هل تكرر الأمم المتحدة خطاياها فى ليبيا؟.. البعثة الأممية تناقش تشكيل مجلس تأسيسى وحل الكيانات السياسية.. والبرلمان يضم أبرز المكونات الاجتماعية والقبلية.. وإدارة البعثة للأزمة تفشل جهود الحل

تجري بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا مشاورات مع بعض المكونات الاجتماعية في البلاد لاطلاعهم على مخرجات اللجنة الاستشارية الليبية التي وضعت أربعة مقترحات للخروج من الأزمة والدفع نحو إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية فى البلاد، وهو ما يتطلب موافقة أبناء الشعب الليبى على مقترح واحد لتفعيله شريطة توفير الضمانات الكافية لذلك.
لا يفوتك
تكمن مشكلة البعثات الأممية المتلاحقة فى ليبيا على أنها تعمل على إدارة الأزمة وليس حلها من خلال تبني أفكار ومقترحات يصعب تحقيقها أو يمكن أن تتسبب في فراغ سياسى أو تشريعى ينذر بحالة من الفوضى المؤسساتية في ليبيا مع تصاعد حدة التوتر والتنافس بين الميليشيات المسلحة على المصالح والنفوذ.
وقدمت اللجنة الاستشارية الليبية التي اختارتها البعثة الأممية أربعة مقترحات لحل الأزمة أولها إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في غضون عامين، تبدأ فور التوصل إلى تسوية سياسية بشأن الوضع القانوني للمفوضية الوطنية العليا للانتخابات واستقلالها المالي، وإدخال التعديلات اللازمة على الإطار الدستوري والقانوني للانتخابات، وتشكيل حكومة جديدة. وينبغى أن تتضمن التسوية السياسية اتفاقا حول اعتماد دستور دائم للبلاد.
أما المقترح الثانى، يدعو لانتخاب مجلس تشريعى من غرفتين في غضون عامين، ويُعهد بصياغة الدستور والمصادقة عليه إلى مجلس الشيوخ. وسينظم الدستور الجديد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية اللاحقة، وثالث المقترحات اعتماد دستور قبل الانتخابات ويتضمن هذا الخيار دراسة التحديات المرتبطة بمشروع دستور عام 2017 واستكشاف جدوى صياغة دستور جديد.
ورابع هذه المقترحات هو تفعيل آلية الحوار المنصوص عليها في المادة 64 من الاتفاق السياسي الليبي، واستبدال الأجسام السياسية الحالية بمجلس تأسيسي يتم اختياره من خلال عملية الحوار.
ويعد المقترح الرابع الذى تروج له بعض الأصوات الليبية المستفيدة من الفوضى أحد أخطر السيناريوهات والذي سيدفع بالدولة الليبية نحو فراغ مؤسساتي بحل الأجسام السياسية ولا سيما مجلس النواب الليبي الذي يعد الكيان التشريعي الوحيد المنتخب في البلاد ويمثل فسيفساء الدولة خلال الوقت الراهن، وذلك لأنه يضم أبرز المكونات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية في ليبيا خاصة قبائل الشرق والغرب والجنوب الليبي البارزة.
وتعد قبائل الشرق الليبي ممثلة في مجلس النواب ومنها العبيدات، البراعصة، الحاسة، الدرسة، العواقير، المغاربة، الفواخر، زوية، المجابرة، بالإضافة إلى قبائل الغرب ومنها مصراتة، ورفلة، ترهونة، مسلاتة، قماطة، تاجوراء، سوق الجمعة، ورشفانة، الزاوية، الزنتان، فيما يمثل الجنوب الليبي قبائل المقارحة، أولاد سليمان، الحساونة، ورفلة، التبو، الطوارق، الأشراف.
ويعد هذا التمثيل الكبير للقبائل الليبية من ركائز الأمن والاستقرار في البلاد لأن القبائل تعد المكون الوطني الأبرز الداعم لمؤسسات الدولة في البلاد، بالإضافة لدورهم البارز في بناء مؤسسة عسكرية ليبية وطنية من خلال استصدار تشريعات عبر قبة البرلمان تدعم قدرات الجيش الليبي للحفاظ على الأمن والاستقرار.
وعقدت الممثلة الخاصة للأمين العام في ليبيا هانا تيتيه لقاء تشاورياً خلال الأيام الماضية مع خمسة عشر ممثلاً من متخلف مناطق الغرب الليبي لمواصلة لمناقشة الوضع الأمني وتبادل وجهات النظر حول سبل المضي قدمًا في تطوير خارطة طريق سياسية.
وأكد مراقبون أن البعثة الأممية لم تقدم الضمانات الكافية لتفعيل المقترح الرابع من خطة اللجنة الاستشارية في ظل هيمنة الميليشيات المسلحة على مدن الغرب الليبي وعدم قدرة أي طرف بما فيهم البعثة الأممية على وضع حد لتجاوز هذه التشكيلات التي كانت سببا في تعطيل الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي اقترحت البعثة إجراءها في 24 ديسمبر 2022.
وأشار المراقبون إلى أن البعثة الأممية تعمل دوما على تبني مقترحات يصعب تنفيذها في ليبيا منذ اختيار فائز السراج رئيس للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني السابقة والذي أدخل البلاد في صراع عسكري واستعان بأطراف خارجية وانتهاء بتشكيل لجنة حوار سياسي أفرزت جسم تنفيذي عرقل إجراء الانتخابات ويرفض تسليم السلطة وفق الوعود التي قدمها للبعثة الأممية التي عجزت عن إلزامه بتنفيذ وعوده التي قطعها، ما دفع الشعب الليبي للمطالبة برئيس حكومة الوحدة الوطنية في البلاد عبد الحميد الدبيبة لعدم التزامها بخارطة الطريق التي وضعها ملتقي الحوار السياسي في جنيف وعجز الأطراف الدولية أمام رغبته الجامحة في الاستمرار بالحكم رغم أنه جسم غير منتخب.
وتعاني ليبيا من صراع تشكيلات مسلحة على النفوذ والاعتمادات المالية في إطار صراع مستمر منذ سنوات وعدم قدرة الدولة على بسط نفوذها خاصة في العاصمة طرابلس التي تعاني من فوضى أمنية ومؤسساتية مع إعلان "هدنة هشة" بين الميليشيات المسلحة ويمكن أن تنهار بأي وقت، والسؤال هنا في ظل هذه التحديات الصعبة والمعقدة كيف تروج البعثة للمقترح الرابع للجنة الاستشارية فدور البعثة ليس تيسير المشاورات فقط بل عليها مسؤولية في تهيئة الأجواء اللازمة للمرحلة الانتقالية والدفع نحو إجراء الانتخابات، ما يتطلب دراسة المقترحات المقدمة من اللجان التي تشكل عبر الأمم المتحدة أو أطراف دولية مستفيدة قبل مناقشتها وطرحها للجمهور بشكل متسرع.

Trending Plus