حرارة الأرض تذيب متعة الشوكولاتة.. التغيرات المناخية تصيب قلب صناعة الكاكاو؟.. ارتفاع الأسعار ونقص الإنتاج يثيران قلق عشاق الشوكولاتة.. المستهلك يدفع ثمن التدهور.. فهل تتغير خارطة أذواق عشاقها؟

لطالما كانت الشوكولاتة رفيقنا فى أوقات الفرح والحزن، بلسمًا حلوًا يذيب مرارة الأيام، لكن هذا الرفيق العزيز يواجه اليوم تهديدًا وجوديًا غير مسبوق، فارتفاع درجات الحرارة، الجفاف، والأمطار الغزيرة غير المنتظمة، كلها عوامل تتضافر لتهدد محصول الكاكاو، المكون الأساسى لهذه الحلوى الساحرة، تشير التقارير إلى أن عشاق الشوكولاتة حول العالم قد يضطرون إلى دفع ثمن باهظ لمتعتهم، أو ربما البحث عن بدائل لم تكن تخطر على بالهم.

الكاكاو.. قلب صناعة عملاقة يعانى من حمى المناخ

تشكل الشوكولاتة صناعة عالمية تقدر بمليارات الدولارات، وتعتمد بشكل شبه كلى على محصول الكاكاو، تأتى غالبية هذا المحصول، حوالى 70%، من دول غرب أفريقيا، وبالتحديد ساحل العاج وغانا والكاميرون ونيجيريا، هذه الدول التى تعد بمثابة شريان حياة لصناعة الشوكولاتة، باتت اليوم فى عين العاصفة المناخية.

تظهر الأرقام أن التغيرات المناخية ليست مجرد تهديدات نظرية، بل هى واقع ملموس يحدث بالفعل آثارًا سلبية على الإنتاج، فارتفاع درجات الحرارة يؤدي إلى فترات جفاف أطول، مما يجهد أشجار الكاكاو التي تحتاج إلى مناخ رطب ومعتدل لتزدهر، و فى المقابل، تتسبب الأمطار الغزيرة غير المنتظمة فى تفشى الأمراض الفطرية التى تدمر المحصول، على سبيل المثال، شهدت ساحل العاج وغانا انخفاضًا فى إنتاج الكاكاو بنسبة 32% بين شهرى أكتوبر وفبراير الماضيين مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، وهو رقم صادم يبرز حجم الأزمة.

تفاقم المشكلة هو القدرة المحدودة للدول المنتجة للكاكاو على التكيف مع هذه التغيرات، فمعظم هذه الدول مصنفة بقدرة منخفضة أو متوسطة على التكيف مع تغير المناخ، وفقًا لمؤشر نوتردام العالمى للتكيف، مما يجعلها أكثر عرضة للآثار المدمرة للظواهر الجوية المتطرفة.

فاتورة التغير المناخى يدفعها المستهلك

النتيجة المباشرة لتدهور إنتاج الكاكاو هي ارتفاع غير مسبوق فى الأسعار، لقد وصل سعر الكاكاو إلى مستويات تاريخية، متجاوزًا 10 آلاف دولار للطن المترى، وهو السعر الأعلى الذى لم يشهده السوق منذ أكثر من نصف قرن، هذا الارتفاع الجنونى لا يقتصر على الكاكاو فحسب، فأسعار السكر، وهو مكون أساسي آخر فى الشوكولاتة، ارتفعت أيضًا بنسبة 8% العام الماضى، مما يضيف ضغطًا مضاعفًا على تكلفة الإنتاج.

صناعة الشوكولاتة الأوروبية، التى تعتبر الأكبر فى العالم بقيمة تقدر بنحو 44 مليار يورو، تواجه تهديدًا حادًا، تستورد معظم واردات الكاكاو الأوروبى من دول غرب أفريقيا المتأثرة بالمناخ، وقد ارتفعت قيمة هذه الواردات بنسبة 41% خلال العام الماضى،  هذا الارتفاع فى التكاليف ينعكس بشكل مباشر على رفوف المتاجر، حيث ارتفعت أسعار الشوكولاتة بنسبة 43% خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وفقًا لتحليل أجرته "وحدة الطاقة والاستخبارات المناخية" (ECIU) هذا يعنى أن متعة شراء لوح الشوكولاتة المفضل أصبحت رفاهية ليست فى متناول الجميع.

شركات عملاقة أبلغت عن انخفاض في الكميات المبيعة خلال الربع الأخير من العام، مما يشير إلى أن المستهلكين بدأوا بالفعل فى تقليص استهلاكهم ردًا على ارتفاع الأسعار، هذا الوضع يبرز "الضرر المزدوج" الذي يهدد صناعة الأغذية، انخفاض الإنتاج بسبب المناخ، وارتفاع التكاليف مما يقلل من الطلب.

بحث عن حلول فى ظل الأزمة

في ظل هذه الأزمة المتصاعدة، بدأت بعض الشركات الأوروبية، لا سيما فى إسبانيا، فى البحث عن بدائل للكاكاو، برز "الخروب" كأحد أبرز هذه البدائل الواعدة، الخروب، هذه الثمرة المتوسطية، لطالما استخدمت كغذاء تقليدى، لكنها الآن تُنظر إليها بعين جديدة كمكون محتمل لصناعة الحلويات.

وتم تطوير وصفات جديدة حولت هذه الثمرة إلى منتج فاخر، بدأت بإنتاج دقيق الخروب المخصص للحلويات، ثم تطورت لإنتاج معجون الخروب الذى يشبه في قوامه منتجات الكاكاو، بل وأطلقت خطًا لإنتاج ألواح "نوجا الخروب" التى حققت رواجًا كبيرًا، ورغم تأكيدها أن الخروب والشوكولاتة منتجان مختلفان، إلا أن هذا التوجه يفتح آفاقًا جديدة للمستهلكين الباحثين عن بدائل في ظل ارتفاع أسعار الشوكولاتة.

مستقبل غامض وعشاق فى حيرة

مع استمرار الضغوط المناخية والاقتصادية، يبدو أن أسعار الشوكولاتة ستظل مرتفعة خلال الفترة المقبلة، هذا الواقع سيدفع المستهلكين إما إلى تقليل استهلاكهم المعتاد، أو البحث بجدية عن بدائل جديدة ومبتكرة، هل سيصبح الخروب هو "الكاكاو الجديد"؟ وهل ستتغير أذواقنا لتتقبل هذه البدائل؟

إن هذه الأزمة تسلط الضوء على ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة التغيرات المناخية، ليس فقط لحماية البيئة والكوكب، بل أيضًا للحفاظ على صناعات بأكملها ومنتجات محبوبة تُشكل جزءًا من حياتنا اليومية، لم يعد التغير المناخي مجرد قضية بيئية، بل أصبح قضية اقتصادية واجتماعية تلامس جيوب المستهلكين وتهدد متعتهم البسيطة، فهل نرى استثمارات أكبر فى البحث العلمي لتطوير أصناف كاكاو مقاومة للتغيرات المناخية؟ وهل ستتعاون الدول المنتجة والمستوردة للكاكاو لإيجاد حلول مستدامة؟ الإجابات على هذه الأسئلة ستحدد مستقبل الشوكولاتة التى نعرفها ونحبها.