سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 18 يوليو 1970 .. عبد الناصر يعلن أمام اللجنة التنفيذية العليا: «قبولنا مبادرة روجرز سيساعدنا على بناء المواقع الجديدة للصواريخ ولا أعترض على أن تهاجمها المقاومة الفلسطينية»

كانت الساعة السابعة والنصف من مساء 18 يوليو، مثل هذا اليوم، 1970 حين بدأ اجتماع اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكى برئاسة جمال عبدالناصر، وذلك بعد غيبته الطويلة فى موسكو والتى استمرت 18 يوما، حسبما يذكر عبدالمجيد فريد فى كتابه «من محاضر اجتماعات عبد الناصر العربية والدولية من 1967 إلى 1970».
كان عبدالمجيد فريد أمينا لرئاسة الجمهورية، وبهذه الصفة كان يحضر اجتماعات عبدالناصر ويقوم بتسجيلها، ويؤكد فى كتابه «أن جميع الأعضاء كانوا حريصين على الحضور قبل موعد اجتماع اللجنة التنفيذية العليا بوقت طويل لتبادل الآراء فى ما بينهم قبل الجلوس مع عبدالناصر فى هذا اللقاء المهم، ويكشف «فريد» أن عبدالناصر حضر بشوشا مرتاح النفس، وبعدما تبادل التحية معهم بدأ حديثه بالموضوع الأكثر حساسية والمتلهفين لسماعه قلقا وشوقا وهو موقف السوفيت من احتياجاتنا، وخاصة من التسليح والمعدات العسكرية، ومبادرة روجرز المطروحة من وليام روجرز وزير الخارجية الأمريكية.
ويذكر الكاتب الصحفى محمود عوض فى كتابه «اليوم السابع - الحرب المستحيلة - حرب الاستنزاف»، ان السادات لم يحضر هذا الاجتماع، قائلا، إنه بينما كان عبدالناصر فى موسكو ويخطر السوفيت بقبوله مبادرة روجرز، بادر نائبه أنور السادات فى القاهرة بإصدار بيان باسم اللجنة السياسية للاتحاد الاشتراكى يقرر فيه «مصر ترفض المبادرة»، ويقول عوض: «كان هناك كثيرون فى مصر وخارجها، بل وفى داخل الإدارة الأمريكية ذاتها يتوقعون من عبدالناصر بالفعل هذا الموقف لأنه فقد ثقته بالسياسة الأمريكية منذ وقت طويل، وربما توسم أنور السادات أنه لو سبق الجميع فى مصر إلى استلهام ما قد يفعله عبدالناصر، فإن هذا ربما يقربه أكثر وأكثر من رئيسه، لكن المشكلة هنا هى أن عبدالناصر وجه لوما شديدا إلى السادات بمجرد أن رآه ضمن مستقبليه فى مطار القاهرة بعد عودته من موسكو لهذا السبب ولأسباب أخري، وحينما سينعقد مؤتمر وشيك طارئ للاتحاد الاشتراكى لكى يشرح عبدالناصر رد مصر على المبادرة، سيلاحظ الجميع اختفاء أنور السادات تماما، فقد أشاع السادات وقتها أنه يلازم الفراش بسبب المرض».
كشف عبدالناصر عن أسباب قبوله لمبادرة روجرز، قائلا لأعضاء اللجنة التنفيذية للاتحاد الاشتراكى، إنه تحدث مع القادة السوفيت بكل صراحة عن أسباب قبوله للمبادرة، قائلا لهم: «نتعرض فى الوقت الحاضر وأنتم معنا «الاتحاد السوفيتى» لضغط دولى كبير مبنى على أننا ناس عايزين الحرب فقط واليهود عايزين الحل السلمى، ولذلك عندما نوافق فكأننا نرد على كل هذه الحملة المخططة، بالإضافة إلى أن نص إيقاف القتال لمدة ثلاثة شهور يعنى إلغاء قرار إيقاف القتال بتاع 1967 الذى ينص على إيقاف النيران إلى ما لا نهاية، وبالتالى بعد ثلاثة شهور يصبح استئناف القتال عملية مشروعة».
ويكشف عبدالناصر السبب الأهم لقبوله مبادرة روجرز، قائلا لأعضاء اللجنة التنفيذية العليا: «فترة إيقاف اطلاق النار ستساعد على بناء المواقع الجديدة للصواريخ التى نحاول من ديسمبر الماضى 1969 أن نبنيها تحت وطأة الغارات الجوية المستمرة دون جدوى، ما جعل صواريخنا فى المنطقة الأمامية موجودة حاليا فى العراء وليست داخل دشم أسمنت تحميها من الغارات الجوية».
وفى سؤال للدكتور لبيب شقير: «ماذا سيكون الموقف بالنسبة للفلسطينيين؟»، أجاب عبدالناصر: «قبولنا لهذا المشروع لا يعنى إطلاقا أية تنازلات عن الأرض المحتلة أو أى مساس بحقوق شعب فلسطين بحيث لا يمكن هناك أى تراجع عن موقفنا ومبادئنا السابقة، وكل ما هنالك أنه طالما توجد محاولة للسلام نحن مسالمون، وأنا لا أعترض على المقاومة الفلسطينية أن تهاجم المبادرة لأنه من حقها، وإنما أعتقد أنه يوم أن تتولى المقاومة السلطة فعلا فى الأردن أو غيرها سيكون لها موقف آخر لأنها النهاردة بتتكلم بدون مسؤولية وبدون حساب لأى عوامل أخرى، كما أعلم أن الأمريكان وربما أيضا الروس يعتقدون أنه من الأفضل أن يتحمل الفلسطينيون المسؤولية حتى يجابهوا الأمر الواقع ويتصرفوا على أساسه، وشرح عبدالناصر تقديراته عن حركة الملك حسين المتوقعة بشأن المبادرة، قائلا: «لن يوافق الملك حسين علنا على المبادرة، ولكن سيبعث بموافقته إلى الأمريكان، وفى اليوم التالى تنشر وكالات الأنباء العالمية نقلا عن مصادر أمريكية موافقة الملك على المبادرة».
وعن ردود الفعل العربية المتوقعة، قال فى رأيى أنه لا يجب أن لا ندفع الأمور بأى شكل باتجاه التأزم العربى، لأن التأزم العربى يضعفنا نحن بالذات، ومن مصلحتنا أمام العالم ألا ندخل فى معركة مع أحد من العرب، لأنهم فى هذه الحالة يتركون إسرائيل، ويوجهون كل نشاطهم السياسى والإعلامى نحو قضة الاختلاف العربى وما يمكن أن يستفيدوا منه لصالحهم.

Trending Plus