كاميرا المواطن.. عندما تحولت صفحة الداخلية على فيسبوك إلى سلاح ردع ضد الجريمة.. الصفحة تكتب نهاية الفوضى بكاميرات المواطنين من شهاب أرض الجمعية إلى بلطجية السيارات.. بلاغك على فيسبوك يساوى بلاغا رسميا

في ظل التغيرات المتسارعة التي تشهدها وسائل التواصل الاجتماعي، تحولت الصفحة الرسمية لوزارة الداخلية على موقع "فيس بوك" إلى منصة تفاعلية فريدة من نوعها، أصبحت تشكل ملاذًا للمواطنين للإبلاغ عن الجرائم ومظاهر الخروج عن القانون، بل وأداة رقابية مجتمعية يعول عليها في تعزيز الأمن وتحقيق الردع العام.
فبفضل التفاعل السريع والدقيق من قبل فرق الرصد والمتابعة داخل الوزارة، بات المواطن لا يكتفي بالمشاهدة الصامتة للخروج عن القانون، بل يمسك بهاتفه ويوثق ويرسل، ليبدأ دور الأجهزة الأمنية التي لا تتوانى عن الفحص الفوري واتخاذ الإجراءات الحاسمة.
من أبرز الوقائع التي كشفت حجم هذا التحول، مقطع الفيديو الذي تداولته صفحات التواصل الاجتماعي، والذي ظهر فيه شاب يقود "توك توك" ، ممسكًا بأداة حادة "مفك"، ويمارس بلطجة صريحة واستعراضًا للقوة وسط الشارع، في مشهد أثار غضبًا واسعًا.
خلال ساعات من تداول الفيديو، تفاعلت الصفحة الرسمية لوزارة الداخلية، وأعلنت فحص الواقعة والقبض على المتهم الذي بات يُعرف إعلاميًا بـ"شهاب أرض الجمعية"، في استجابة سريعة لاقت إشادة واسعة من المتابعين، وكرست ثقة الجمهور في أن صوتهم بات مسموعًا، وصورهم أصبحت أدلة رسمية يُعتد بها.
ولم تكن هذه الواقعة الوحيدة التي سجلت تفاعلًا ملحوظًا، بل ظهرت عدة مقاطع مصورة توثق مخالفات واستعراضات بسيارات، وتعديات على المارة، بل ومشاهد تحرش أو سرقة موثقة من قبل مواطنين عاديين، قرروا أن يكونوا جزءًا من منظومة حماية المجتمع.
ومع كل بلاغ مصور، تأتي استجابة الوزارة بردود فعل ميدانية تنتهي غالبًا بضبط الجناة وعرضهم على النيابة العامة، وهو ما ساهم في ترسيخ صورة ذهنية إيجابية عن دور الصفحة الرسمية كهمزة وصل حقيقية بين الوزارة والجمهور.
هذه الديناميكية الجديدة في العلاقة بين المواطن والأمن حازت إعجابًا واسعًا عبر منصات "السوشيال ميديا"، حيث غرد الآلاف شاكرين ومشيدين بتفاعل صفحة الداخلية، التي تجاوز عدد متابعيها حاجز العشرة ملايين مستخدم، في دلالة على الثقة والاعتماد المتزايد عليها.
وكتب أحد المستخدمين: "صفحة الداخلية بقت زي بلاغ رسمي.. صور وابعت وخلاص"، بينما علّق آخر: "اللي بيغلط في الشارع لازم يعرف إن الناس حواليه كلها بتصوره، وكله هيوصل للداخلية".
من جهتهم، أكد خبراء أمنيون أهمية هذا النوع من الأمن التفاعلي، واعتبروه ركيزة أساسية في تحقيق الردع، عبر توظيف التكنولوجيا ورفع وعي المواطن بدوره في حماية مجتمعه.
وفي هذا السياق، صرّح اللواء أحمد كساب، الخبير الأمني، في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن "الجميع الآن يصور، والمواطنون يطلقون مبادرات شعبية مثل: صور وابعَت للداخلية، وهناك تفاعل كبير من قبل الوزارة، التي تستخدم تقنيات متطورة في الرصد والتحليل والضبط".
وأضاف أن هذا النموذج من التفاعل "يحقق الردع العام، ويجعل الجميع يفكر ألف مرة قبل ارتكاب أي خطأ في العلن، خوفًا من أن يكون أحدهم يصوره، وأن الفيديو قد ينتشر ويؤدي إلى القبض عليه فورًا، وهذا نجاح كبير يُحسب للأجهزة الأمنية".
يعكس هذا المشهد كيف تطورت فلسفة العمل الأمني في مصر، من الاكتفاء بالتحقيق في الوقائع بعد وقوعها، إلى منهج استباقي تفاعلي يعتمد على المجتمع كمصدر أول للمعلومة، والوسائل الحديثة كأداة لنقلها، ورد الفعل الأمني السريع كوسيلة لفرض القانون.
لم تعد الجرائم تمر مرور الكرام، ولم يعد المعتدي يظن أن سلوكه سيمر دون محاسبة، فقد تحولت كاميرات الهواتف إلى أعين يقظة لا تنام، تنقل الحقيقة فورًا إلى الجهات المختصة، التي بدورها تبادر بلا تأخير في التعامل مع كل واقعة، كبرت أو صغرت.
وما يميز هذا النموذج الأمني الحديث، أنه لا يفرض رقابة بوليسية، بل يشجع الرقابة المجتمعية، التي تنطلق من حس المواطن بالمسؤولية، وإيمانه أن أمن الشارع يبدأ من مشاركة كل فرد في حماية مجتمعه.
ومما ساعد على انتشار هذه الثقافة، شفافية صفحة الداخلية، التي لم تكتف بنشر بيانات رسمية جافة، بل تفاعلت بأسلوب يفهمه المواطن، ويناسب طبيعة منصات التواصل، ما جعلها إحدى أكثر الصفحات الحكومية نشاطًا ومتابعة في مصر والمنطقة.
في ظل هذا التفاعل غير المسبوق، يبدو أن الداخلية تسير بخطى واثقة نحو نموذج أمني متكامل، يدمج بين المواطن والتكنولوجيا ورجال الأمن، لتحقيق بيئة آمنة وعصرية، يكون فيها المواطن هو أول رادار، والكاميرا هي السلاح الأقوى، والردع ليس فقط بالعقوبة، بل بالخوف من أن تُفضح الجريمة في العلن قبل أن تُرتكب.

Trending Plus