انسحاب الدعم الأمريكي لبناء السد العالي.. حدث مفصلي قاد إلى أزمة السويس 1956

في صيف عام 1956، دوَّنت السياسة الدولية واحدًا من أبرز التحولات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، حين أعلن وزير الخارجية الأمريكي جون فوستر دالاس رسميًا سحب عرض الولايات المتحدة بتقديم مساعدات مالية لمصر لبناء السد العالي، المشروع الذي كان يُعد حجر الزاوية في خطط التنمية المصرية بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر.
كانت الولايات المتحدة قد أعلنت، في ديسمبر 1955، نيتها تقديم ما يقرب من 70 مليون دولار بالاشتراك مع بريطانيا العظمى لتمويل المشروع، وعلى الرغم من تحفظ دالاس، فقد وافق حينها على العرض تحت ضغط من داخل إدارة الرئيس دوايت أيزنهاور، التي رأت أن المساعدات قد تُبعد مصر عن نفوذ الاتحاد السوفيتي، وتُبطئ من تمدده في المنطقة العربية، وفقا لما ذكره موقع هيستورى.
لكن بعد سبعة أشهر فقط، في يوليو 1956، تراجع دالاس عن الموقف الأمريكي، معلنًا إلغاء العرض المالي، بحجة صعوبات في الاتفاق المالي مع الجانب المصري، غير أن الأسباب الحقيقية، كما كشفت وثائق لاحقة، تعود إلى تصاعد لهجة عبد الناصر المناهضة للاستعمار الغربي، وتقاربه المتزايد مع الكتلة الشرقية، ما أثار استياء واشنطن ولندن على حد سواء.
ظن صانعو القرار الأمريكي حينها أن الانسحاب المالي سيُجهض المشروع ويُضعف موقف عبد الناصر، لكن حساباتهم كانت خاطئة، إذ سارع الاتحاد السوفيتي إلى ملء الفراغ، عارضًا تمويل المشروع وتقديم الخبرات الفنية، ليصبح السد العالي لاحقًا رمزًا للتعاون المصري السوفيتي، وقد تم افتتاحه رسميًا عام 1964.
هذا التحول الدرامي أسهم في إشعال واحدة من أخطر الأزمات في القرن العشرين، وهي أزمة السويس، حيث أقدمت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل في أكتوبر 1956 على شن عدوان ثلاثي على مصر، بحجة حماية قناة السويس بعد تأميمها من قبل ناصر.
وكانت هذه اللحظة ذروة التوتر الدولي، إذ هدد الصدام أن يتطور إلى مواجهة مباشرة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، لكن الرئيس أيزنهاور لعب دورًا حاسمًا في احتواء الأزمة، حيث رفض دعم حلفائه الأوروبيين، وأصدر تحذيرات قوية ضد أي تحرك عسكري سوفيتي، وفي أوائل 1957، انسحبت القوات الغازية من الأراضي المصرية تحت ضغط أمريكي ودولي.
رغم انتهاء العدوان، فإن هذه الأزمة شكلت نقطة تحول في العلاقات الأمريكية-العربية، وأعادت رسم خريطة النفوذ في الشرق الأوسط، الذي تحول إلى ساحة توتر دائم في الحرب الباردة بين القوتين العظميين، واستمر كذلك لقرابة ثلاثة عقود ونصف.

Trending Plus