الطفل العربي بين أفلام الكرتون ومعركة الوعي

حازم صلاح الدين
حازم صلاح الدين
حازم صلاح الدين

في زمن يتزايد فيه نفوذ الإعلام الرقمي وتفتح فيه الشاشات بلا قيود أمام الأطفال، لم تعد أفلام الرسوم المتحركة مجرد وسيلة ترفيه بريئة، بل أصبحت أداة قوية لتشكيل المفاهيم، وتكوين الوعي، وتوجيه السلوكيات، وقد أثارت تحقيقات صحفية حديثة، مثل التحقيق الذي أعدته الزميلة بسنت جميل ونشره موقع اليوم السابع، جرس إنذار مهم حول هذا الموضوع، تحت عنوان لافت: "الكارتون ليس بريئًا.. 300 فيلم أمريكي تشوه صورة العرب".

لامس التحقيق الحقيقة وفتح الملف الشائك من جديد بشكل مباشر وصريح، فبينما يقضي الأطفال العرب ساعاتٍ طويلة يوميًا أمام الشاشات، يتابعون شخصيات كرتونية غربية مدبلجة، تمرر إليهم رسائل ضمنية لا تتماشى بالضرورة مع بيئتهم الثقافية أو قيم مجتمعاتهم، فمن تقديم المسلم على أنه لص أو إرهابي في بعض الأعمال مثل سكوبى دو، إلى سردية توم وجيري المنحازة حول الحق التاريخي في فلسطين، مرورًا بترويج سبونج بوب لأفكار تتعلق بالمثلية الجنسية، نجد أنفسنا أمام إشكالية حقيقية تتجاوز حدود المتعة البصرية، إلى تهديدات تمس الهوية والتربية والسلوك.

فعليًا، يغرس عدد من أفلام الكرتون، رغم طابعها المرح، في ذهن الطفل أنماطًا من العنف والسلوك العدواني، مما يدفع بعضهم إلى تقليد تلك الشخصيات في مواقف خطيرة أدت بالفعل إلى حوادث وإصابات، والمؤسف أن ذلك يحدث في ظل غياب رقابة حقيقية، وافتقار إلى محتوى عربي بديل يحمل رسالة تربوية وإنسانية، بنكهة مشوقة قادرة على جذب الطفل دون أن تفسد وعيه.

في هذا المشهد الغامض، يعود إلى الذهن سؤال قديم متجدد: ما أسباب غياب المنافسة العربية؟ سؤال لم نجد له إجابة حتى الآن، فعلى الرغم من توفر الكوادر والموارد والإمكانات التقنية في الوطن العربي، لا تزال صناعة الرسوم المتحركة متعثرة.

صحيح أن بعض التجارب المحلية حققت نجاحًا محدودًا، لكنها لم تتطور إلى تيار مستمر أو مشاريع دائمة قادرة على الوقوف بندّية أمام الإنتاج الغربي.

وهنا يطرح السؤال الذي لا يزال دون إجابة: لماذا لا يتم الاستثمار الجاد في هذا القطاع الحيوي؟ ولماذا لا تتحول الرسوم المتحركة إلى مشروع وطني – بل قومي – لصناعة الوعي وتثبيت الهوية؟

وفي ظل هذا الواقع، لا يمكن تحميل المنصات الإعلامية وحدها المسؤولية، فالأسرة والمدرسة مطالبتان بدور فاعل في توجيه الطفل، وتعليمه التفرقة بين الخيال والواقع، وبين ما يُشاهد وما يُحتذى، وليس من الصواب أن نكبح خيال الطفل أو نمنعه من مشاهدة الرسوم المتحركة، بل الأصح أن نرشده ونتحاور معه، حتى لا يصبح ضحية لرسائل مسمومة تُبث عبر ألوان زاهية وحوارات مرحة.

ما الحل؟

لا بد من تحرك عملي وممنهج، يبدأ بتشجيع الاستثمار في إنتاج محتوى كرتوني عربي متطور تقنيًا، وجذاب بصريًا، وراسخ ثقافيًا، يعكس قيمنا وتاريخنا ولغتنا.

كما يمكن:

-إطلاق منصات رقمية عربية للأطفال، تقدم محتوى تربويًا وترفيهيًا في آنٍ واحد.

-إنشاء تحالفات إنتاجية عربية لتقديم أعمال مشتركة تعرض في مختلف البلدان.

-إدماج مفاهيم المواطنة، والتسامح، والإبداع، والانتماء في سياق درامي جذاب.

-دعم الكليات والمعاهد المتخصصة لتخريج كوادر مبدعة في هذا المجال.

الخلاصة تقول:

الطفل الذي يشاهد الكرتون اليوم هو المواطن الذي سيبني الغد، وحماية وعيه ليست ترفًا ثقافيًا، بل ضرورة تمس الأمن القومي والمجتمعي ، فالمعركة لم تعد على الشاشات فحسب، بل أصبحت معركةً على العقول، وعلى صورة الذات، وعلى ترسيخ القيم التي ستوجّه جيلًا كاملًا.

من هنا، يصبح من الضروري أن نعيد التفكير في خريطة الإعلام الموجه للطفل العربي، وأن نُدرك أن الرسوم المتحركة ليست مجرد قصص ورسومات، بل هي سلاح ناعم في معركة الوعي.

فهل نملك الشجاعة لنخوضها كما ينبغي؟

وهل نملك الإرادة لنمنح أطفالنا محتوى يليق بعقولهم وقلوبهم؟

نحن لمنتظرون.

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

مصطفى محمد يفضل عرض بيراميدز على الأهلى بسبب جماهير الزمالك

محافظ القاهرة: 4 عمال تسللوا لسرقة عقار آيل للسقوط بمصر القديمة فإنهار عليهم

الحماية المدنية تفحص موقع انهيار منزل مصر القديمة.. صور

إصابة 3 أشخاص إثر انهيار عقار فى شبرا

اتحاد الكرة يحسم الجدل: قيد المغربي معالي تحت السن في الزمالك


الأسعار الجديدة لمنتجات الشرقية إيسترن كومبانى.. كليوباترا كينج سايز بـ 44 جنيها

وفاة مؤثر بريطانى تثير الجدل.. اعتمد نظاما غذائياً من البروتين والألبان فقط

وصول بعثة الأهلى لتونس لخوض معسكر إعداد الموسم الجديد

بمساعدة "جروك".. إيلون ماسك يهاجم "تستر" ترامب على فضائح ابستين فى 35 منشورا

غيابات الأهلى فى معسكر تونس.. وسام وإمام ومروان الأبرز


إسرائيل تعلن دعم الدروز فى سوريا بـ 2 مليون شيكل

تعرف على الطرق البديلة للأوتوستراد بعد غلقه لإصلاح هبوط أرضى

أوروبا تفرض الحزمة الـ18 من العقوبات على روسيا بسبب الحرب ضد أوكرانيا

أمير كرارة عن فيلم "الشاطر": تجربة مختلفة ومصطفى غريب قنبلة كوميديا

"أبو حلاوة يا تين".. فرحة انطلاق الحصاد بمزارع التين البرشومى فى القليوبية.. الجمع يبدأ من 5 صباحًا وحتى التاسعة.. الموسم يستمر 4 أشهر وكل ورقة فى الشجرة بها ثمرة.. وإنتاجية الفدان تصل 15 طنًا.. فيديو

العالم هذا الصباح.. سوريا أمام مجلس الأمن: إسرائيل تشنّ حربا مفتوحة ضدنا.. الكرملين: روسيا وأوكرانيا سيعقدان جولة ثالثة من المفاوضات.. البيت الأبيض: نتنياهو أكد لترامب أن استهداف الكنيسة فى قطاع غزة كان خطأ

الطقس اليوم الجمعة 18-7-2025.. ارتفاع بدرجات الحرارة والرطوبة

وزارة النقل تنشئ خطوط سكك حديدية جديدة لأول مرة منذ 30 سنة.. إنشاء خط "كفر داود – السادات" وخط "الفردان - بئر العبد" وتجديد 1511 كم.. والوزارة تكشف: جارٍ إنشاء 4 خطوط تخدم مناطق جديدة وتربط الموانئ

ريبييرو يتمسك ببقاء أحمد رضا مع الأهلي الموسم الجديد

رحلة حول العالم فى أغرب 8 فنادق.. سياحة بمذاق الجنون لعشاق الغرابة والتميز.. من حضن الأسود لنينجا الروبوتات تجارب الضيافة الأغرب حول العالم.. وعشاء مع الغوريلا ونوم فى قفص طيور الوجه الآخر لرحلات السفر العالمية

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى