كمائن الموت تحت غطاء المساعدات.. مجازر الاحتلال تفتك بالجوعى في القطاع.. مؤسسة غزة الإنسانية.. الاسم خادع والمهمة قاتلة.. 125 شهيدًا و700 مصابًا في شهر.. اعترافات جنود الاحتلال تفضح المجازر

<< قوات الاحتلال تستخدم الفيديوهات المفبركة لتبرير جرائمها
<< 20 ألف يتصارعون على 2000 طرد غذائى
<< مؤسسة تزعم أنها إنسانية بينما تنفذ مخططات عسكرية
"قالت لنا سأحضر لكم الطحين اليوم وعادت إلينا بالكفن الأبيض"، مشهد الطفل الفلسطيني أحمد زيدان، وهو يصرخ بجوار جثة والدته "ريم زيدان" قبل دفنها، تجمع عدد من الجيران حول الجثمان يحاولون تهدئة الابن الأكبر لتلك الأسرة التي تسببت الاحتلال في قتل الوالد ثم الوالدة التي ذهبت إلى مركز توزيع المساعدات الذي خصصته إسرائيل في مدينة رفح الفلسطينية، ليصبح أحمد هو عائل تلك الأسرة رغم سنه الصغير.
أم ذهبت لإحضار المساعدات لأطفالها فعادت جثة هامدة
في مطلع شهر يونيو - حيث بدأت مؤسسة غزة الإنسانية قبلها بأيام في تخصيص مراكز توزيع مساعدات – ذهبت ريم مع ابنها وبنتها لإحدى تلك المراكز للحصول على بعض تلك المساعدات بعد معاناتهم من الجوع لفترة أكثر من شهرين، تركت الأم طفليها بعيدا عن المركز وذهبت لموظفي الشركة لاستلام طرد غذائي، فوجئ الطفلين بطلقات الرصاص تنتشر في كل مكان، وتتلقى أمهم إحدى تلك الرصاصات في رأسها، أسرعا نحوها لمحاولة إسعافها إلا أن الوقت قد تأخر لتفارق الحياة بينما المستقبل الملم يحيط بأحمد وشقيقته.
واقعة استهداف الجائعين كشف تفاصيلها المكتب الإعلامي الحكومى في غزة عبر بيان أصدره في 1 يونيو، أكد فيه أن جيش الاحتلال دعا بالتعاون مع الشركة الأمنية الأمريكية المواطنين المُجوَّعين للتوجه نحو منطقة قرب جسر وادي غزة بزعم توزيع "مساعدات إنسانية"، وما إن وصل الفلسطينيون إلى الموقع، حتى أطلقت إسرائيل والأمريكان النار عليهم بشكل مباشر، مما أسفر عن استشهاد وإصابة العشرات، ولا يزال هناك محاصرين تحت وابل من النيران المتواصلة في محيط ما يُسمى بـ"مركز المساعدات".
وأشار إلى أن تكرار هذه الجريمة بشكل ممنهج في منطقة وادي غزة ومحافظة رفح، لترتفع حصيلة الشهداء في مواقع توزيع ما يُسمى بـ"المساعدات" إلى 39 شهيداً وأكثر من 220 جريحاً خلال أقل من أسبوع، في مشهد دموي يكشف بوضوح أن هذه المناطق تحوّلت إلى مصائد للموت الجماعي، لا إلى نقاط لتقديم الإغاثة الإنسانية.
وكشف أيضا في ذات اليوم عن جريمة أخرى في مدينة رفح ارتكبتها قوات الاحتلال بحق المدنيين الجوعى الذين احتشدوا في مواقع توزيع المساعدات الإنسانية، ضمن ما يُعرف بـ"المناطق العازلة" في مدينة رفح، حيث أسفرت هذه الجريمة، عن ارتقاء 22 شهيداً وإصابة أكثر من 115 مدنياً في حصيلة أولية مرشحة للارتفاع.
فيديو لفوضى توزيع المساعدات في غزة
مشروع المساعدات غطاء لسياسات الاحتلال الأمنية والعسكرية
وأشار إلى أنه ثبت بالدم، وبشهادات العيان والتقارير الميدانية والدولية، أن مشروع "المساعدات عبر المناطق العازلة" هو مشروع فاشل وخطير، يشكّل غطاءً لسياسات الاحتلال الأمنية والعسكرية، ويُستخدم للترويج الكاذب لمزاعم "الاستجابة الإنسانية"، في الوقت الذي تغلق فيه إسرائيل المعابر الرسمية، ويمنع وصول الإغاثة الحقيقية من الجهات الدولية المحايدة، كما أن هذه الجريمة الجديدة، وبهذا العدد الكبير من الضحايا يومياً، تُعدّ دليلاً إضافياً على مضيّ تل أبيب في تنفيذ خطة إبادة جماعية ممنهجة، عبر التجويع المسبق ثم القتل الجماعي عند نقاط التوزيع، وهي جريمة حرب مكتملة الأركان بموجب القانون الدولي، خاصة المادة الثانية من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948.

تجمع الفلسطينيين أمام مركز توزيع المساعدات
وتنص المادة الثانية من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، أن الإبادة أياً من الأفعال التالية، المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه ( أ ) قتل أعضاء من الجماعة، (ب) إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة، ( ج) إخضاع الجماعة، عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً، ( د) فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة، (هـ) نقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى.
وطالب المكتب الإعلامى الحكومي، الأمم المتحدة ومجلس الأمن بتحمّل مسؤولياتهم القانونية والإنسانية، وفتح المعابر الرسمية فوراً دون قيود، وتمكين المنظمات الأممية والدولية من تقديم المساعدات بعيداً عن تدخل الاحتلال أو إشرافه، كما دعا إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة على وجه السرعة، لتوثيق هذه المجازر، بما فيها جرائم القتل في مواقع توزيع المساعدات، ومحاسبة المسؤولين عنها أمام المحاكم الدولية، معلنا رفضه كل أشكال "المناطق العازلة" أو "الممرات الإنسانية" التي تُقام بإشراف الاحتلال أو بتمويل أمريكي، ونُحذر من خطورة استمرار هذا النموذج القاتل الذي أثبت أنه فخ للمدنيين الجوعى لا وسيلة للنجاة.
شهادة مواطن فلسطيني تعرض للضرب خلال انتظاره للمساعدات
هانى السالمي، أحد المواطنين الذين خدعهم الاحتلال بمراكز توزيع المساعدات، حيث ذهب لإحضار بعض من الطحين لأطفاله، ليعود لأسرته مصابا وبدون أي طرد غذائي رغم عناء الرحلة، يجر ذيول الذل والجوع بينما ينظر لوجوه بناته الست الذين كانوا يأملون بأن يتمكنوا أخيرا من إعداد الخبز بينما ما لبوا أن حلت الحسرة عليهم، ويحكي شهادته عن رحلة المعاناة للحصول على مساعدات عبر صفحته الرسمية على فيس بوك، قائلا :"كنتُ واحدًا من الذين هاجموا شاحنات الطحين، ركضتُ حافيًا بين الحشود، تشبثتُ بعجلات الشاحنة كما يتشبث الغريق بقشة، صرختُ، وبكيتُ، ودعوتُ الله والناس أن يتركوني أمرّ، لكنّي فشلتُ في الحصول على حبّة دقيق، كلّ ما نلته كان دفعةً على صدري، وصفعةً على وجهي، وجرعةً إضافيّة من الذلّ، عدتُ إلى خيمتي صفر اليدين، إلا من الدمع والغبار، وكانت أطفالي تنتظرني بطبقٍ فارغ، وقلبٍ ممتلئ بالرجاء".
هانى السالمي
الاحتلال حاول في هذا اليوم الدموي تبرير جريمته البشعة بزعم أنه كان هناك مسلحين يطلقون النار على الفلسطينيين، حيث نشر الجيش الإسرائيلي حينها مقطعاً مصوراً التُقِط بطائرة استطلاع، ادعى فيه أن مسلحين أطلقوا النار على الجموع التي كانت تبحث عما يسد رمقها من المساعدات الإنسانية.
ضحايا كمائن الموت في غزة انتظارا للمساعدات
قوات الاحتلال تستخدم الفيديوهات المفبركة لتبرير جرائمها
المكتب الإعلامي الحكومى فند تلك الأكاذيب الإسرائيلية، مؤكدا أن توقيت نشر المقطع بعد أكثر من 15 ساعة من وقوع المجزرة، ومعالجته بوضوح لتوجيه التفسير نحو تبرئة الاحتلال، يشير إلى أنه جزء من حملة إعلامية مدروسة، لا علاقة لها بالحقيقة، بل تسعى لتشويه الواقع وقلب الحقائق، وإن كانت طائرة الاستطلاع قامت بتصوير الحدث فلماذا لم ينشر وقتها؟
وأشار إلى أن ما يدّعيه الاحتلال حول إطلاق نار من "مسلحين" محليين هو كذب صريح يتناقض مع ما كشفته الوقائع الميدانية وشهادات الناجين من المجزرة، حيث عشرات الجثث الملقاة على الأرض، إصابات مباشرة في الرأس والصدر والبطن، وسقوط مدنيين نساءً ورجالاً وأطفالاً برصاص جيش تل أبيب خلال محاولتهم الوصول إلى المساعدات، ولم يُشاهد أي اشتباك مسلح، كون أن جيش إسرائيل يسيطر على المنطقة بالكامل، بل كان المشهد واضحاً الطيران يحلق في الأجواء، ورصاص مباشر نحو الجياع.
تبريرات الاحتلال الكاذبة
وأوضح أن الفيديو الذي نشره جيش الاحتلال " – على الرغم من محاولاته إقحام رواية ملفّقة وهو فيديو من شرق خان يونس وليس غرب رفح "مكان مراكز ما يسمى بالمساعدات"– فضح إسرائيل أكثر مما خدمها، حيث تبيّن بوضوح أن ما جرى كان فوضى ناجمة عن افتعال عصابات معروفة بعلاقتها الأمنية مع الاحتلال وهو من يقوم بدعمها ورعايتها وتوفير لها الحماية، أقدمت على نهب المساعدات أمام أعين الطيران "الإسرائيلي"، ثم أطلقت النار في الهواء لبث الرعب والتخويف، بينما لم تُظهر اللقطات أي تبادل نار، بل كانت محاولة لتبرير لاحق لإطلاق النار الحقيقي الذي نفذته قوات تل أبيب في مواقع أخرى وأوقع عشرات الشهداء.
وكشف أن الفيديو نفسه الذي نشره جيش الاحتلال لإثبات روايته يحتوي على عنصر فاضح يُسقط تلك الرواية من جذورها؛ إذ يُظهر توزيع "أكياس طحين"، رغم أن مراكز ما يُسمى بـ"المساعدات الإنسانية الإسرائيلية-الأمريكية" لا تقوم بتوزيع الطحين من الأساس، بل تقوم بتوزيع مساعدات سرقتها من مؤسسات دولية مثل مؤسسة رحمة، ووزعتها على الناس قبل أن تقتلهم، وهذا يؤكد أن المشهد مفبرك بالكامل ويهدف إلى تضليل الرأي العام.
وأوضح أن قوات الاحتلال دأبت طوال العدوان على استخدام الفيديوهات المفبركة والمقاطع الممنتجة سلفاً لتبرير جرائمها، وهي سياسة إعلامية أمنية باتت مكشوفة وفقدت مصداقيتها أمام المنظمات الدولية، وآخرها فضيحة محاولة تبرير قصف مدارس الأونروا بادعاء وجود مسلحين، رغم أن كل الضحايا كانوا أطفالاً ونساءً ومسنين ومدنيين.
واختتم تفنيده لأكاذيب تل أبيب، بأن المحاولات الفاشلة التي يفبركها الاحتلال وصياغة مشهد درامي مزيّف عبر طائرة مسيّرة لا يمكن أن تلغي الحقيقة الواضحة وضوح الشمس، وهي أن جنود الجيش الإسرائيلي هم من أطلقوا النار على جموع الجوعى الباحثين عن الطعام، وأن المجازر المروعة في رفح شاهدة على جريمة قتل جماعي موثقة، لا يمكن تبريرها بفيديو مُظلم، مُفبرك، فارغ المحتوى، بل وفاضح في تضليله.

الفلسطينيين أمام مراكز توزيع المساعدات
فيديو لفوضى توزيع المساعدات في غزة
شهادة صحفي فلسطيني حول مشاركة عناصر الشركة الأمريكية في قتل الفلسطينيين
الصحفي الفلسطيني يحيى يعقوبي، يكشف أيضا تحول مراكز توزيع المساعدات لمراكز توزيع الموت، حيث سرد شهادته عبر صفحته الرسمية على "فيسبوك" قائلا :"بعد التأكد والاستماع لشهود عيان، تبين أن عناصر الشركة الأمريكية، يشاركون بالجرائم التي تجري بالمراكز ولكن بصورة غير مباشرة".
شهادة يحيى يعقوبي
ويضيف أن شهود عيان أفادوا بأنهم توجهوا لاستلام طرد من مركز نيتساريم، وأعطى عنصر أمريكي إشارة انسحاب للعناصر العاملة خلف تلة ترابية، وأعطى إشارة استدعاء للقوات الإسرائيلية فتقدمت ثلاث دبابات من ثلاث اتجاهات، وبدأت بإطلاق نار كثيف على آلاف المحتشدين، وجرى فقدان ثلاثة شباب ولم تعلم عائلاتهم أي شيء عنهم، وأسماء المفقودين معلومة لدى المركز الفلسطيني للمفقودين".
ويتابع :"قمت بالتواصل مع إحدى العائلات التي حاولت التوجه للمركز والاستعلام عن مصير ابنها الذي أصيب بطلق في البطن فلم يتم السماح لهم بالاقتراب، الفتى يدعى عبيدة أبو موسى"، لافتا إلى أن استخدام أسلوب صرف المحتشدين بالأسلوب العسكري، جريمة تمارسها الشركة الأمريكية والقوات الإسرائيلية، فطالما حددوا مواعيد العمل بالمراكز من الصباح حتى السادسة مساء وطالما اعلنوا عنها كمراكز مساعدات، ينبغي التصرف بطريقة إنسانية، لكن تلك المراكز تحولت مصائد للموت وأسلوب للإذلال الجماعي، واستخدام المساعدات لأغراض عسكرية ستتضح ماهيتها خلال الفترة القادمة.

سكان غزة أمام مراكز توزيع المساعدات
"ما يثير الشبهات، أن تلك المراكز تقدم الفتات"، هكذا يصف يحيى يعقوبى مراكز توزيع المساعدات التي تشرف عليها الشركة الأمريكية، مستطردا :"أفاد شهود عيان وصلوا مركز مساعدات رفح، أنهم وجدوا فقط أربع شاحنات، رغم توجه آلاف الناس لاستلام المساعدة بالتالي نفدت خلال عشر دقائق، وفي نفس اليوم وقعت مجزرة دامية، كما وقعت المجزرة على دوار العلم، فبين احتماء الشباب برمال الشاطئ وسواتر ترابية هربا من نيران الدبابات، فباغتتهم زوارق الاحتلال وأحرقتهم، وحفاظا على أرواح الناس، المنظمات الدولية نفسها يجب أن يكون لها موقف حازم من هذه المراكز بالعودة لآلية توزيع من خلال الأمم المتحدة".
جريمة أخرى ارتكبتها قوات الاحتلال في الثاني من يونيو، بعدما قتلت ثلاثة مدنيين مُجوَّعين وجرحت 35 آخرين قرب مراكز توزيع المساعدات في رفح، استمراراً لسياسة التجويع ليرتفع عدد شهداء مجازر تلك المراكز في منطقتي رفح وجسر وادي غزة، إلى 52 شهيداً و340 مصاباً، منذ بدء العمل بتوزيع المساعدات بتاريخ 27 مايو .
وبعدها بـ24 ساعة فقط، ارتكبت أيضا القوات الإسرائيلية5، مجزرة جديدة قرب مركز "المساعدات الأمريكي – الإسرائيلي" في محافظة رفح، أسفرت عن استشهاد 27 مدنياً مُجوّعاً، وإصابة أكثر من 90 آخرين بجراح متفاوتة، ليرتفع حصيلة ضحايا هذه "المراكز" إلى 102 شهداء و490 مصاباً .
مراكز المساعدات تقام في مناطق مكشوفة وخطرة
وأكد المكتب الإعلامي الحكومى بغزة، أن ما يُسمى بمراكز توزيع "المساعدات"، والتي تقام في مناطق حمراء مكشوفة وخطيرة وخاضعة لسيطرة جيش الاحتلال، تحوّلت إلى مصائد دم جماعية، يُستدرج إليها المدنيون المُجوَّعون بفعل المجاعة الخانقة والحصار المشدد، ثم يتم إطلاق النار عليهم عمداً وبدم بارد، في مشهد يختصر خُبث المشروع ويُعري أهدافه الحقيقية، كما لا تخضع هذه النقاط لأي إشراف إنساني مستقل، بل تُدار أمنياً من قبل إسرائيل وشركة أمنية أمريكية، ما يجعلها نقاط قتل تحت غطاء إنساني زائف، ويُصنّفها القانون الدولي كمواقع جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
ووثق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان بتقريره الصادر في 3 يونيو لشهادات عدد من الفلسطينيين الذين نجو من الموت خلال ذهابهم لمراكز توزيع المساعدات بعد تعرضهم لإطلاق نار، حيث قال أحد الناجين - الذي طلب عدم ذكر اسمه - : "في حوالي الساعة 3:50 فجر اليوم، جاءت طائرة "كوادكابتر" إسرائيلية، والتقطت صورًا لتجمعات المواطنين، وبعدها فتح الجيش النار علينا من إحدى الرافعات في المنطقة، نقلت بيدي 3 شهداء كانوا مصابين بأعيرة نارية في رؤوسهم. معظم الإصابات تتركز في الرأس، جاء الناس ليأخذوا ما يسد جوعهم ولكنهم عادوا قتلى ومصابين".

ضحايا المساعدات في غزة
فيما قال "أ.ب" الذي يبلغ من العمر 38 عامًا، : " توجهت اليوم الساعة الثالثة قبل الفجر إلى ما قبل منطقة "العلم" في رفح، ومكثت هناك بجانب احدى الكافيتريات على البحر، حيث كان النار يطلق بشكل كثيف وعشوائي على الناس، ولكن كل من يتواجد في المكان يكون متمدد على الأرض والرصاص من فوقنا، ولا أحد يستطيع الوقوف لأن الوقوف يكلف حياة الشخص. الساعة الخامسة فجرًا، بدأ الناس يقتربون على طريق دخول مركز المساعدات، وبدأ إطلاق الرصاص عليهم من مسيّرة كوادكابتر ومن الآليات المتواجدة خلف تلال الرمل ومن الزوارق البحرية."
وأضاف: "سقط عدد كبير من الاصابات والقتلى، وفي حوالي الساعة 5:45، تمكننا من الدخول واستطعت الحصول على صندوق مساعدات، وفي طريقي للخروج، قابلت امراة أربعينية أخبرتني أنها لا تستطيع التقدم وأنها تعاني وأبناؤها من الجوع والفقر، فأعطيتها صندوقي وعدت إلى نفس المكان للحصول على آخر، وهناك، لم أجد شيئًا، وكانت مسيّرة كوادكابتر تنادي على الناس بألفاظ نابية وتقول أيضا "يا بهايم روحوا خلصت الكمية."
تقرير المرصد الأورومتوسطي عن قتل الجوعى في مراكز توزيع المساعدات
وتابع: "انصرفت من المكان، وقبل وصولي مخرج الحلابات، وجدت طفلًا يبكي بصوت عالٍ: "يما قومي يما قومي"، اقتربت من المكان، وإذ بالمرأة التي أعطيتها صندوقي ملقية على الأرض وسط بركة دمائها وقد فارقت الحياة، حملناها مع مجموعة شباب إلى الخارج ومن ثم في سيارة إسعاف وذهبت ومعها ابنها إلى المستشفى، أما بالخارج على طريق البحر، فشاهدت سبع جثث ملقاة على الأرض على جانب الطريق، وحين عدت إلى خيمتي، عاهدت زوجتي وأطفالي أمام الله بأنني لن أصل بعد ذلك إلى أي مركز توزيع مساعدات من هذا القبيل. مهما وصلت بي ظروف الحياة، حتى لو اضطررت أن آكل الرمل."
وفي إحدى حالات الإعدام الميداني للمدنيين التي وثقها المرصد الأورومتوسطي، قتل الجيش الإسرائيلي "خالد أحمد أبو سويلم"، الذي يبلغ من العمر 41 عامًا، بعد أن توجه إلى مركز توزيع المساعدات غرب رفح لاستلام الغذاء، وبعد تمكنه بصعوبة من الوصول واستلام حزمة المساعدات، توجه للمغادرة عبر بوابة الخروج، حيث تم إطلاق النار عليه من الخلف، وأصيب بطلق ناري خلف أذنه اليمنى استقر في رأسه، ليُقتل على الفور، قبل أن يُنقل إلى مستشفى ميداني، ثم إلى مستشفى ناصر في خان يونس جنوب القطاع.
وأوضح المرصد الحقوقي، أنّ جيش الاحتلال والمنظمة الأمريكية التي أسسها، والتي تدير نقاط توزيع المساعدات، توجّه الفلسطينيين لاستلام مساعدات من المنطقة، وتطلب منهم الانتظار للمرور من بوابات الفحص والإذلال، للحصول على المساعدات، قبل أن تستهدفهم بإطلاق نار مباشر من القناصة وطائرات "كوادكابتر" المسيّرة، والطائرات المروحية وقذائف الدبابات في بعض الأحيان، بدعوى وجود خطر على حياة القوات الإسرائيلية التي تتمركز على بعد مئات الأمتار، لافتا إلى أن ما يجري يدلل على أن قوات تل أبيب تعمدت وضع نقاط التوزيع في مناطق خطيرة تحت سيطرتها، دون توفر ممرات وصول آمنة لها، لتكون فخًا مميتا لآلاف المجوعين الذين يدفعهم الجوع والعوز بعد أكثر من ثلاثة أشهر على إغلاق المعابر، للمخاطرة بحياتهم للحصول على القليل من الطعام، ولكن أغلبهم بات يعود إما قتيلا أو جريحًا.

فلسطينيون يحاولون الحصول على المساعدات
20 ألف يتصارعون على 2000 طرد غذائى
شهادة أخرى يتحدث عنها الصحفي الفلسطيني يوسف فارس، المقيم في غزة، حيث ينقل عن صديق له توجه لأحد مراكز توزيع المساعدات إلا أنه شاهد ويلات من أجل الحصول على طرد غذائي يطعم به أسرته، حيث يسرد تلك الشهادة عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي قائلا :"أمضى صديقي أكثر من ساعة ونصف مشدود الأعصاب وهو يروي لي تفاصيل رحلته المميتة إلى مركز توزيع المساعدات الأمريكي في منطقة العلم بمدينة رفح جنوب القطاع، استنفد طاقة جسمه المنهك كلها وهو يحكي عن قفص من الحديد، يخوض عشرات الآلاف من المجوعين فيه معركة ضارية للظفر بالقليل من المواد التموينية".
شهادة الصحفي يوسف فارس
ويضيف: "ألفين طرد غذائي متروكة في ساحة فيما يتصارع 20 ألفاً للظفر بما تصل إليه أيديهم، ولك أن تتخيل الملحمة، تنتهي الكمية المتاحة في غضون دقائق، صاحب العضلات والأكثر شراسة يخطف ما تطاله يداه بدءا بالأثمن والأغلى مثل السكر والبسكويت، ويعود الأكثر وقاراً وضعفا ملوماً محسوراً، وفي طريق العودة تبدأ عمليات البلطجة بالسلاح الأبيض، اللصوص وأبناء الحرام يجردون الضعفاء مما حصلوا عليه، وقبلاً من ذلك، يبدأ مسلسل الإبادة وإطلاق الرصاص من دبابات الإحتلال والجنود الأمريكيين من وراء السواتر الترابية تجاه الحشود، يقتل ويصاب العشرات يوميا".
ويتابع :"لا نظام، لا كشوفات، لا طريقة محترمة، فقط إدارة للفوضى ومشاهدة لحلبة المصارعة، ثم يبدأ مسلسل القتل اليومي لأن حصة التوزيع الشكلية التي قطع الناس للوصول إليها طريقاً استغرق 5 ساعات مشياً على الأقدام انتهت في غضون 10 دقائق دون أن يظفر أحد بشيء، انتهى السرد، بح صوت صديقي لفرط انفعاله ولحسرة العودة خالي الوفاض، دمعت عيناه، حاول ابتلاع الأسى، وهو معلم عزيز النفس، جميل المظهر، كان في سنوات ما قبل الإبادة أبهى الشباب رائحة عطر وأكثرهم أناقة، فاق الأسى طاقته وحضرت المقارنة بين ما كان وما هو عليه الآن".

محاولات الفلسطينيين الحصول على المساعدات
ويواصل يوسف فارس شهادته :"عانقته وبكينا :لست مجالداً يا صديقي كي تخوض حلبة الموت الرومانية وتعود منتصراً على الموت والمُجَالد هو تحفة ما أنتجته الحضارة الرومانية في مدينة كوبوا الإيطالية، حيث يساق العبيد وأسرى الحرب الذين لا يمتلكون ما يخسروه، إلى حلبة المصارعة الرومانية بعد أن يجري تدريبهم لشهور لخوض معركة صفرية مع وحش جائع شرس، فقط لكي يستمتع الأمراء وجمهور المتحضرين في التأمل بملامح العبيد اليائسة وانعدام المقاومة حينما يلتهمهم الوحش الجائع، من كوبوا إلى غزة، ذات العَرض الدامي، يستمتع حراس الحلبة بمشهد الملحمة، لكن لماذا لا يَرفض المجالدون خوض النزال مع الوحوش، ببساطة لأن من يرفض التدريب يدفع إلى الوحش ليلتهمه وهو في ذروة ضعفه، ليموت مكسوراً مذعناً بينما تعلو قهقهات الجمهور".
كما يتحدث عن الارتفاع الكبير في أسعار السلع في أسواق القطاع، حيث يقول :"سقطت العملة والتداول التجاري برمته في طريقه إلى الانهيار، القيمة الورقية لكل 100 دولار هي 60 دولار فقط، والقيمة الشرائية لكل 60 دولار، لا تتجاوز الـ 10 دولار فقط، ببساطة 60 دولار لا تكفي لشراء كيلو واحد من السكر مع كيلو واحد من الطحين، ومعنى ذلك أنه لا قيمة للعمل ولا معنى للمال، إذا كنت بحاجة لـ 100 دولار في اليوم كي تؤمن وجبة واحدة من فلافل العدس والفول وكأس الشاي، كل الناس جوعى، أبناء الأصول والمبادئ والقيم هم الأكثر بؤساً وجوعاً.
عاد الاحتلال لجريمته المفضلة في اصطياد أرواح الجوعى أمام مراكز توزيع المساعدات، ففي أول أيام عيد الأضحى المبارك، استشهد 8 مدنيين مجوَّعين، وأُصيب 61 آخرون بجراح برصاص قوات الاحتلال والشركة الأمنية الأمريكية، قرب أحد مراكز توزيع "المساعدات الأمريكية – الإسرائيلية" في محافظة رفح، لترتفع حصيلة الضحايا الإجمالية لهذه المراكز إلى 110 شهداء، 583 مصاباً، و9 مفقودين.
وفي ثالث أيام عيد الأضحى عاود الاحتلال جريمته مرة أخرى، بنفس مركز توزيع المساعدات، بعدما ارتقى 13 شهيداً وأصيب 153 آخرون بجروح متفاوتة، بسبب فتح قوات الاحتلال وعناصر من الشركة الأمنية الأمريكية النار على المدنيين المُجوَّعين المتجمعين قرب مركزين لتوزيع المساعدات شرق محافظة رفح وبالقرب من جسر وادي غزة، لترتفع الحصيلة الإجمالية للضحايا منذ بدء تشغيل هذه المراكز إلى 125 شهيداً، و736 مصاباً، و9 مفقودين، في مشهد متكرر من القتل العمد تحت مظلة العمل الإنساني الزائف.

مواطن فلسطيني مصاب خلال محاولته الحصول على المساعدات
مصابون من منتظري المساعدات يتدفقون على مستشفيات القطاع
الدكتورة سهى شعت، الصيدلانية المقيمة في مدينة خان يونس، تكشف عن حجم الإصابات المتواجدة في مجمع ناصر الطبي، التي تتسبب فيها مراكز توزيع المساعدات، حيث تقول عبر شهادتها التي سردتها عبر صفحتها الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي :"ماشية كالعادة بمستشفى ناصر، سمعت صراخ وبكاء وعويل رحت اعرف شو القصة، شاب مصاب على سرير ويبكى ويحكى سامحنى يابا قصرت معك عند نقطة المساعدات الأمريكية هو متاب وابوه مستشهد، مشيت ٣ متر لقدام أم بتبكى وتلطم على ابنها الوحيد اللى استشهد بقصف، مشيت لقدام شوي شاب جاي يجري ويسأل على اخوه حكوا له بناصر مستشهد، شوي لقدام اب بيودع ابنه واحفاده، مشيت شوي سيارة الإسعاف اجت تنقل أشلاء شهداء ومصابين، وين ما توجه بصرك بس شلالات بكاء وعويل وانهار من الدم والاشلاء لحظتها دار ببالى سؤال ماله إجابة ، يااا الله متى حيتوقف الجنون هدا كله".
شهادة الدكتورة سهى شعث
مؤسسة غزة الإنسانية ليست سوى واجهة دعائية لجيش الاحتلال
وفضح المكتب الإعلامي الحكومى بغزة، في بيانه الصادر في 9 يونيو، "مؤسسة غزة الإنسانية"، وهي الشركة الأمريكية المسئولة عن توزيع المساعدات، موضحا أنها ليست سوى واجهة دعائية لجيش الاحتلال، ويقودها ضباط ومجندون أمريكان وإسرائيليون من خارج غزة، بتمويل أمريكي مباشر، وبتنسيق عملياتي مع الجيش الإسرائيلي الذي يرتكب جريمة إبادة جماعية متواصلة.
وأشار إلى أن الاحتلال هو الطرف الوحيد الذي يمنع دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، بإغلاقه المتعمد لكل المعابر، ومنعه أكثر من 55 ألف شاحنة مساعدات من الوصول إلى العائلات المنكوبة، وتقييده حركة عشرات المؤسسات والمنظمات الأممية العاملة في المجال الإغاثي، مشيرا إلى أن مؤسسة غزة الإنسانية شريكة في جريمة منظمة تستهدف المدنيين عبر طُعْم المساعدات، وتوثق الوقائع الميدانية أن هذه المؤسسة، عبر فرقها التي ترعاها قوات إسرائيل، تسببت -خلال أسبوعين فقط من عملها- في استشهاد أكثر من 130 شهيداً من المدنيين برصاص مباشر أثناء محاولتهم الوصول إلى طرود غذائية على حواجز الإذلال والقهر، وأصيب قرابة 1000 مدني آخر، بينما لا يزال 9 فلسطينيين مفقودين بعد أن اجتذبتهم هذه المؤسسة "الإسرائيلية" الأمريكية لمناطق يُتحكم بها عسكرياً جيش الاحتلال. هذه جرائم مكتملة الأركان يُحاسب عليها القانون الدولي.
وأوضح أن تلك المؤسسة تفتقر بشكل تام لمبادئ العمل الإنساني، والتي تتمثل في الحياد، حيث تتعاون ميدانياً مع جيش الاحتلال، وتنفّذ توجيهاته، وهو الذي يقوم بإصدار الإعلانات للمُجوَّعين من السكان، بجانب عدم الانحياز، فتعمل ضمن أجندة أمنية إسرائيلية واضحة، وتخدم أهداف تل أبيب في إخضاع السكان، والاستقلالية، فتتلقى تعليماتها وتمويلها من مصادر حكومية أجنبية ومن جيش تل أبيب، والإنسانية، فلم تكن يوماً في صف الإنسان، بل كانت أداة ضغط وتجويع وقتل ضد السكان المدنيين.
مؤسسة تزعم أنها إنسانية بينما تنفذ مخططات عسكرية
وقال إن أي مؤسسة تزعم أنها إنسانية بينما تنفذ مخططات عسكرية وتدير نقاط توزيع ضمن مناطق عازلة تشرف عليها دبابات الاحتلال، لا يمكن اعتبارها جهة إغاثية، بل هي جزء من أدوات الإبادة الجماعية، مطالبا كل العالم بألا يخضعوا لتضليل هذه المؤسسة التي تمارس الإجرام المنظم والممنهج.
الصحفية الفلسطينية، يافا أبو عكار، كانت أيضا إحدى المواطنات اللاتي ذهبن إلى مركز مؤسسة غزة الإنسانية للحصول على المساعدات، شاهدت بعينيها حجم المجازر التي عاشها الفلسطينيين في هذه المراكز ، ووثقت شهادتها عبر صفحتها على فيس بوك، قائلة :"الآن من حاجز نيتساريم ، حيث آلاف من أبناء شعبنا يقفون في انتظار مجهول وجوههم متعبة أجسادهم مرهقة وعيونهم تبحث في السماء والأرض عن بارقة أمل عن علبة فول، عن رغيف خبز، عن كيلو طحين يمكن أن يطيل في عمر أطفالهم يومًا آخر، هنا، لا شيء مضمون إلا الموت".
شهادة يافا أبو عكار
وتضيف :"الناس تواجه خطر الطائرات التي أطلقت الرصاص على الجائعين أمام أعيننا دون رحمة، خطر الطائرات بأنواعها التي لا تغادر السماء، خطر الدبابات التي قد تقترب في أي لحظة وتطلق قذيفة لا تميّز بين طفل وامرأة، بين عجوز وشاب، كل هذا الموت، هذا الرعب هذا التهديد يلاحق من خرج فقط ليحصل على فتات الحياة، الناس هنا لا تطلب شيئًا مستحيلًا فقط ما يسد رمقها، لكن هذا الطلب أصبح مكلفًا جدًا، قد تدفع حياتك مقابله، نيتساريم الآن ليست فقط نقطة توزيع مساعدات هي نقطة اختبار لضمير العالم".
في 10 يونيو أيضا كنا أمام جريمة جديدة شبيهة بسوابقها، في ظل تحويل الاحتلال مراكز توزيع المساعدات لمراكز لقتل الفلسطينيين، بعد استشهاد 36 فلسطينيا، وإصابة أكثر من 208، وكلهم من المدنيين المُجوَّعين الباحثين عن لقمة العيش تحت الحصار والتجويع.
هذا العدد الكبير من الشهداء والمصابين، يمثل أكبر دليل على الوجه الحقيقي لمؤسسة غزة الإنسانية، التي أصبحت أداة قذرة في يد جيش الاحتلال، تُستخدم لإيقاع المدنيين في كمائن الموت، تحت ستار العمل الإنساني، وهو ما دفع الكثير من الفلسطينيين بمطالبة المجتمع الدولي بالعمل فورا على إيقاف عمل مؤسسة "GHF" داخل غزة، نظرا لسلوها الإجرامي، حيث أصبحت أداة حقيقية للقتل والإبادة.
وعلق الدكتور إسماعيل الثوابتة، مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي، على كمائن الموت الإسرائيلية داخل مراكز توزيع المساعدات، مشيرا إلى أن مؤسسة غزة الإنسانية ما هي إلا أداة دعائية بيد جيش الاحتلال يستكمل من خلالها جريمة الإبادة الجماعية من خلال تلك الكمائن المغلفة بغلاف إنساني وتتسبب بآلاف الشهداء والمصابين ضد 2.4 مليون فلسطيني بينهم 1.1 مليون طفل.
حصيلة الشهداء والمصابون منذ بدء توزيع المساعدات عبر كمائن الموت
وخلال أكثر من شهر من بدء عمل مؤسسة غزة الإنسانية وتعمدها استهداف الجوعى، وصل عدد الضحايا إلى 549 شهيدا، و4,066 إصابةً، و39 مفقودا، من السّكان المدنيين الفلسطينيين بمحافظات قطاع غزة، أثناء محاولتهم البائسة للحصول على ما يسد رمقهم ورمق أطفالهم وأسرهم وسط سياسة التجويع والحصار الشامل.
هذه الإحصائية تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الاحتلال يستخدم الغذاء كسلاح قتل جماعي، ويحوّل ما يزعم أنها مساعدات إلى أداة للإبادة والسيطرة، في ظل مطالب فلسطينية بفتح تحقيق دولي عاجل، ووقف هذه الجريمة المنظمة، ومحاسبة كل من يتواطأ فيها.
وتؤكد الإعلامية الفلسطينية فاطمة على أبو نادي، النازحة في خان يونس، أن ما يحدث في هذه المراكز جريمة حرب مكتملة الأركان يتحمل مسؤوليتها قوات الاحتلال بشكل رئيسي لأنها تقوم باستدراج المُجوّعين المدنيين ثم إطلاق النار عليهم بدمٍ بارد وممنهج وبشكل يومي ووفق مواعيد محددة، لافتة إلى أن القوات الإسرائيلية تتعمد إعلان مواعيد محددة ثم تطلق النار في تلك المواعيد بهدف تصفية الشباب الذين يبحثون عن أي طعام كان حتى أن الدقيق أسمى أهدافهم حيث كيس الدقيق الذي لا يتجاوز الـ 52 كيلو أصبح سعره خياليا وصل 700 دولار .
عدد الشهداء والمصابين من منتظرى المساعدات منذ بدء عمل مؤسسة غزة الإنسانية
وتضيف أن هذا المبلغ صعب للغاية على من يعانون من الفقر والموت بعد دمار غزة، وفقدان مصادر أعمالهم بالكامل، لافتة إلى أن المحتل يعي تماما ما يفعل عندما بدأ يستخدم الغذاء كسلاح للقتل الجماعي للمجوعين قصرا، على الرغم من قدرته التامة على تنظيم المساعدات دون دماء ولا قتل ولا تجويع من خلال المؤسسات الدولية والمحلية على حد السواء، لكنه يرفض التنسيق والتوزيع العادل لأنه يرغب باستمرار حرب المجاعة؛ فأصبح طعام أهل غزة شوربة العدس يوميا بدون الخبز .
وتشير إلى أن هناك 2.4 مليون إنسان مدني في غزة بينهم مليون و100 ألف طفل وأكثر من نصف مليون امرأة، بحاجة ماسة لفتح معابر القطاع، لإخراجهم من الموت البطئ الذي ينهش أجسادهم، خاصة أن هناك أطفال رضع أصبحت أجسادهم هياكل عظمية، وكبار السن ومرضى الكلي، والسكري بحاجة عاجلة للغذاء الصحي والماء النظيف، والأمهات الحوامل التي تحتاج للمكملات الغذائية والبروتين الصحي كل هذه الفئات حساسة ولا يمكن تهميشها أو غض الطرف عنها لكن تتدعي المؤسسة الأمريكية التي تطلق على نفسها "غزة للإغاثة GHF ، كذب وافتراء شديدين أن هدفها الرئيسي إغاثي، لكن المشهد اليومي للقتل يعكس صورتها الاجرامية ضد الغزيين الجوعى والمنهكين.
وشهد شاهد من أهلها
وبعد أن انكشفت جريمة الاحتلال أمام العالم بالصوت والصورة خرج الجنود الإسرائيليين ليعترفون أن قياداتهم أمروهم بإطلاق النار على منتظري المساعدات، حسبما نقلت صحيفة "هآرتس العبرية" عن عدد من أفراد الجيش، تلك الاعترافات الصادمة، التي تؤكد تحويل تل أبيب مراكز توزيع الطرود الغذائية لكمائن قتل، مما يجعل هذه الشهادات إقراراً داخلياً موثقاً بارتكاب جرائم حرب وجريمة قتل جماعي ممنهجة بحق سكان غزة الذين تم تجويعهم وحصارهم لشهور طويلة من قبل حكومة نتنياهو.
وبحسب ما ذكرته تحقيق صحيفة هآرتس، فإن الجنود تلقوا أوامر عسكرية مباشرة لإطلاق النار على مدنيين، واستخدام رشاشات ثقيلة ومدفعية وقذائف ضد تجمعات تنتظر الغذاء، وبحسب شهاداتهم فإن قادة في الجيش أمروا بإطلاق النار نحو طالبي المساعدات بهدف إبعادهم، كما ذكرت الصحيفة العبرية، أن مراكز التوزيع في غزة أشبه بميدان قتال، فيما رجح الجنود الذين تحدثوا أن الغزيين الذين يصلون إلى المراكز قبل فتحها، في ساعات الفجر، لا يرون حدود هذه المراكز بسبب الظلام.
اعترافات جنود الاحتلال حول جرائمهم ضد الجوعى
وخلال التحقيق، وصف جندي إسرائيلي الوضع بأنه "ميدان إعدام"، حيث قال إنه "في المكان الذي تواجدت فيه قُتل ما بين شخص واحد إلى خمسة أشخاص يوميا، ويطلقون النار عليهم كأنهم قوة هجومية، ولا يستخدمون وسائل تفريق مظاهرات، ولا يطلقون الغاز، وإنما يطلقون النار من رشاشات ثقيلة، قاذفات قنابل، قذائف هاون، ويتوقفون عن إطلاق النار بعد فتح المراكز ويعلم السكان أن بإمكانهم الاقتراب، نحن نتواصل معهم بواسطة النيران".
وواصل الجندي اعترافاته قائلا: "نطلق النار في الصباح الباكر إذا أراد أحد الوقوف في الطابور على بُعد مئات الأمتار، وأحيانا نهاجمهم من مسافة قريبة، لكن لا يوجد خطر على القوات، وأنا لا أعرف أي حالة تم فيها إطلاق نار من الجانب الآخر، لا يوجد عدو ولا سلاح، ونطلق على هذه العملية تسمية "عملية الفسيخ العسكرية".
واعترف جندي في قوات الاحتياط أن غزة لم تعد تهم أحدا، وتحولت إلى مكان مع قوانين خاصة به، وموت البشر أصبح لا شيء، وحتى ليس حادثا مؤسفا مثلما كانوا يقولون.
وكذلك أوردت الصحيفة العبرية اعتراف ضابط بالجيش الإسرائيلي، بأن السكان لا يعرفون موعد فتح مراكز توزيع المساعدات، قائلا :"لا أعرف من يتخذ القرار، لكننا نوجه أوامر للسكان ولا نطبقها أو أنها تتغير، وكانت هناك حالات في بداية الشهر التي قالوا فيها لنا إنهم أصدروا بيانات حول فتح المركز عند الظهر، وجاء السكان في ساعات الصباح الباكر من أجل أن يكونوا أول من يحصل على الطعام. ونتيجة أنهم جاؤوا مبكرا، تم إلغاء توزيع المساعدات في ذلك اليوم".

Trending Plus