لبيان أهمية التلاحم والتحذير من الفرقة.. خطبة الجمعة بعنوان "الاتحاد قوة"

خطبة الجمعة
خطبة الجمعة
كتب لؤى على

حددت وزارة الاوقاف موضوع خطبة الجمعة اليوم بعنوان " الاتحاد قوة"، المراد توصيله إلى جمهور المسجد بيان أهمية التلاحم والوحدة، والتحذير من الفرقة، وبيان أن القوة تكمن في التماسك والترابط كما أراد الله سبحانه وتعالى.

وجاء نص الخطبة كالآتى:

الحمدُ للهِ الذي ألَّفَ بينَ قلوبِ المؤمنين فأصبحوا بنعمتِه إخوانًا، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، حذَّرّ من التفريقِ والعدوانِ، ووعدَ المعتصمين بحبلِهِ فضلًا منه ورضوانًا، وأشهدُ أن سيدَنا ونبيَنَا محمدًا عبدُه ورسولُه، الذي بنى أمةً كانت بالاتحادِ خيرَ الأممِ بنيانًا، وبالتآخي أصفاها وِجدانًا، صلى  اللهُ عليه وعلى آله وصحبِه وسلم تسليمًا كثيرًا ما تعاقبِ الزمانُ والمكانُ، أما بعد:

فإن للكونِ سُننًا لا تتبدلُ، وقوانينَ لا تتغيرُ، ومن  أثبتِ هذه السننِ وأوضحِها بيانًا، وأصدقِها بُرهانًا، أن الاجتماعَ قوةٌ والافتراقَ هوانٌ، وأن الوحدةَ صرحٌ يعلو به البنيانُ، والفُرقةَ صدعٌ يوهِي الأركانَ، فما اجتمعت قطراتُ المطرِ إلا شكلتْ سيلًا جارفًا، ولا تلاقتْ ذراتُ الرملِ إلا وصنعتْ جبلًا راسخًا، ولا تضامتْ أيدي المؤمنين إلا بَنتْ مجدًا  شامخًا، بل إن الجنابَ المعظمَ صلى الله عليه وسلم  يرتقي بالصورةِ إلى مستوى الجسدِ الواحدِ الذي ينبضُ بحياةٍ واحدةٍ، فيقولُ صلواتُ ربي وسلامُه عليه: «مثلُ الْمُؤْمنين في توادِّهمْ وترَاحُمِهمْ وتَعَاطُفِهم مَثلُ الجَسدِ، إذَا اشْتَكَى منْهُ عُضْوٌ ‌تدَاعَى ‌لَهُ ‌سَائرُ الجَسَدِ بالسّهَرِ والحُمّى».

أيها الكرامُ، أيُّ مشاعرٍ تلك التي تجعلُ من ألمِ فردٍ في أقصى الأرضِ، حُمًى وسَهرًا لأخيه في أدناها، إنها الأخوةُ الحقةُ التي لا تعرفُ نزاعاتٍ عرقيةً، ولا فروقًا مذهبيةً، ولا جماعاتِ تكفيريةً، ولا قبائلَ متناحرةً، ولا أحقادَ متوارثةً، ولا أهواءَ متصارعةً، جمعَهم تشبيكُ الأصابعِ النبويةِ، واللسان النبويُّ يسردُ هذا المعنى الأدبيَ الرفيعَ في صورةٍ حسيةٍ بليغةٍ، فيقولُ: «المؤمنُ للمؤمنِ كالبنيانِ يشد بعضُه بعضًا».

أيها النبلاءُ هلْ يقومُ بنيانٌ على أعمدةٍ متنافرةٍ؟ وهل تصمدُ جدرانٌ من لبناتٍ متباعدةٍ؟ إنما القوةُ في التماسكِ، والمتانةُ في التلاحمِ، كلُّ فردٍ في الأمةِ لبنةٌ، لا غنى عنها، ولا يكتملُ الصرحُ إلا بها، فلم يكنْ هذا الاتحادُ خيارًا يتركُ، أو فضيلةٌ يستحبُّ فعلُها، بل كان أمرًا إلهيًا صارمًا، وواجبًا شرعيًا لازمًا، وحاديك هذا البيانُ الإلهيُّ: {وَٱعۡتَصِمُواْ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِيعٗا وَلَا تَفَرَّقُواْۚ وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ كُنتُمۡ أَعۡدَآءٗ فَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم بِنِعۡمَتِهِۦٓ إِخۡوَٰنٗا} [آل عمران: ١٠٣]، فهذا هو مناطُ قوةِ  الأمةِ، وسرُ المنعةِ، فمن كانَ يتخيلُ  أن تتحولَ العداوةُ إلى إخاءٍ، والتناحرُ إلى تراحمٍ، إنَّ السرَّ في تلك الجملةِ {فَأَصۡبَحۡتُم بِنِعۡمَتِهِۦٓ إِخۡوَٰنٗا}.

أيها الكرامُ، كونوا جميعًا كما أرادَ لكم ربُّكم، بنيانًا مرصوصًا، وجسدًا واحدًا، ليعطفْ غنيُّكم على فقيرِكم، وليرحمْ قويُّكم ضعيفُكم، وليتجاوزْ محسنُكم عن مسيئِكم، فاحذروا من أسبابِ الفُرقةِ مثلَ: التعصبِ للرأيِ، والانتصارِ للنفسِ، واتِّباعِ الهوى، والغرقِ في الجزئياتِ على حسابِ الكلياتِ؛ ففي الاتحادِ قوةٌ الحياةِ، وفي التفرقِ الضعفُ المميتُ، فتلامسوا حالَ مدينةِ سيدِنا رسولِ اللهِ -صلى اللهُ عليه وآله وسلم- الفاضلةِ كيفَ كانت مجمعَ الفرقاءِ، ومأوى الأحبابِ، وتذكروا هذا النهيَ الإلهيَ {وَلَا تَنَٰزَعُواْ فَتَفۡشَلُواْ وَتَذۡهَبَ رِيحُكُمۡۖ وَٱصۡبِرُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ}، وتأملوا في هذا الربطِ الدقيقِ: "تنازعوا"، فتكونَ النتيجةُ الحتميةُ "تفشلوا"، والأدهى من ذلك "وتذهبَ ريحُكم"، تذهبَ قوتُكم وهيبتُكم ومنعتُكم، فتصبحوا غثاءً كغثاءِ السيلِ، فهذا هو موطنُ الداءِ: الفرقةُ، وما أحكمَ قولَ الشاعرِ الحكيمِ الذي لخصَ هذه السُنةَ الكونيةَ في أبياتٍ خالدةٍ، فقال:             

تأبى الرماحُ إذا اجتمعن تكسرًا * وإذا افترقنَ تكسرتْ آحادٌا

*****

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على خاتمِ الأنبياءِ والمرسلين، سيدُنا محمدٌ (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آلِهِ وصحبِه أجمعين، وبعد:

فإنَّ العنفَ الأسريّ، تلك الآفةَ المدمرةَ، التي تتسللُ خلسةً إلى البيوتِ، لتزرعُ بذورَ الشقاقِ، وتغرسُ أشواكَ البغضاءِ، وتحولُ السكنَ إلى جحيمٍ، والمودةَ إلى عداءٍ، والرحمةَ إلى قسوةٍ، وتمزقُ النسيجَ الاجتماعيَ، وتهدمُ الثقةَ، وتورثُ الخوفَ والقلقَ، وتنشئُ أجيالًا مشوهةً نفسيًّا، قد تحملُ بذورَ العنفِ لتزرعَها في أجيالٍ قادمةٍ، وقد غابَ عنها هذا المنهجُ الربانيُّ المتشبعُ بالحبِّ والمودةِ، قال تعالى: {وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنۡ خَلَقَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا لِّتَسۡكُنُوٓاْ إِلَيۡهَا وَجَعَلَ بَيۡنَكُم مَّوَدَّةٗ وَرَحۡمَةًۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: ٢١].

عبادَ اللهِ، إنَّ العنفَ الأسريَّ يتجلىَ في صورٍ متعددةٍ، لا تقتصرُ على الضربِ والإيذاءِ الجسديِّ فحسبُ، بل يمتدُ ليشملَ الإيذاءَ اللفظيَّ بالسبِّ والشتمِ والتهديدِ، والإيذاءِ النفسيِّ بالإهمالِ والتهميشِ والتحقيرِ، والإيذاءَ الاقتصاديَّ بالحرمانِ والتضييقِ،  كلُّ هذه الصورِ وجوهٌ أُخرُ للعنفِ، لا تقلُّ خطورةً عن العنفِ الجسديِّ، بل قد تكونُ أشدُّ فتكًا بالنفسِ، وأعمقُ جرحًا للروحِ؛ فدينُنا الحنيفُ دينُ الرحمةِ والعدلِ والإحسانِ، قد حَذَّرَ أشدَ التحذيرَ من العنفِ بشتى صورِه، فكيفَ بالعنفِ داخلَ الأسرةِ الواحدةِ ؟ لقد قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «خيرُكم خيرُكم لأهلِه، وأنا خيرُكم لأهلِي»​، فنعمتْ تلك الخيريةُ.

اللهم ألفْ بينَ قلوبِنا، وأصلحْ ذاتَ بيننا، واجعلْ بيوتَنَا واحاتِ أمنٍ وسلامٍ ومحبةٍ آمين.

 

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

اليوم.. انطلاق مباريات الجولة الثانية من مسابقة الدوري المصري

زوج يلاحق زوجته بالنشوز بعد شهور من زواجه:" زوجتى شهرت بى وضربتنى"

تواكب التطور التكنولوجى.. وزارة الصحة تفعل مبادرة "التشخيص عن بعد" بـ10 مستشفيات فى محافظة الشرقية.. وكيل مديرية الصحة: إجراء جلسات فحص طبى إلكترونى باستخدام المنصة الرقمية وبمشاركة نخبة من الاستشاريين.. صور

أهم الأخبار العربية والعالمية حتى منتصف الليل.. رئيس أركان الجيش الإسرائيلى: دفعنا أثمانا باهظة منذ بداية الحرب.. وستارمر: يجب توفير الضمانات الأمنية لأى اتفاق بين روسيا وأوكرانيا.. وماكرون يشترط ضمانات

القبض على مدير استوديو غير مرخص فى الطالبية


وزير الخارجية: توالي اعترافات دول أوروبا بفلسطين حرك المياه الراكدة وعزل إسرائيل

محافظة الشرقية تنهي استعداداتها لمواجهة السحابة السوداء.. إطلاق خطة شاملة لموسم حصاد الأرز 2025.. تجهيز 200 موقعا و 227 معدة زراعية مدعومة لتشجيع الفرم والكبس لتحقيق أقصي استفادة من القش

بدرية طلبة بعد تحويلها للتحقيق: أنا غلطانة وبعتذر للجمهور

صحتك بالدنيا.. طرق علاج الالتهاب الرئوى والوقاية منه.. 10حيل ذكية لتبريد منزلك وجسمك في حرارة الصيف.. كل شىء عن علاج الاكتئاب بالضحك.. 5 خضراوات تحارب الخلايا السرطانية.. وعلامات خلل الهرمونات عند الرجال

أوضاع متدهورة في إقليم كردفان.. وفاة 17 طفلا بسوء التغذية فى مدينة الدلنج.. ميليشيا الدعم السريع تهجر أهالي 66 قرية قسريا.. انهيار البنية التحتية والخدمات الأساسية.. وتسجيل أكثر من 7 آلاف إصابة بوباء الكوليرا


تشاجر ابنة ربيع ياسين وخالتها لخلافات أسرية في الشيخ زايد

جاهزية أحمد رضا وياسين مرعي للمشاركة مع الأهلي أمام فاركو

انتخابات الشيوخ 2025.. رسائل سياسية وحزبية تؤكد وحدة الصف ودعم القيادة السياسية.. "مستقبل وطن": نعمل جميعًا من أجل مصر.. حماة الوطن: إلغاء مظاهر الاحتفال تضامنًا مع غزة.. و"الجبهة الوطنية": ثقة الناخبين مسئولية

جهاز الإحصاء: قفزة جديدة بمساحات الأراضى المستصلحة في مصر.. 610 ألف فدان تم استصلاحها.. زيادة 194 ألف فدان في عام واحد.. وأراضي مشروع المليون ونصف فدان للريف المصرى في الصدارة بـ381.8 ألف فدان

تعرف على طرق الوقاية من حوادث التريلات أعلى المحاور

لا أحد يفخر بأن يكون صديقا لسفاح.. واشنطن تتبرأ من عار تل أبيب.. معارضة الحزبين الديمقراطى والجمهورى للاحتلال تتزايد.. استطلاع: 56% من الأمريكيين يرون إسرائيل مصدر تهديد.. والأجيال الجديدة ترفض السرديات الدينية

مصطفى شعبان وشريف منير بطلا مسلسل عن الإرهابى محمود عزت فى رمضان 2026

الصحف العالمية اليوم.. تفاصيل جديدة حول قمة ترامب-بوتين في ألاسكا.. واشنطن تقترب من تصنيف الاخوان منظمة إرهابية.. تحذير في استراليا من الذكاء الاصطناعي.. والأمراض المقاومة للمضادات الحيوية تهدد اهالي غزة

اعتدال الميزان.. أوروبا تتحرر من ابتزاز الهولوكوست.. ضمير القارة العجوز يستفيق ببطء ويدفعها للقفز على حواجز الشجب وعتبات إدانة إسرائيل.. وموجة واسعة من نوايا الاعتراف بالدولة الفلسطينية

تقارير: مانشستر سيتي يتفق مع دوناروما بطل أوروبا

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى