سوريا.. إلى أين؟

تطورات متلاحقة تشهدها سوريا خاصة بعد القصف الذي استهدف قلب دمشق، والذى يكشف عن لحظة انكشاف عميقة في زمنٍ تتغيّر فيه خرائط النفوذ وتُختبر فيه التوازنات الإقليمية، وبالتالى لا يمكن فهم ما يجري في سوريا اليوم من دون العودة إلى جغرافيا سوريا، وكيف كونت الرقعة التاريخية والجغرافية وحدة اقتصادية واجتماعية طوال قرون، تربط الداخل بالبادية، فضلا عن أن دمشق لا تزال العقدة التي لا يمكن تجاوزها، فهى بوابة المتوسط نحو العمق العربي، ونقطة العبور بين آسيا السياسية والمتوسط الاستراتيجي.
لذلك، فإن التحوّلات التي تشهدها سوريا كشفت عن خطوط تماس بين مشروعات لإعادة تشكيل الإقليم، كلاهم يضع سوريا في قلب المعادلة، وإن اختلفت الأدوات والخطاب، وبالتالي يجب الانتباه إلى هذه المشروعات خاصة المشروع الصهيوني، لأن إسرائيل تُقدَّم نفسها كشريك استراتيجي دائم، داخل بنية جديدة للإقليم، خاصة أن شرق سوريا، من درعا إلى السويداء والقنيطرة، مرورًا بالبادية حتى شرق الفرات، أصبح في نظر إسرائيل عمقًا حرجًا، لا بدّ من تفريغه من أي نفوذ أو وكلاء موالين لها.
بل الأخطر أن الجغرافيا السورية بالنسبة لتل أبيب لم تعد مجرّد مساحة متنازع عليها، بل شرط وجودي لضمان التوازن الجديد، ومن هنا، فإن أي اقتراب تركي، يعني تهديدًا مباشرًا لمنظومة التوازن التي تتصور شرق سوريا خارج نطاقه، ما يعنى أن تطوّر الأحداث في سوريا نحو مواجهة مفتوحة قد يُخرج الأطراف الإقليمية من الظلال إلى الضوء، فبدل التنافس الصامت على سوريا، سيُعلن كل طرف عن هدفه الحقيقى، وهذا يعنى تفجير الجغرافيا السورية من جديد، وانزلاق المنطقة كلها إلى صراعات تتجاوز حدودها، والأخطر أن جنوب سوريا قد يتحول إلى جنوب لبنان جديد، وشرقها إلى ساحة تصفية حسابات بين القوى الكبرى.
وأخيرا، نستطيع القول، إن مستقبل سوريا بعد قصف تل أبيب ليس كما قبله، خاصة أن الضربة الإسرائيلية التي هزّت قلب دمشق لم تكن ردًا ولا تحذيرًا، بل إعلان نهاية مرحلة الأهداف الخفية، وبداية لعبة مكشوفة تُرسم فيها الخطوط بالنار، ليكون الرهان، الحقيقى،هل يمكن أن يتخلص السوريون من هواجسهم الطائفية؟ أم السماح بدخول سوريا مرحلة تحكمها المصالح، وتُدار فيها الجغرافيا كغنيمة، والطوائف كادوات تشعل الصراع؟.. هذا ما ستكشفه الأيام المقبلة..

Trending Plus