زينب عبداللاه تكتب: كنوز كفر السنابسة وأخواتها.. هنا خير بنات الأرض.. ابحثوا عن المكافحات المتفوقات الحالمات الصابرات في كل قرى مصر ستجدون الآلاف من سميرة موسى ومفيدة عبدالرحمن وعظيمات مصر

خير بنات الأرض.. ضحايا حادث الطريق الإقليمي
خير بنات الأرض.. ضحايا حادث الطريق الإقليمي

 قبل أذان الفجر استيقظت كل منهن، صلت فرضها وقرأت أذكارها و ارتدت ملابسها بسرعة، ايشارب بسيط وملابس فضفاضة وبنطال تحت الملابس ومعصم يستر اليدين، حتى لا ينكشف منها شيئ وهى تجمع العنب، ودعت أمها وبيتها ومضت تنادى صديقاتها، وقفن يمزحن بوجوه صبوحة مثل نور النهار يحملن حقائبهن ومعها أحلامهن البسيطة فى حياة ومستقبل أفضل تصنعه كل منهن بكفاحها وتفوقها الدراسى وبجنيهات بسيطة تكسبها من عرق جبينها لتعول نفسها وتنفق على دراستها وتساعد أسرتها.


يتجه بعضهن إلى المخبز لشراء بعض الفطير والقرص لتسد جوعهن حتى يعدن أخر اليوم إلى بيوتهن، لا يتوقعن أن القدر لن يمنحهن الفرصة حتى يطعمن منه شيئاً، وأن مستقبلهن الذى خططن له لن يأتى و ستنتهى حياتهن بعد قليل، يركبن الميكروباص الذى ينقلهن إلى حيث يعملن فى مزارع العنب، يتكدسن فيه فوق بعضهن حيث جرت العادة أن يحمل الميكروباص عدداً أكبر من حمولته المقررة، يفكر بعضهن من طالبات الشهادة الإعدادية فى النتيجة التى ستظهر بعد ساعات، بينما تفكر شيماء في مصروفات السنة الثالثة بكلية الهندسة التى التحقت بها عن طريق رأس الرجاء الصالح رافضة الالتحاق بـ الثانوية العامة رغم تفوقها فى الإعدادية حتى تخفف عن والدها، حيث كانت شقيقتاها الأكبر إحداهما فى الجامعة والثانية فى الثانوية العامة، لذلك اختارت أن تلتحق بالدبلوم حتى لا تزيد من أعباء والدها وخرجت للعمل فى مزارع العنب لتوفر مصاريف الدراسة، واجتهدت حتى حصلت على المركز الأول بمعهد البصريات وكانت فرحتها الكبرى حين حققت حلمها والتحقت بكلية الهندسة واجتازت امتحانات المعادلة حتى وصلت إلى السنة الثالثة بالكلية، تتشابه معها قصة  كفاح واجتهاد صديقتها شيماء خليل طالبة كلية الأداب قسم اللغة الفارسية التى تعمل أيضا لتوفر الميزانية اللازمة لمصروفات السنة الثالثة بالكلية، تنشغل ميادة التى تستعد للزواج بعد أيام فى كتابة ما ينقصها من التجهيزات، حيث خططت أن تنزل مع الدتها يوم السبت لشراء باقى جهازها، وتشاركها أية التى خرجت مع شقيقتيها سمر وأسماء للعمل لتساعد هى أيضا فى تكاليف زواجها بينما توفر شقيقتيها مصروفات الدراسة.

المجني عليهن في حادث الطريق الإقليمي بالمنوفية (1)
 إحدى ضحايا حادث الطريق الإقليمي بالمنوفية 


لا تمر سوى دقائق معدودة حتى انتهى كل شيئ على طريق الموت، دهست تريلا ضخمة الميكروباص الذى يقل لفتيات ودهست معه أحلامهن وأمال أسرهن، صعدت فى لحظة 19 روحاً بريئة إلى بارئها، الفتيات ومعهن سائق الميكروباص الشاب الذى أحب إحداهن وكانا يستعدان لمراسم الخطوبة ولكنهما رحلا معاً قبل الفرح فى حادث بشع.

هرول أهالى الفتيات إلى المستشفيات لمعرفة مصير بناتهن، حكت الأمهات عن أبشع وأقسى لحظات يمكن أن يعيشها الإنسان وهو يبحث عن جثة فلذة كبده ولا يستطيع التعرف عليها، أدمت والدة المهندسة شيماء القلوب وهى تقول :"عامل المشرحة ورانى صورة قلت له دى شيماء فينها ؟!، لقيته بيقوللى تعالى هفتح لك التلاجة، وكانوا قافلين عليها بالقفل..قافلين عليهم ليه هما هيهربوا، شيماء اللى كنا بنفرح ونروح معاها وهى بتتكرم علشان متفوقة أشوفها فى التلاجة ومقفول عليها".


وفى مشهد مهيب وحزين خرجت نعوش الفتيات فى قرية كفر السنابسة بالمنوفية، تلك القرية التي لم يسمع عنها الكثيرون حتى وقع هذا الحادث المشئوم ، فاتشحت بالسواد واصطفت سيارات الإسعاف لتزف عرائس الجنة إلى مثواهن الأخير، وخرج أهالى القرية والقرى المجاورة لتشييع أجمل وأطهر بنات مصر، هؤلاء الحالمات المكافحات المتفوقات اللاتى كسرن النظرة النمطية لفتيات الريف العاملات، والتى ظلت محصورة فى أنهن فتيات أميات يعانين من قسوة الأهل وحرمن من التعليم وأجبرن على العمل.

المجني عليهن في حادث الطريق الإقليمي بالمنوفية (3)
 الميكروباص كان يحمل 19 شخصا 


رأينا فى هذا الحادث على قسوته كيف أن الريف يضم خير بنات الأرض، فتيات وشباب يحملن الأمل ويتمسكن بالعلم والتعليم، أياً كانت الظروف، تتحلى كل منهن بالدين والخلق والعلم وبر الوالدين، تخرج للعمل فى الإجازة لتساعد نفسها وأسرتها، أو لتساهم فى تجهيز نفسها، حين تعرف أن أغلبهن متفوقات رغم المسئولية والظروف الصعبة تدرك كم نمتلك من ثروات وكنوز، منهن 4 شهيدات هن: تقى وضحى وجنى وإسراء، بالشهادة الإعدادية حصلن على مجموع فوق 90 %، ولكنهن لم يفرحن بحصاد كفاحهن.


وحين تسمع حديث الأمهات البسيطات المكلومات اللاتى يعمل بعضهن في الحقول ولكنهن يمتلكن إيماناً ووعياً لا يمتلكه الكثير من المتعلمين وهن يحكين عن الشهيدات، تدرك أن كلا منهن تستحق أن تكون نموذجاً وقدوة وأن يقام لها تمثالاً يجسد معنى الصبر والكفاح.

تقول والدة إسراء عبدالوهاب الحفناوى التى حصلت على مجموع 96.3% فى الشهادة الإعدادية فى أحد اللقاءات :" إسراء كانت بتعلمنى أعمل ايه علشان أدخل الجنة، كانت بتقوللى عاوزة تدخلى الجنة ياأمى اقرأى سورة ياسين بعد الفجر والواقعة بعد الضهر والرحمن بعد العصر والدخان بعد المغرب والملك بعد العشا، كانت ملاك على الأرض"، بينما تشير والدة ملك إلى أنها كانت تقول دائما أنها تتمنى أن تموت شهيدة وأن يترحم عليها الجميع، وتؤكد والدة مروة التى تحفظ القرآن وتحرص على صلاة التهجد يومياً أنها أصرت أن تكمل تعليمها بعدما تفوقت فى الدبلوم وأكدت لوالدها أنها لن تزيد ضغوطه، وأصرت أن تعمل لتوفر نفقاتها وهكذا معظم الضحايا، كانت كل منهن تلح على أسرتها حتى تنزل للعمل وتنفق على نفسها ودارستها أو جهازها أو لتساعد فى نفقات البيت.

المجني عليهن في حادث الطريق الإقليمي بالمنوفية (4)
إحدى الضحايا كانت طالبة فى الهندسة 


ورغم الصدمة وفاجعة الفقد  تسمع صوت الحكمة والرضا بقضاء الله والصبر على المصائب فى أحاديث الأمهات، رغم أن منهن من فقدت بنتين أو ثلاثة، تبكى إحداهن والتى فقدت بنتيها فى الحادث وهى تناجى ربها قائلة:" اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد حتى يبلغ الحمد منتهاه ، اللهم إنى لا أسألك رد القضاء ولكنى أسألك اللطف فيه".


بينما تقول والدة الشقيقات الثلاثة "أية وسمر وأسماء" وقلبها ينفطر حزناً، كانوا ماليين عليا البيت وكنت مستنية هما اللى يشيلونى لكن أمر الله، خرجوا يشتغلوا علشان يصرفوا على جهازهم ودراستهم ومرجعوش اللهم لا اعتراض، الحمد لله يارب عوض علينا إنا لله وإنا إليه راجعون".
وبصوت ضعيف وقلب مكسور تقول والدة شروق الطالبة فى الصف الثانى الثانوى:" فى الجنة ونعيمها ياشروق ياقلب أمك، كانت سندنا فى الدنيا والأخرة، عملنا الصالح و ثمرة عمرنا، الحمد لله يارب مش طالبة غير الصبر، ربنا يصبرنى على فراق بنتى والعوض عليك يارب احتسبتها عندك وراضية وصابرة".


يهتز قلبك حين ترى الأمهات المكلومات وقد اجتمعن مع باقى نساء القرية ليلاً أمام مقابر الضحايا يدعون لهن ويقرأن القرآن، ترى الرضا والإيمان والصبر فى أحاديثهن رغم مصابهن الجلل، فتدرك كيف تكونت شخصية كل فتاة من هؤلاء الفتيات البطلات، وكيف تزخر القرى المصرية بمثل هذه النماذج والثروات البشرية، وأن ريفنا المصرى يمتلك بذور الألاف من طه حسين، وخليل حسن خليل  وسميرة موسى ومفيدة عبدالرحمن وغيرهم من عظماء مصر ولكنها بذور تحتاج من يرعاها حتى تثمر، فابحثوا عن بطلات كفر السنابسة فى كل قرى مصر قبل أن تدهسهن عجلات الظروف والإهمال والموت.

 

 
 
 
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

كيلو السمك بـ30 جنيه بس.. قرية البشندى بالوادى الجديد تحصد الدفعة الثانية من مزرعة الأسماك الحكومية.. طرح المنتجات للمواطنين بأسعار مخفضة.. ورئيس المركز: خطة لتعميم التجربة فى القرى لتحقيق الأمن الغذائى.. صور

القطار الخفيف يعدل مواعيده اليوم بمناسبة ذكرى ثورة 30 يونيو

ما تحاولش.. تعاون جديد يجمع بين الملحن كامل الجندي والمطربة فيروز أركان

تفاصيل التحقيق مع تاجر بتهمة شراء دراجات نارية مسروقة

ناشئات الطائرة أمام ألمانيا فى بطولة العالم


أسيست أرنولد ضد يوفنتوس يسدد قيمة انتقاله من ليفربول إلى ريال مدريد

فى انتظار القيد.. الإسماعيلى يتوصل لاتفاق مع عدد من اللاعبين والأفارقة

اعرف الصح.. دار الإفتاء تواصل حملتها لتصحيح المفاهيم الخاطئة.. ما حكم صلاة الجنازة والدفن فى أوقات الكراهة؟.. ما مسؤولية الوالدين شرعا تجاه أولادهم فيما يتعلق بالعبادات؟.. وما حكم وضع سترة أمام المصلى منفردا؟

الشاعر أحمد المالكى: سعيد بنجاح أغنية «بشكرك » لـ مصطفى حجاج

تريلا تحطم وتدهس 7 سيارات على الطريق الدائرى بالمعادى.. صور


الدورى المصرى ضمن أقوى 25 مسابقة محلية فى العالم

التحقيقات: دجال الإسكندرية أوهم ضحاياه بعلاجهم روحانيا

آمال ماهر تتعاون مع الملحن محمود أنور في ألبومها الجديد.. اعرف التفاصيل

حر لا يُطاق.. الأرصاد تحذر: طقس شديد الحرارة اليوم الخميس 3 يوليو 2025

"جزار" البنك يعود لحسابات الأهلي لتدعيم الدفاع فى الميركاتو الصيفى

كمائن الموت تحت غطاء المساعدات.. مجازر الاحتلال تفتك بالجوعى في القطاع.. مؤسسة غزة الإنسانية.. الاسم خادع والمهمة قاتلة.. 125 شهيدًا و700 مصابًا في شهر.. اعترافات جنود الاحتلال تفضح المجازر

بعد جدل حذف أغانى أحمد عامر.. هل الغناء حلال أم حرام؟.. الدكتور على جمعة: لا يوجد حكم مطلق وهناك موسيقى تهذب الروح.. الشيخان محمد الغزالى وعبد الحليم محمود يفتيان ياسمين الخيام.. وهذا ما قاله الشعراوى لـ شادية

عبد الناصر محمد يقترب من منصب مدير الكرة بالزمالك

109 لجان طبية و29 معمل تحليل لإجراء الكشف الطبى للمرشحين لانتخابات مجلس الشيوخ

عادل عبد الله يكتب: أنغام وشيرين عبد الوهاب رمزان للقوة الناعمة المصرية

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى