عصام عبد القادر يكتب عن الإعلام والحروب الفكرية: إثارة الفتن والخوف والقلق والانقسام والتشويه وإضعاف الهوية غايات المغرضين.. إعلامًا وطنيًا يعزز الإيجابية.. الاستباقية.. الحرية المسئولة التي تبني الأوطان

منهجية القضاء على تماسك، ووحدة الشعوب الآن، أضحت تقوم على حروب الفكر، التي تعضد فلسفة الانقسام، وتعمل على إضعاف الهوية الوطنية، وهذه كارثة في حد ذاتها؛ حيث لا مكان للولاء، والانتماء، ولا فلترة للسلوك، الذي يقوم على تلبية الاحتياجات الخاصة، دون مراعاة الغير، بل، يبيح كل محظور، ويجعل الإنسان لا يعبأ بقيم، ولا خلق، ولا مبادئ مجتمعية؛ ومن ثم تفتح الساحة للغرق في غيابات الفكر المتطرف، الذي يوجهه بكل تأكيد لطرائق، ومسارات العنف؛ بغية فرض واقع، يطيح بمقومات التعايش السلمي، ويضير بسياسة الاندماج لمجتمعي، ويكرس ماهية الاستقطاب.
الحروب الفكرية تستهدف تشويه الأذهان، والوجدان، وتعيق الرؤية، التي تنظر بعين الأمل، والطموح نحو المستقبل المشرق؛ حيث تعمل على ضبابية المشهد؛ كي يصبح الإنسان ضال لطريقه؛ ومن ثم يسهل غوايته؛ بحقن ذهنه بسموم، تحملها أفكار تنال من ثقته؛ إذ تألبه على مؤسسات الدولة، ورموزها، وقيادتها السياسية، وتكرس لديه الحقد، والكراهية، وسلبية التفكير، ناهيك عن إحباط يضعف عزيمته، ويقلل من نشاطه، ويطفئ شغفه نحو العمل، والإنجاز، ويقضي على طموحه المأمول.
ثمة سباق بين الآلة الإعلامية الوطنية، ونظيراتها، التي تتبنى أجندات، تنبري تحتها مخططات حروب فكرية متوالية، ناهيك عن المنصات الرقمية، ومواقع التواصل الاجتماعي، سريعة الانتشار، التي تأخذ ذات التوجه، وإن شئت فقل: تدعم صور سيناريوهات الحروب الفكرية بحرفية، منقطعة النظير، وهنا نتحدث عن أهمية، وضرورة اليقظة، التي تقع على عاتق إعلامنا القومي، الذي يمثل القوة الناعمة، التي تسهم في بناء إنسان يمتلك الفكر القويم، ولديه إدراك، وفهم عميق لكل ما يحاك حوله من مكائد، وما يبرم من صفقات، تستهدف النيل من فكره؛ كي يصبح أداة هدم فاعلة.
المعركة حامية الوطيس، والساحة مهيأة للنزال في معترك، يصعب ضبطه بالسلاح، أو العتاد؛ فالتأثير على النفس أقوى من فتك نيران الحروب، وهذا نقرأه في أشكال العنف، التي انتشرت بين أطياف المجتمع في مشاهد، يندُّ لها الجبين، وما كان للعين أن تتخيل رؤيته؛ فجرعات الكراهية تبث ليل نهار، دون توقف؛ فتنزع صمام الانضباط، والاتزان؛ ومن ثم يخرج الإنسان عن المعهود، والسياق، والقانون؛ ليظهر بصورة لا يتورع فيها عن التخريب، أو التحريف، أو التفوه بحديث يخدش الحياء، ويقضي على ماهية السلمية بين المجتمع.
ما تستهدفه الحروب الفكرية، يفوق التصور، والخيال لإنسان يمتلك الوجدان النقي، ويتمسك بالقيم النبيلة، والإعلام الوطني في حاجة؛ لإعادة صياغة سيناريوهات المواجهة مع هذه الغايات، غير السوية؛ إذ يجب أن تتضح صور_ وأساليب، وأكاذيب التضليل، التي تطلقها المحطات، والوكالات، والمواقع المأجورة، التي تشن حربها على شعوب، تود إسقاطها في ظلمات حالكة؛ حيث تدخلها في أنفاق النزاع الأيدولوجية؛ كي تتسارع وتيرة الصراعات، وتنتقل من حيزها السلمي إلى حافة هاوية الاقتتال، وإسالة الدماء، وهتك الحرمات، دون تورع، أو خوف، أو وجل، أو رحمة.
حان الوقت؛ كي تعمل وسائل الإعلام المصرية على دراسة صورة الرأي العام، وتسارع بصورة ممنهجة على إعادة تشكيله، في ضوء منظومة القيم النبيلة، التي تعد سياجًا، ومنعة، وحماية، وحائط صد، صلد، ضد الحروب الفكرية، وأشكالها المتغيرة، وهذا يحتم الاستعانة بالخبراء_ والمتخصصين من كافة المجالات؛ ليصبح هنالك سيناريوهات فاعلة، تعمل بقوة، وسرعة على رأب الصدع، وتعزيز ماهية الهوية الوطنية، وتقوية الروابط، والنسيج الوطني، وتخلق مناخًا مواتيًا؛ لتقوية الإرادة، والعزيمة، وبذل الجهود المضنية في تحقيق غايات الدولة عبر ميدان عمل، لا يتوقف عطاؤه، ولا ينضب نتاجه الطيب.
القيم المجتمعية النبيلة، التي يتمسك بها المصريون، تترجمها سلوكيات حميدة، تؤكد على صورة الأيديولوجية الوسطية، التي تسكن القلوب، والأفئدة؛ فنرى منها فيض المحبة، والرضا، ونرصد منها التكافل، والتراحم، وتمديد الصلات بين الأقارب، والجيران، بل، بين كافة أطياف هذا المجتمع المسالم، وهنا نعتمد على إعلامنا النشط في عرض دراما، ولقاءات، تعزز ما أشرنا إليه، وتغرس في وجدان النشء من فلذات الأكباد الاتصافات القيمية؛ حيث ارتباط المعني بالفعل؛ ومن ثم نقضي على صور الأيديولوجيات، التي يود أصحاب المآرب أن تسود من خلال حروبهم الفكرية، غير السوية.
أعتقد أن نجاح إعلامنا في مقدرته على تعبئة النفوس بالإيجابية؛ لنصبح قادرين على مواجهة الأفكار السلبية، ودحضها، ناهيك عن حشد للطاقات في خضم واحة الميدان، الذي نحقق فيه انتصارات، تكمن في الإعمار من خلال مشروعاتنا القومية، التي باتت حقيقة، وأضحى الدفع بمراحلها، واستكمالها فرض عين على الجميع؛ لنحصد النهضة، التي تجعل وطننا في علو، وازدهار، وأجياله في عزة، وافتخار بمجد يكملونه؛ ليضاف إلى رصيد الحضارة، التي لا تعلوها أخرى في المعمورة قاطبة.
هزيمة الحروب الفكرية من قبل الإعلام الوطني، تقوم على استباقية تناول المعلومة الصحيحة من مصادرها الموثقة، وتعتمد على فلسفة تنمية مهارات التفكير الناقد لدى المتلقي، بصورة مقصودة عبر برامج هادفة، تشمل أنشطة إثرائية جاذبة، تحمل في طياتها أهدافًا، تساعد الإنسان على تحليل القضايا، وتقييم جوانبها وفق معايير، أو محكات، تؤكد صحة المسار، كما أن عطاء الإعلام يستمد من تناول المستقبل في صورته المشرقة بواسطة آراء، تقوم على منهجية علمية رصينة، تعضد الثقة لدى المشاهد، وتعزز لديه الرصيد المعرفي في إطاره الصحيح، بل، تمتد جهود الإعلام المتفرد في تعظيم لغة الحوار البناء، الذي لا ينفك عن معايير، وأسس، تؤكد على آدابه، التي تضمن حصد ثمرته اليانعة.
استفحال التضليل الإعلامي الموجه نحونا، لا يضيرنا إذا ما تحرى إعلامنا الوطني الدقة، والموضوعية في العرض، والتناول، وأصبح مدركًا لمسئوليات من شأنها أن تعزز الديمقراطية، والحرية المسئولة، التي تبني الأوطان، ولا تطلق العنان أمام الرويبضة؛ ليكرسوا الفكر المشوه، ويعمقوا السلبية في نفوس الشعب، الذي اصطبر من أجل استكمال بناء هذا الوطن، وهنا أضحى دحر الشائعات أحد المهام الرئيسة، التي تقوم على إعلام يمتلك المقومات الفعالة؛ ليؤكد لأصحاب القلوب المريضة أن مصر صعبة المنال.
ندرك أن تدمير الشعوب من بوابة الحروب الفكرية، التي تقوم على إثارة الفتن، بل، والخوف، والقلق من المستقبل؛ كي يبحث الإنسان عن بديل، يحميه من الخطر، الذي تملك عواطف البسطاء؛ ومن ثم تستكمل الحروب مسيرتها؛ لتأجيج الغضب، المفعم بالحزن؛ لتوجه الطاقات نحو التخريب، والتدمير، دون وعي؛ أملًا في الخروج من أزمات واهية، قد كرستها في النفوس هذه الحروب المغرضة، وهذا ما يجعلنا نتضافر من أجل دعم مؤسساتنا الإعلامية الوطنية صاحبة الرسالة السامية، من أجل أن تقوى شوكتها، وتصبح قادرة على إلحاق الهزيمة النكراء بمن يقفون خلف الحروب الخرقاء.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.

Trending Plus