الكوميديا السوداء لحسم والإخوان

شاب في الثلاثين من عمره في مقتبل حياته يستيقظ قبيل آذان الفجر ، فيتوضأ ويتجه إلى المسجد لأداء الصلاة بصحبة والده ، فتطاله رصاصات الغدر والإجرام، وهو يستعد لزفافه بعد عدة أسابيع وتحديداً في أكتوبر القادم ، هذا الشهيد الذي مات غدراً رجل مسلم مؤمن تقي ورع ، هو مثل كثيرين على أرض هذا الوطن يتجهون إلى الله منذ فجر يومهم وحتى منامهم ، هو ليس مأجور أو عميل مثل من قتلوه ، هو المهندس مصطفى عفيفي الذي يقطن في حي بولاق الدكرور في محافظة الجيزة بالقاهرة، وهو الذي راح ضحية لجماعة إجرامية تدّعي انتمائها وعملها من أجل الإسلام ومن أجل الوطن .
عادت هذه الجماعة مرة أخرى ، ( جماعة حسم ) بوجهها القبيح الذي أُزيح عن حياتنا منذ ست سنوات ، بعد أن عملت على قتل ضباط جيش وشرطة وقضاة ومفتي مصر السابق و مواطنين لا ذنب لهم سوى أن قدرهم قد ساقهم لبؤر تلك العمليات الإجرامية . مثل هذه الجماعات الهزيلة والمحاولات الإرهابية لن تتوقف أبدا عن تخريب هذا البلد ، وعن ضرب أي شيء أو أي أحد حتى تثير الخوف والذعر مرة أخرى ، وهذا أمر عادي . ولا أعتقد أن محاولاتها قد توقفت منذ عام ٢٠١٩ ، لكنها مجرد محاولات لا تكتمل وربما لا تحدث من الأساس ، فالحقيقة أن منظومة الأمن الوطني في مصر قد حققت نجاحا كبيرا لسنوات عديدة جعلت البعض يعتقد أن هذه الجماعات قد تبخرت .
لكن طالما بقيت دول مجاورة لنا غير مستقرة وغير آمنة ، فهذا يعني أننا محاطون بالأخطار ، ومن المؤكد أن كل هذا وغيره ليس بعيداً عن أعين المؤسسات السيادية والأمنية المصرية ، لكن ما يهمني هنا هو أبناء الوطن الذين عليهم ألا ينسوا ولا يأمنوا ، ويظلون على يقظة تامة ، فمن الواضح أن موجة استهداف مصر قد عادت من جديد، وأن هؤلاء المجرمين الذين يتخذون من دول الجوار أوكارا لهم ليس الأمر واقفاً عليهم ، بل هم مجرد أدوات لقوى الشر ، هذه القوى هي التي صنعتهم من البداية، وأمدتهم بالمال والسلاح لتجعل منهم شوكة جديدة في ظهر
هذا كله ليس بجديد علينا ، وهذا أيضا لن ينتهي طالما بقيت مصر آمنة مستقرة ، وطالما بقي هناك حاقدون على استقرارها وأمنها ، وبقيت أياد مأجورة ، وهي مجرد ذيول هزيلة، وهذا واضح من الڤيديو الكوميدي الذي بثته تلك الجماعة والذي يثير الضحك والسخرية أكثر مما يثير القلق ، فليس به سوى عدة عناصر لا يتجاوزون أصابع اليدين، بل ربما اليد الواحدة ، وقد رفعوا علم الجماعة من قطعة قماش بالية كتلك التي نطلق عليها ( خرقة ) وزوايا كاميرا تحيرت يمينا ويسارا لتوحي بسلاح وعتاد من المؤكد أن خُط الصعيد رحمه الله كان يملك أكثر منه ، ولتوحي أيضا بجبل كبير لكنه لم يتمخض عنه سوى فأر صغير ضئيل . حتى السلاح الذي ضبطته الأجهزة الأمنية عند مداهمتها لوكر الإرهابيين ينم عن إمكانات شديدة الفقر لكنها في النهاية تقتل أبرياء لا ذنب لهم مثل الشهيد مصطفى.
كما أن البيان الذي أصدرته على الفور جماعة الإخوان بأن أوان التغيير لا جدال فيه هو أيضا فقرة تندرج تحت الكوميديا السوداء، بعد أن فشلوا وضاعوا وتشتتوا في بلاد الدنيا ، وبعد أن لفظهم المصريون ورفضوا عودتهم أو أي محاولة من قريب أو بعيد للتصالح، أو العودة إلى صفوف الشعب ، فلمن يصدرون إذن هذا البيان ، وقد انقسموا هم أنفسهم على بعضهم البعض .
رحم الله الشهيد المهندس مصطفى عفيفي ومن سبقوه على يد هذه الجماعة وغيرها من الجماعات، وألهم الشعب المصري الوعي واليقظة الدائمة لحماية وطن يتمتع بثروة هائلة لا تتوفر لكثير ممن حوله ، وهي الأمن والاستقرار .

Trending Plus