الدير الأبيض يضيء سوهاج.. أجواء روحية وتاريخية بعيد الأنبا شنودة.. ويُشعل شموع الروح فى الصحراء.. والزائرون يبحثون عن النور فى أروقته و15 قرنًا من الزمان تبوح بالأسرار.. واحتفالات مستمرة لنهاية الشهر.. صور

فى صحراء طيبة، وعلى بعد كيلومترات قليلة من العمران الحديث بمحافظة سوهاج، يقف الدير الأبيض شامخًا، شاهدًا على أكثر من 15 قرنًا من التاريخ والروحانيات، ومنبعًا مستمرًا للإيمان والثقافة القبطية هذا الصرح، الذى يحمل اسم دير القديس الأنبا شنودة رئيس المتوحدين، لا يُعد فقط من أقدم الأديرة فى مصر، بل يمثل أيضًا مزيجًا نادرًا بين العمارة القبطية والفن المصرى القديم.
ومع حلول شهر يوليو، بدأت الاحتفالات السنوية بعيد القديس، والتى تمتد حتى نهاية الشهر، حيث يتوافد الزوار من شتى أنحاء الجمهورية وخارجها إلى هذا المكان المقدس، لإحياء ذكرى أحد أعمدة الرهبنة فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية. وتتحول ساحات الدير فى هذه الأيام إلى ملتقى روحى فريد، يجمع بين الرهبان والزوّار والعائلات التى جاءت لتنال البركة وتستعيد عبق التاريخ.
الدير، الذى تأسس عام 441 ميلاديًا، بُني على أنقاض مبانٍ فرعونية، ولا تزال أعمدته الحجرية الضخمة، التى تعود إلى العصور القديمة، تزين ساحاته، وتذكّر الزائرين بعراقة المكان وعمق تاريخه، ويعود سبب تسميته بـ"الدير الأبيض" إلى لون جدرانه الكلسية التى لا تزال تقاوم الزمن رغم ما مر به من تآكل وتدمير، حتى لم يتبقَّ منه سوى الكنيسة الرئيسية التى ما زالت تقف قوية.
داخل هذا المكان العتيق، عاش القديس الأنبا شنودة، الذى عُرف بلقب "أب القبط"، أكثر من 56 عامًا، قاد خلالها أكثر من 4 آلاف راهب وراهبة، واضعًا قواعد صارمة للرهبنة والزهد والتقشف. لم يكن مجرد راهب أو رئيس دير، بل كان مفكرًا وقائدًا روحيًا، شارك فى مجمع أفسس المسكونى عام 431 ميلاديًا إلى جوار القديس كيرلس الكبير، وكان له دور مؤثر فى الدفاع عن العقيدة المسيحية آنذاك.
الزائر للدير اليوم يشعر وكأنه يعبر بوابة زمنية إلى الماضى تصميم الكنيسة المستطيل، والجدران التى يتجاوز طولها 70 مترًا، والمداخل المغلقة عدا البوابة الجنوبية الرئيسية، كلها تروى فصولًا من تاريخ طويل من العبادة والحياة الرهبانية، وفى الساحة الرئيسية، تتراص الأعمدة الفرعونية، تعلوها قباب ونقوش قبطية، فى مشهد يُجسد الانصهار النادر بين الحضارتين المصرية القديمة والمسيحية.
المخطوطات القديمة التى كانت محفوظة داخل الدير، والأيقونات القبطية الفريدة، تشهد على عمق الحياة الفكرية التى ازدهرت بين جدرانه، حيث كان يُعد مركزًا ثقافيًا لا يقل عن كونه دينيًا. ورغم تقلص عدد الرهبان بمرور الزمن، لم يفقد الدير مكانته كمزار روحى ومركز للحج المسيحى حتى اليوم.
وفى السنوات الأخيرة، شهد الدير جهودًا ملموسة فى أعمال التطوير والترميم. من تركيب أنظمة إضاءة حديثة، إلى تجديد الأعمدة والأرضيات وإضافة كشافات لتيسير الزيارة ليلًا، وهو ما ساهم فى زيادة أعداد الزوار، لا سيما خلال مواسم الأعياد والاحتفالات، التى تعكس تعلق أبناء الكنيسة بتاريخهم العريق.
الاحتفالات الحالية بعيد الأنبا شنودة تمثل فرصة للتواصل بين الأجيال، ولإحياء ذكرى أحد أبرز القديسين فى الكنيسة القبطية، وسط أجواء مفعمة بالإيمان والمحبة. فالزائر للدير الأبيض لا يبحث فقط عن صورة تذكارية أو مشهد سياحى، بل عن تجربة روحية تستحضر عظمة التاريخ، وتُعيد إلى الذاكرة ماضٍ لا يزال حيًا بين جدران الطين والحجر.
الدير الأبيض ليس مجرد موقع أثرى أو كنيسة قديمة، بل هو سجل مفتوح لتاريخ طويل من الإيمان، والمثابرة، والعلم، والقداسة. وما زال يشكل رمزًا حقيقيًا لاستمرار الروح المصرية الأصيلة، التى جمعت بين عبقرية البناء، وعمق العقيدة، وجمال التقاليد.

الإحتفالات داخل الدير

الجموع يحتفلون
.jpg)
الدير الأبيض
.png)
الدير الأبيض
.jpg)
الدير الأبيض
الدير الأبيض
الدير الأبيض
الدير الأبيض
الدير الأبيض

إمتلاء الساحة

من داخل الدير

Trending Plus