماضة، كان أول من شجعها. يقول: "عندنا ابن واحد، ياسر، وكنت أرى في ربيعة شجاعة فريدة.. لم أمنعها، بل شجعتها ودفعتها للأمام.. قلت لها: خليكي واثقة من نفسك، اعتبريه زي مهمة رعي الغنم، أنت تعرفي الطريق وهم سيتبعونك".
ومنذ تلك اللحظة، تحولت أم ياسر إلى أيقونة.. لم تكن مجرد مرشدة تسير في الجبال، بل كانت تروي قصص الأشجار والصخور، تعد الفطير البدوي (الفراشيح)، وتقدم اللبن الساخن، وتشرح طقوس البدو في إعداد الطعام، واختيار المسارات، وقراءة علامات السماء والنجوم.
تقود أم ياسر السياح في مسارات متعددة، أشهرها جبل "أم بجمة"، وطريق "الفرعة"، و"رهوان"، وحي المنجنيز، ووديان الفيروز. تقول: "نمشي أحيانًا أكثر من 8 كيلومترات، ونرتاح تحت الأشجار. أُريهم أماكن كنا نسكن فيها، وأقول لهم اسم كل شجرة وصخرة".
وبرغم المسافة والتعب، لا تفارقها ابتسامتها، ولا تنفك تحرص على تغطية وجهها باللثام البدوي، احترامًا لعاداتها وتقاليدها.
تضيف بفخر: "لم أواجه اعتراضًا. بالعكس، الجميع كان سعيدًا أنني أعمل وأمثل نساء القبائل. كان هذا العمل نقلة كبيرة في حياتي".
تقول أم ياسر إن قصتها ألهمت نساء أخريات. بدأت سيدات من المنطقة بمرافقتها، بعضهن يصنعن الطعام، وأخريات يعملن على بيع منتجات يدوية للسياح.
"كنت أرى في أعين الفتيات الحلم، وكأنهن يقلن: نريد أن نكون مثلك. الآن بعضهن يساعدن في المخيمات البيئية. فتحنا بابًا، وسنمضي فيه".
ما فعلته أم ياسر لم يكن مجرد عمل، بل رسالة. في مجتمعات محافظة مثل مجتمعات البدو، خاصة في عمق جنوب سيناء، من النادر أن تجد سيدة تتجول مع سياح أجانب في الجبال، تقيم معهم أيامًا كاملة، وتكون حلقة الوصل بين ثقافتين.
لكن أم ياسر كسرت الصورة النمطية، وأثبتت أن التقاليد لا تتعارض مع العمل، بل تدعمه إذا تم بحكمة ووقار.
تحلم أم ياسر أن يمر "مسار النبي موسى" من منطقتها. تقول: "لو تحقق هذا، ستصبح منطقتنا قبلة للسياح من كل العالم. نحن نجهز أنفسنا. لدينا التاريخ، والطبيعة، والناس الطيبون".
تقول : " السياحة رزق من السماء، نرزق أحيانا بعدد من الأفواج وأحيانا يتراجع العدد، الرزق يصلني حتي باب البيت، حيث المنطقة التي اسكنها لا تصلها خدمات الإتصالات ولا أخفي انني اتمنى لو تشملنا التغطية ليتواصل معي السائحين ومنظمي الرحلات لضبط المواعيد واستقبالهم فحتما سيكون هناك فرق"
أم ياسر اليوم ليست فقط مرشدة سياحية، بل أمًّا روحية لكل من زار وادي الصهو. يكتب الزوار عنها، يرسلون صورهم معها، وبعضهم عاد مرات ومرات فقط ليعيد التجربة معها.
تقول "أقول لهم دائمًا: الجبل علّمني الصبر، وأنا أعلّمكم حب الصحراء".

آم ياسر

تتحدث لمحرر اليوم السابع

مع ابنها ياسر

زوجها يتحدث

أم ياسر
ربيعة حميد
المرأة البدوية
أول مرشدة سياحية بدوية
وادي الصهو
جنوب سيناء
السياحة البدوية
الدليل السياحي البدوي
سياحة المغامرات
سياحة نسائية
رحلات سيناء
الجبال
وديان سيناء
السياحة البيئية
السياحة الثقافية
كسر التقاليد
تمكين المرأة
المرأة في سيناء
قبيلة الحماضة
درب سيناء
حياة البدو
التراث البدوي
الموروث السيناوي
قصص النجاح
التحدي والإرادة
تمكين البدو
المرشدات السياحيات
Trending Plus