تزامنا مع موسم إعلان نتيجة الثانوية العامة 2025.. "الداخلية" تغلق أوكار النصب التعليمى.. تجار الأحلام يوعدون الطلاب بـ"الوظيفة المضمونة".. والجهود تسفر عن ضبط 150 كيانًا وهميًا تحترف النصب بشهادات مزيفة

تتكرر في مثل هذا التوقيت من كل عام ظاهرة الكيانات التعليمية الوهمية، التي تستغل موسم إعلان نتيجة الثانوية العامة وما يصاحبه من حالة قلق وترقب بين الطلاب وأسرهم، لتبدأ في الترويج لنفسها عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية المجهولة، بادعاءات كاذبة حول تقديمها لشهادات علمية ودبلومات ودورات تؤهل الطلاب لسوق العمل محليًا ودوليًا، وتمنحهم فرصًا ذهبية للالتحاق بشركات كبرى، بينما في الحقيقة لا تملك هذه الكيانات أي صفة قانونية، ولا تحظى بأي اعتراف أكاديمي من الجهات المختصة، ليقع الشباب ضحية جديدة في شباك النصب والاحتيال، ويخسروا أموالهم وأحلامهم ومستقبلهم.

في مواجهة هذه الوقائع الخطيرة، تشن وزارة الداخلية حملات أمنية مكثفة تستهدف هذه الكيانات، ضمن جهودها المستمرة في مكافحة جرائم التعدي على حقوق الملكية الفكرية والنصب والاحتيال، حيث نجحت مؤخرًا في ضبط إحدى السيدات لقيامها بإدارة كيان تعليمي وهمي بدون ترخيص، داخل نطاق قسم شرطة مدينة نصر أول بالقاهرة، حيث كانت تدّعي قدرتها على منح شهادات في مجالات مختلفة، توهم بها الطلاب بقدرتهم على العمل داخل مصر وخارجها، مقابل مبالغ مالية ضخمة.
وبالفعل، وبناء على تحريات دقيقة ومعلومات موثقة جمعتها الإدارة العامة لمباحث المصنفات وحماية حقوق الملكية الفكرية، تم تقنين الإجراءات واستهداف مقر الكيان الوهمي وضبط المسؤولة عنه، التي كانت بحوزتها مجموعة من الشهادات المزيفة، وكارنيهات وأختام مزورة، وبمواجهتها أقرت بارتكاب الواقعة بالاشتراك مع آخرين، بهدف تحقيق أرباح غير مشروعة، فتم اتخاذ الإجراءات القانونية بحقها.

ولم تتوقف الداخلية عند هذا الحد، بل تمكنت أيضًا من ضبط شخص آخر كان يدير كيانًا تعليميًا مشابهًا بدون ترخيص، في نطاق محافظة القاهرة، حيث استغل هو الآخر حالة الارتباك التي يعيشها الطلاب في هذه المرحلة الحساسة، وزعم من خلال حملات دعائية ومطبوعات ملونة، أن مؤسسته تمنح شهادات ودبلومات تعليمية في مجالات متعددة، تؤهل الحاصلين عليها للالتحاق بوظائف في شركات مرموقة، وهو ما ثبت كذبه لاحقًا.

وعقب تقنين الإجراءات، تم مداهمة المقر وضبط المتهم وبحوزته شهادات خالية البيانات منسوبة للكيان، وعدد من المطبوعات والإعلانات الترويجية، وتبين أنه مارس نشاطه الاحتيالي لعدة أشهر مستهدفًا الطلاب الباحثين عن طريق مختصر لتحقيق أحلامهم المهنية.

ما يضاعف من خطورة هذه الكيانات أنها لا تكتفي بالنصب، بل تعرض مستقبل الشباب للضياع، حيث إن الشهادات التي تمنحها بلا أي قيمة قانونية، ولا تُعترف بها من أي جهة رسمية داخل مصر أو خارجها، بل وقد تورط البعض من الحاصلين عليها دون علم في مشكلات قانونية بسبب استخدامها في التقدم لوظائف أو السفر للعمل بالخارج.
كما أن هذه الكيانات تتعامل بلغة مغرية تعتمد على اللعب بمشاعر الطلاب وأسرهم، فتعدهم بـ"التعليم السريع"، و"الوظيفة المضمونة"، و"المستقبل الذهبي"، بينما في الحقيقة لا تملك أكثر من أوراق مطبوعة وأختام مزورة.

وقد أشاد عدد من الخبراء الأمنيين بجهود وزارة الداخلية في هذا الملف، مؤكدين أن الوزارة قد تمكنت خلال الأشهر الماضية من ضبط نحو 150 كيانًا تعليميًا وهميًا في مختلف المحافظات، في إطار خطة شاملة للتصدي لجرائم النصب الإلكتروني والتعليمي.

وفي هذا السياق، صرّح اللواء رأفت الشرقاوي، الخبير الأمني، في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن "وزارة الداخلية تتابع هذه الكيانات عن كثب، وترصد نشاطها من خلال فرق متخصصة في قطاع الأموال العامة والمصنفات، وأن هذه الكيانات تتاجر بأحلام الشباب، وتستولي على أموال أسرهم مقابل أوهام، ولذلك تتحرك الوزارة بسرعة لضبطها حماية للطلاب وللمجتمع ككل".

القانون واضح في التعامل مع مثل هذه الجرائم، إذ تنص التشريعات على عقوبات رادعة بحق من يديرون كيانات تعليمية بدون ترخيص، أو يصدرون شهادات وهمية منتحلين صفة مؤسسات تعليمية، وتشمل العقوبات السجن والغرامة، فضلًا عن مصادرة الأدوات والمستلزمات المستخدمة في الجريمة، مثل الأختام والشهادات وأجهزة الكمبيوتر.

كما أن العقوبة قد تتضاعف في حال وجود ضحايا متعددين أو استغلال لفئات بعينها مثل الشباب أو ذوي الدخول المحدودة.

إن خطورة هذه الكيانات لا تكمن فقط في ما ترتكبه من جرائم نصب، بل في ما تزرعه من يأس وإحباط في نفوس الشباب، الذين يشعرون أنهم ضُحك عليهم، وأُهدرت أموالهم وأوقاتهم، بل وربما حُرموا من فرص حقيقية نتيجة انخداعهم بوعود زائفة.
ومن هنا، فإن الجهود الأمنية وحدها لا تكفي، بل يجب أن يكون هناك وعي مجتمعي واسع، يبدأ من الأسرة وينتقل إلى المدارس والإعلام، لتحذير الطلاب من الوقوع في فخ هذه الكيانات، وتعريفهم بالمسارات القانونية والموثوقة لاستكمال تعليمهم أو تطوير مهاراتهم.

وفي ظل هذا الواقع، تظل صفحة وزارة الداخلية الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، ومنافذها الإعلامية، بمثابة خط الدفاع الأول، حيث تنشر باستمرار بيانات وتحذيرات من هذه الكيانات، وتشجع المواطنين على الإبلاغ عنها فور اكتشافها، وتتعامل مع كل بلاغ بجدية وسرعة، وهو ما يعكس تحولًا مهمًا في آلية التواصل بين المؤسسة الأمنية والمواطنين، يجعل من كل فرد عينًا رقابية تساهم في حماية المجتمع من النصب والانحراف.