ثورة «الشرع» تشعل نار الطائفية وتحول سوريا لمقتلة جنونية.. أين الراقصون على أنغام الفتح؟

ما يحدث فى سوريا، ليس أمرا مفاجئا، بل كان متوقعا، فقط وتيرة الأحداث المؤلمة كانت متسارعة، وأسرع من توقعات أكثر الخبراء والمراقبين والمتابعين تشاؤما، وأن سيادة سوريا صارت معروضة فى سوق الأطماع، ومنتخب عالم فى الإرهاب استقدم أعضاءه من كل حدب وصوب، وعشش فوق كل شبر من الأراضى السورية الأبية، وصارت المدن والقرى، مقتلة دامية مؤلمة لكل صاحب ضمير إنسانى، وفى ظل شعب تركيبته السكانية معقدة، ومن مَشيمات مختلفة ومتعددة، ما بين المسلمين السنة، والعلويين، والدروز، والمسيحيين بمختلف طوائفهم، مثل الروم الأرثوذكس، والروم الكاثوليك، والسريان الأرثوذكس، والسريان الكاثوليك، بجانب الأكراد، والدروز، والتركمان، والشركس، والإسماعيليين، واليزيدين والأشوريين والكلدانيين، علاوة على طوائف أخرى، وهو ما يزيد من تعقيدات الأمر!
وعندما وصل منتخب العالم للإرهاب إلى قصر الشعب فى دمشق، أقيمت الأفراح وليالى الملاح، ابتهاجا بهذا الحدث التاريخى، واعتباره نصرا وفتحا مبينا، فتحولت سوريا إلى قبلة كل الإرهابيين والمتطرفين من مختلف دول العالم، واعتبار دمشق نقطة انطلاق حقيقية فى إطار تنفيذ مشروع الخلافة الإسلامية، والمعلوم بالضرورة أن عقيدة كل الجماعات والتنظيمات التى تتخذ من الدين ستارا، قائمة على ضرورة النضال أولا فى بلاد الإسلام، وغض الطرف عن إعلان الجهاد ضد أعداء الأمة، لذلك بدأت العقيدة الفاسدة المرتكزة على تطهير سوريا من الأقليات المختلفة عقائديا، وتكفيرهم ويجب قتلهم والتنكيل بهم، وإخضاعهم، ورأينا مع بدء سيطرة هيئة تحرير الشام على الأوضاع وسقوط نظام بشار الأسد، كيف نكلوا بالعلماء والفنانين ورموز المجتمع السورى، ثم ارتكبوا مجازر يندى لها الجبين ضد العلويين فى مدن الساحل.
وكان تحرك منتخب العالم للإرهاب، خلال الأيام القليلة الماضية لتأديب الدروز واقتحام السويداء، ما دفع الحكومة الإسرائيلية للتدخل وتنفيذ هجمات ضد أهداف وحافلات تقل أعداد من المسلحين، ما أدى إلى اشتعال الموقف، وهنا وقفة، قبل إدانة استدعاء الدروز للإسرائيليين لنجدتهم، وهو خطأ، فإن على الجميع إدراك حقيقة واضحة، أن منتخب العالم للإرهاب ليسوا سوريين أيضا، بل من جنسيات وأعراق متعددة، ما رسخ شعورا داخل نفوس السوريين بكل طوائفهم، أن الوطن وطنهم، والأغراب جاءوا لطرهم والتنكيل بهم!
مقتلة مفتوحة فى سوريا، دون معايير أخلاقية أو إنسانية أو حتى وطنية، فى انفلات جنونى، وغياب تام للدولة، ومؤسساتها، وهى ضريبة باهظة، تدفعها الشعوب عندما تسير خلف سراب الشعارات والوعود الزائفة بجنة الحرية ونعيم الديمقراطية، وما حريتهم إلا خراب ودمار، وما ديمقراطيتهم، إلا قتل وتشريد وتكفير وانتقام، فلا يمكن أن يحدث تغييرا حقيقيا، والانتقال إلى واحة الحرية عبر دبابات وطائرات أمريكية وأوروبية وإسرائيلية وحتى من دول الإقليم، وأن كل الشعوب التى صدقت الوعود البراقة، دفعت أثمانا باهظة من أمنها واستقرارها، ومقتل خيرة أبنائها، وسلب ثرواتها ومقدراتها، وغروب شمس مستقبلها!
المفترض أن المسؤول عن إيقاف هذه المقتلة الجنونية فى سوريا هى الدولة بكل مؤسساتها، وفى القلب منها المؤسسات الأمنية، والسؤال الموجع: هل هناك دولة مؤسسات فى سوريا؟ والإجابة أكثر ألما ووجعا، فالجيش السورى فُكك وحُطمت أذرعه عندما مهدت الميلشيات المسلحة الطريق أمام إسرائيل ليدمر كل الآليات العسكرية، والمطارات والموانئ، ولم يعد هناك جيشا، وبالطبع تفككت أجهزة الأمن الداخلى ولم يعد لها وجود، وأصبحت الميليشيات بعقيدتها القتالية البدائية التخريبية، تسيطر، ولكن شتان الفارق بين المؤسسات الراسخة، المرتكزة على عقيدة نثر الأمن والأمان، والتعامل مع المواطن وفق القانون، وليس عرقه أو دينه، وبين عقيدة الميليشيات القائمة على التكفير والقتل باعتباره جهادا، وإثارة الفوضى.
سوريا دخلت النفق المظلم، وفُتحت جراح الطائفية المقيتة، السنة مع الدروز، والسنة مع العلويين، والسنة مع المسيحيين، والسنة مع الأكراد، فاشتعلت قضايا الثأر واشتعلت نيران الكراهية والبغض فى الصدور، ومحاولة لملمة الأمر، وتضميد الجراح، من الصعوبة بمكان تصل إلى درجة الاستحالة، فى ظل اتهامات واضحة وصارخة لمن يقطن قصر الشعب، بأنه لا يتصدى لأتباعه ويمنعهم من تنفيذ المقتلة والحرق والتخريب الممنهج!
وفى النهاية يبرز السؤال الجوهرى: أين الذين أقاموا الأفراح والليالى الملاح بسقوط نظام بشار، وانساقوا لترديد مصطلح السم القاتل «فتح سوريا» دون تفكير أو تدبير، رافعين منسوب الكراهية لنظام بشار الأسد، فوق منسوب الحرص والخوف على وطن إذا أُنتهكت سيادته، وتقطعت أوصاله لن تقوم له قائمة؟
الآن حل البكاء والنحيب محل الرقص والغناء والأفراح، و«ساح مكياج» الذين تصدروا المشهد السورى، وظهرت الوجوه على حقيقتها، ولم تفلح حيلة استبدال «الجلباب القصير» بـ«البذلة ورابطة العنق» فى الإقناع، لأن القناعات تترسخ من خلال الأفعال، لا الأقول!

Trending Plus