سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 20 يوليو 1951.. اغتيال الملك عبدالله الأول أثناء دخوله المسجد الأقصى لتأدية صلاة الجمعة وحراسه يقتلون قاتله الفلسطينى «مصطفى عشو» ومعه سر جريمته

توجه عاهل الأردن ومؤسسها الملك عبدالله كعادته إلى المسجد الأقصى للصلاة، وبينما كان يدخل المسجد من باب فيصل انطلقت رصاصة تسببت فى جرح مستدير فى أعلى عظم الوجه الأيمن، فحدث نزيف داخلى أدى إلى وفاته، فى يوم 20 يوليو، مثل هذا اليوم، 1951، حسبما يذكر برنامج «الجريمة السياسية.. اغتيال الملك عبد الله - فضائية الجزيرة».
كان الشيخ عبدالحميد السائح، وزير الأوقاف فى الأردن ورئيس المجلس الوطنى الفلسطينى «1984 - 1996» ضمن المرافقين للملك وقت دخوله المسجد، ويكشف فى مذكراته «لا صلاة تحت الحراب»، أن الملك سأله قبل أن يهم بدخول المسجد للصلاة: «إذا كان يجوز أن يصلى منتعلا حذاءه صلاة الجمعة، وكان يلبس بطا خفيفا، فأجابه الشيخ السائح: «لا مانع»، ما دفع الملك إلى التقدم على حراسه الذين انشغلوا بخلع أحذيتهم، فسهلت تلك الفرصة للقاتل إطلاق رصاصه على الملك الذى كان بعيدا عن حراسه.
كان الأمير حسين حفيد عبدالله - الذى أصبح ملك الأردن فيما بعد - مع جده، وقت ارتكاب الجريمة، وهو ما ترك أثره عليه طوال حياته، ويذكر الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل: «الرصاص المدوى والدم المسفوح على عتبات المسجد الأقصى، كان بداية وشم التاريخ بالحريق على لحم صبى هاشمى بدأ يواجه قدره ويستعد لدوره - ملكا على الأردن لمدة ستة وأربعين سنة».
أما القاتل فهو «مصطفى عشو» فلسطينى الجنسية ويعمل خياطا فى القدس، وله صلة بشخص من أنصار الحاج أمين الحسينى مفتى القدس يدعى عابد عكة، وأطلق حراس الملك عبدالله النار عليه فأردوه قتيلا مع سره، ما أدى إلى تشعب الاجتهادات حول الجهة التى تقف وراء هذه العملية، ويرصدها الدكتور محمد الأرناؤوط فى قراءته للأعمال الكاملة للمؤرخ الأردنى سليمان الموسى، قائلا، إن احدى هذه الاجتهادات اتهمت الضابط عبدالله التل، الذى كان مقيما فى مصر، ويوضح فى «جريدة المستقبل - بيروت - 20 سبتمبر 2016» أن هذا الاتهام استند على أن المسدس المستخدم فى الاغتيال كان مفتاحا للكشف عن شركاء القاتل حيث اعترفوا أن الدكتور موسى الحسينى، قريب الحاج أمين الحسينى الذى كان يرافقه فى ألمانيا هو من دفعهم إلى ذلك، وخلال التحقيق معه اعترف أن الضابط الأردنى المعارض المقيم فى القاهرة عبدالله التل شارك فى الإعداد لاغتيال الملك، ما وسع دائرة الاتهام باتجاه الحاج أمين الحسينى وعبدالله التل الذى كانت الصحافة المصرية تستفيد مما لديه لتشن حملات عنيفة ضد الملك.
أما الاجتهاد الآخر المرجح عند «الموسى»، فينطلق من أن الوثائق البريطانية تحتوى على ما يثير الاستغراب «لكون مكتب الشرق الأوسط البريطانى فى القاهرة قام بوضع تقرير من سبع صفحات، بعنوان «ردود الفعل المحتملة فى الشرق الأوسط فى حالة وفاة الملك عبدالله»، وأرسله إلى السفارة البريطانية فى عمان يوم 11 يوليو 1951، أى قبل اغتيال الملك عبدالله بتسعة أيام فقط»، ويستكمل «الموسى» بأن هذه الوثائق تكشف أيضا تقريرا للسفير البريطانى فى عمان إلى حكومته يوم 17 سبتمبر 1951 ينتهى فيه إلى التشكيك بمسؤولية الحاج أمين الحسينى عن الاغتيال أو اختيار قريبه موسى الحسينى، الذى كان على شىء من البلادة، ويشير «الموسى» إلى دور محتمل لزوجة موسى الحسينى النمساوية التى كانت لها ارتباطات مع دوائر الاستخبارات منذ أيام الحرب العالمية الثانية، ومن غير المستبعد أن يكون لها دور كبير فى تحريض زوجها وترتيب المؤامرة، وينتهى «الموسى» إلى القول: «على الرغم من الزلزال الذى أحدثه اغتيال الملك عبدالله، الذى لا تزال الجهة التى خططت له غامضة إلا أنه لم ينتج عنه أى تعديل أو تبديل فى مجرى السياسة العامة فى بلاد العرب عموما أو فى الأردن خصوصا».
ومن اللافت فى هذه الجريمة، ما تكشفه جولدا مائير عما دار بينها وبين الملك عبدالله فى أول لقاء سرى بينهما يوم 12 مايو 1948، وكانت تشغل رئيسة الدائرة السياسية بالوكالة اليهودية قبل أن تصبح رئيسة وزراء إسرائيل من عام 1969 إلى 1973، وتقول فى مذكراتها، ترجمة عزيز عزمى، إن الحديث بين مرافقها «دانين» أحد خبراء الوكالة اليهودية فى الشؤون العربية، وبين الملك عبدالله انتقل إلى مسألة أخرى وهى: «لامه دانين لعدم اتخاذ الاحتياطات الكافية، فقال له «إنك تصلى فى الجامع (المسجد الأقصى) وتسمح لرعاياك بتقبيل أطراف ردائك، فى يوم من الأيام سوف يلحق بك أحد الأشرار ضررا، لقد آن الآوان أن تمنع هذه العادة ولو على سبيل السلامة، رد عبدالله بجفاء: «لن أصبح أبدا سجينا لحراس، لقد ولدت بدويا، رجلا حرا، وسأبقى حرا، ودع أولئك الذين يريدون قتلى يفعلون ذلك، فلن أضع نفسى فى القيود».

Trending Plus