هنا وقف الفراعنة.. سرابيط الخادم معبد معلّق بين الصخور فى عمق سيناء.. يحمل اسم حتحور"سيدة الفيروز".. 28 مغارة يستخرج منها الفيروز ونقله عبر خليج السويس لضفاف النيل.. تعرض للسرقة وموشي ديان أشهر اللصوص

علي قمة جبل سرابيط حيث تتعانق الصلابة الحجرية مع صفاء السماء، تصمد أثار معبد فريد لا يشبه غيره من معابد مصر. معبد سرابيط الخادم أو معبد حتحور، كما يسميه علماء الآثار، ليس مجرد أطلال فرعونية مهجورة، بل سردية حجرية معلّقة فوق جبل بعلو 735 مترًا، تُروي على لسان الصخر وأعمدة محفورة في قلب الزمن.
"اليوم السابع " وصل للمكان ورصد فى رحلة ميدانية مساراته وحكايات نقشت على مكوناته من الصخور.
في لغة أهل الجبال، تطلق كلمة "سرابيط" – جمع "سربوط" – على الأعمدة الحجرية التي تشبه الطيف الواقف على القمم، وكلمة خادم فهي نفسها في المعبد، لأن هناك أعمدة في المعبد تشبه الخدم ذوي البشرة السوداء.
وهكذا سُمّيت المنطقة: سرابيط الخادم، حيث تقف الأعمدة الفرعونية مثل حراس صامتين يروون ما حدث حين وصل الفراعنة إلى عمق سيناء، يبحثون عن الفيروز والنحاس، ويخلّدون رحلاتهم بنقوش على الجبال ومعابد للصلاة والقرابين وهم يؤدون مهامهم.
الوصول إلى المعبد مغامرة في حد ذاتها. تبدأ الرحلة من عمق الوديان، وسط طرق ترابية متعرجة، لتبدأ بعدها مرحلة الصعود الحلزوني عبر الدروب الجبلية الملتوية، التي تستغرق ساعة كاملة من السير والتسلق.
خلال المسير، تتبدى مشاهد تأسر القلب: نقوش على الصخور، تكوينات جيولوجية عجيبة، ومغارات محفورة بعناية لا يمكن أن تكون إلا من فعل الإنسان القديم. هنا، على قمم صخرية خام، نقشت أسرار التاريخ، وخلّد الفراعنة لحظات عظمتهم خارج وادي النيل.
داخل الموقع الأثري، الذي يمتد على مساحة تزيد عن 2400 فدان، تتربع مكونات المعبد وسط مغارات التعدين. تقول الوثائق إن حتحور، "سيدة الفيروز" كما أُطلق عليها، كانت تُعبد هنا. واسمها الأصلي "حوت حر" يعني "ملاذ حورس".
شُيّد المعبد في عهد الأسرة الثانية عشرة، وامتد نشاطه حتى منتصف الأسرة العشرين. ويؤكد د. مصطفى محمد نور الدين، الباحث في وزارة السياحة والآثار والمدير الأسبق لهذا الموقع، أن الملك أمنمحات الأول هو أول من أرسل بعثات تعدين إلى هذا المكان، بينما تولى سونسرت الأول مهمة بناء منشآت المعبد.
يقول نور الدين في كتابه المرجعي عن المنطقة المعنون ب" سرابيط الخادم ومحيطها الأثري" : "كان المعبد مقصودًا بعناية، شُيّد فوق قمة الجبل، محاطًا بسور حجري، وتضم مساحته نحو 800 متر من الشرق للغرب و35 من الشمال للجنوب. المعبد يحتوي صالات أعمدة، ومقصورة للملوك، وحجرة تطهير، وكهوف مخصصة لحتحور وسوبد."
وعلى جوانبه تنتشر مغارات الفيروز التي استخدمها المصري القديم لاستخراج الحجر الكريم. ويُعتقد أن أكثر من28 مغارة تحيط بالمعبد مباشرة.
تاريخ المعبد، ليس فقط شاهدًا على الحضارة، بل كان أيضًا ضحية للاحتلال والنهب. خلال العدوان الثلاثي عام 1956، ثم احتلال 1967، تعرّض الموقع لأعمال سرقة ونهب مروّعة.
يروي نور الدين تفاصيل ما يُعرف بـ"سرقات موشي ديان"، القائد العسكري الإسرائيلي الشهير، والذي قاد بنفسه عمليات نهب للآثار من سرابيط الخادم.
"في 27 نوفمبر 1956، تم تحميل قطع أثرية من الموقع في طائرة هليكوبتر بحضور 20 جنديًا ورتب عالية. نُقلت الآثار إلى أبو رديس، ثم إلى إسرائيل، قبل أن يُكشف الأمر لاحقًا في مذكرات طيّار إسرائيلي نشرت عام 2001."
واحدة من أهم القطع التي سُرقت أُعيدت لاحقًا، كانت لوحة حجرية فرعونية تسكن حاليا واجهة المعبد، بعد ان تمّت إعادتها بعد اكتشاف السرقة وتوثيقها، وكان موشي ديان نفسه كشف في كتابه "العيش مع التوراة" الذي نشره عام 1978، عن زيارته لمنطقة سرابيط الخادم وسط سيناء مرتين الأولى في أكتوبر عام 1956، أثناء العدوان الثلاثي على مصر.
وقال إنه نزل مع عدد من الجنرالات الإسرائيليين في طائرة هليكوبتر في منطقة آثار سرابيط الخادم، وأخذ عددا من اللوحات الأثرية بالمنطقة، ونقلها إلى منزله في تل أبيب بطائرة عسكرية.
أما الزيارة الثانية كانت في يوليو عام 1969 بعد احتلال سيناء، وترجم نقوش هذه اللوحات أستاذ الآثار بجامعة تل أبيب رافائيل جيفون، وهو الذي نشر بعضها، وقال إن ديان استطاع أن يجمع قطعا أثرية متنوعة وفريدة.
لم تتوقف قصة سرابيط الخادم عند ذلك. بل امتدت إلى متاحف العالم. فاليوم، تحتفظ متاحف مثل المتحف البريطاني، متحف هارفارد، أشموليان، ييل، جامعة لندن، مانشستر، وحتى متحف بروكسل، بقطع أثرية نادرة من سرابيط الخادم.
يؤكد نور الدين أن بعض هذه القطع خرجت خلال الحفائر العلمية في أوائل القرن العشرين، إلا أن الجزء الأكبر منها تم تهريبه خلال الاحتلال. وبعض محفوظ الآن في مخازن القنطرة شرق والمتحف المصري.
ما يجعل سرابيط الخادم فريدًا، ليس فقط ارتفاعه، ولا مهابته، بل أن المعبد بُني حيث لا يجب أن يُبنى – على قمة جبل، في قلب منطقة تعدين. هذا ما يجعل كل خطوة في الموقع محمّلة بالدهشة: كيف وصلت الأدوات؟ كيف نقلت الأحجار؟ كيف عاشت البعثات في مكان بهذا الارتفاع والعزلة؟.
ربما أراد المصري القديم أن يوصل رسالة: "نحن هنا. على القمم. نحفر اسمنا في الجبل."
المكان اليوم لا يزال يستقبل الزوار، رغم وعورة الطريق وقلة الإمكانات. السكان المحليون، خصوصًا من أبناء قبائل الحماضة والعليقات، يعتبرونه جزءًا من هويتهم وتاريخهم. هم يعرفون الطريق، يحفظون الدروب، ويروون القصص وهم يرافقون زوار المكان الذين يعتبرونهم ضيوفهم.

اثار-الفراعنة

اثار-فرعونيه

اطلالة-المعبد-علي-الجبال

الأثر-الذي-سرقه-ديان

جانب-من-معالم-علي-الطريق-للمعبد

قمم-الجبال-حول-المعبد

لوحة-ارشاديه-

معبد-سرابيط-الخادم

من-داخل-المعبد_1

من-محيط-المكان

نقوش-فرعونيه_1

Trending Plus