تكنولوجيا الأغذية محذرة من الاستهلاك المفرط للسكر: من أخطر التحديات الصحية.. ودراسات تؤكد: 40% من المصريين يعانون من الوزن الزائد.. وارتفاع معدلات الإصابة بمرض السكرى من النوع الثانى إلى مستويات مقلقة

تعد صناعة السكر من الصناعات الإستراتيجية فى العديد من الدول، لما تمثله من أهمية اقتصادية، إذ تساهم فى دعم الناتج المحلى وتوفير فرص العمل بالإضافة لدورة المحورى فى الصناعات الغذائية.
ويدخل السكر كمكون رئيسى فى العديد من المنتجات وفى ظل ما يشهده النظام الغذائى العالمى من تغيرات متسارعة فى العادات وأنماط الاستهلاك، أصبح من الواضح أن السكر كمكون غذائى حاضر بكثرة فى المنتجات المصنعة والمشروبات المحلاة وتحول من عنصر مكمل إلى سبب رئيسى مؤرق للصحة العامة.
قال الدكتور أسامة الشيخ الباحث بمعهد بحوث تكنولوجيا الأغذية أن السكر من العناصر الأساسية فى النظام الغذائى للعديد من المصريين، حيث يدخل فى مختلف أنواع الأغذية والمشروبات التقليدية ورغم هذا الدور الحيوى، فإن الإرتفاع المفرط فى استهلاكه، ويعد من أخطر التحديات الصحية خلال العقود الأخيرة التى تواجه المجتمع المصرى، لما له من آثار سلبية مباشرة واسعة النطاق على الصحة العامة شملت تفشى الأمراض المزمنة مثل السكرى والسمنة وتسوس الأسنان وزيادة مستويات الدهون الثلاثية مما يزيد من خطر أمراض القلب وبالتالى زيادة الضغط على أنظمة الرعاية الصحية وتراجع جودة الحياة فى المجتمعات، لذا فإن ترشيد إستهلاك السكر لم يعد خياراً فردياً بل أصبح ضرورة وطنية تستدعى تدخلاً شاملاً من الدولة والمجتمع على حد سواء.
ومع هذه التحديات الصحية، أصبح من الضرورى العمل على ترشيد وتقنين استهلاك السكر، ليس فقط من خلال التوعية الفردية، بل من خلال تبنى سياسات عامة وتشجيع الصناعات الغذائية على استخدام بدائل صحية.
لماذا أصبح الترشيد ضرورة ؟
التغير فى نمط الحياة حيث أصبح كثير من الأفراد يعتمدون على الوجبات السريعة والمشروبات المحلاة، ما زاد من استهلاكهم اليومى للسكر بشكل غير واعٍ.
قلة النشاط البدنى مع نمط حياة أقل حركة بسبب التكنولوجيا والعمل المكتبى يؤدى إلى زيادة خطر تراكم السعرات الحرارية من السكر دون حرقها، مما يؤدى إلى السمنة والمشاكل الصحية.
السكر المخفى فالعديد من المنتجات الغذائية حتى التى لا تبدو حلوة المذاق تحتوى على كميات كبيرة من السكر المضاف مثل الصلصات، "الزبادى، رقائق الإفطار"
وتشير الإحصائيات إلى أن متوسط استهلاك الفرد للسكر فى مصر يتجاوز الحد الموصى به من قبل منظمة الصحة العالمية، وهو 25 جراماً يومياً وترتبط هذه النسب المرتفعة بانتشار المنتجات المصنعة عالية السكر، خاصة بين الأطفال والشباب. وكنتيجة لذلك إرتفعت معدلات السمنة بشكل ملحوظ، حيث أظهرت بعض الدراسات أن حوالى 40% من المصريين يعانون من الوزن الزائد أو السمنة، بينما ارتفعت معدلات الإصابة بمرض السكرى من النوع الثانى إلى مستويات مقلقة.
السكر من منظور إقتصادى وسيكولوجى
أوضح الشيخ أنه من المفارقة بين صناعة حيوية ومنتج مؤرق حينما يحيد استهلاكه عن الحدود المنضبطة فالسكر منتج اقتصادى مهم لكنه فى نفس الوقت، سبب رئيسى للأمراض المرتبطة بنمط الحياة وعند النظر باعتبارات اقتصادية (المنشآت الغذائية) فإن السكر أحد أرخص المكونات المستخدمة فى الصناعات الغذائية، فهو رخيص وسهل التوظيف فى المنتجات ويُستخدم لتعزيز الطعم وزيادة الإقبال على المنتجات بأقل تكلفة فى حين استخدام بدائل السكر مثل (العسل، ستيفيا، سكر جوز الهند) أعلى تكلفة وقد تقلل من هامش الربح كما أن هناك ترددا اقتصاديا وتجاريا فى التخلى عن السكر خوفاً من فقدان المستهلكين المعتادين على مذاق مُعين.
أما المنظور السيكولوجى وهو المعنى بالمستهلك فالسكر يُلبى رغبات المستهلكين فى الطعم الحلو، ويؤثر فى مراكز المتعة بالمخ، مما يعزز التعلق النفسى به، كما أن الإعتياد علية يُنشئ ما يشبه “الإدمان الخفيف”، ما يجعل تقليل الحلاوة صعباً دون بدائل تدريجية بجانب أن الكثير من المستهلكين لا يميزون بين السكر الطبيعى والمضاف، مما يصعّب جهود التوعية.
أضاف أن إتباع نظام غذائى متوازن ( الحصول على المواد الغذائية التى يتناولها الفرد بصورة متكاملة ومتنوعة وبكميات ملائمة ) متوافق مع كلاً من ثقافة إستهلاكية وعادات غذائية صحية وإيجابية مع تحقيق مبدأ عدم الإسراف يضمن تحقيق نمط حياة صحى وجودة حياة متميزة , فالله سبحانه وتعالى أمر عباده بالأكل والشرب دون إسراف، وهو توجيه ربانى يجمع بين تلبية الحاجات الجسدية والالتزام بضوابط صحية وأخلاقية ومن أبرز صور الإسراف فى عصرنا الحالى الإفراط فى إستهلاك السكر، سواء فى الأغذية المصنعة أو المشروبات المحلاة، مما يؤدى إلى أضرار صحية متعددة – لذلك فإن ترشيد استهلاك السكر ليس مجرد قرار صحى فردى، بل هو تطبيق عملى لقيم دينية وثقافية تدعو إلى الإعتدال والوعى الاستهلاكى، مما ينعكس إيجاباً على صحة الفرد والمجتمع كما أن تبنى عادات غذائية صحية وترشيد إستهلاك السكر لا يعنى الحرمان، بل هو أسلوب حياة يحقق التوازن، ويمنح الجسم طاقة وصحة على المدى الطويل كما أن التوعية والإلتزام هما مفتاح النجاح فى هذا المجال.
وأوضح أن ترشيد استهلاك السكر لم يعد خياراً رفاهياً أو سلوكًاً فردياً فقط، بل هو ضرورة صحية ومجتمعية تفرضها التحديات التى نعيشها فى ظل نمط الحياة الحديث، ويُعد خطوة أساسية نحو بناء مجتمع أكثر وعياً وصحة – أن حل معضلة استهلاك السكر أو ترشيدة لا يمكن أن يكون مجرد دعوة صحية منعزلة، بل هو قضية معقدة تتطلب فهماً دقيقاً لتشابك العوامل الاقتصادية، النفسية، والتجارية وتحتاج لإجراء بحثاً عميقاً وفحصاً دقيقاً لأبعاد الصناعة وتأثيراتها الاقتصادية مع إجراء تقييماً علمياً لطبيعة الإستهلاك المحلى والعالمى، مع ضرورة إجراء موازنة ذكية ودقيقة لاستدامة صناعة السكر والحفاظ على صحة المجتمع بترشيد إستهلاكه دون الإضرار بالصناعة مع تحقيق الربح ورضا المستهلك وتتمثل الموازنة فى إجراء النقاط التالية:
تحفيز الإنتاج المسئول مع تنفيذ إستراتيجية صناعية تدريجية تتمثل فى تقليل نسبة السكر فى المنتجات بشكل تدريجى دون التأثير المباشر على الطعم، مع إمكانية إستخدام مزيج من السكر وبدائل طبيعية لتحقيق توازن اقتصادى وصحى ودعم الأبحاث فى مجال المحليات الطبيعية والبدائل الصحية.
تنويع استخدامات السكر فى الصناعة وإستثماره فى صناعات أخرى مثل الوقود الحيوى أو الصناعات الكيميائية، للحد من الضغط على قطاع الأغذية.
تعزيز ثقافة ” المنتج الصحي” بالعمل على تحويل الوعى الغذائى إلى ميزة تسويقية فالمستهلك اليوم أكثر وعيًا ومستعد لدفع المزيد مقابل منتج صحى.
سن سياسات تنظيمية ذكية تتمثل فى دعم حكومى وتشريعى تضمن فرض ضرائب على المنتجات مرتفعة السكر مع وضع حدود لنسب السكر المضاف فى الأغذية خاصة الموجهة للأطفال مع منح حوافز ضريبية للمنتجات قليلة السكر أو الخالية منه.
التوعية المجتمعية من منظور وطنى مع توجيه حملات تثقيفية لا تهاجم صناعة السكر، بل توازن بين دورها وضرورة تقنين الإستهلاك مع وضع برامج توعية سيكولوجية وتذوقية تتضمن تدريب الذوق العام على تقبل مستويات أقل من الحلاوة وتشجيع الأطفال من الصغر على الاعتياد على بدائل طبيعية.
وأكد أن ترشيد استهلاك السكر فى ظل كونه صناعة إستراتيجية هو تحدٍ وطنى ومجتمعى يتطلب تعاوناً بين الجهات البحثية والصحية والرقابية والقطاع الصناعى والمستهلكين أنفسهم ( تقليل كمية السكر فى المشروبات اليومية، إستبدال الحلويات الصناعية بالفواكه الطبيعية، إختيار منتجات منخفضة أو خالية من السكر المضاف وقراءة مكونات المنتجات قبل شرائها – تغيير الذوق العام بالتقليل التدريجى من الحلاوة ودعم استخدام المحليات الطبيعية والبدائل الصحية فى الصناعات الغذائية – كذلك، يجب على الأمهات والآباء الانتباه إلى العادات الغذائية لأطفالهم، وتقديم نماذج صحية جيدة) أن ترشيد إستهلاك السكر ليس صراعاً بين الإقتصاد والصحة، بل فرصة لتحقيق التوازن الذكى بين الإنتاج المستدام والاستهلاك الآمن.

Trending Plus