سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 21 يوليو 1968.. ثروت عكاشة وزير الثقافة يسلم أم كلثوم جائزة الدولة التقديرية بعد تدخل عبدالناصر لوقف رفض منحها طوال تسع سنوات بحجة أنها «مؤدية وليست مؤلفة»

توجه الدكتور ثروت عكاشة، وزير الثقافة، ومعه الكاتب يوسف السباعى، وكيل وزارة الثقافة، إلى فيلا سيدة الغناء العربى أم كلثوم، يوم 21 يوليو، مثل هذا اليوم، 1968، لتسليمها جائزة الدولة التقديرية فى الفنون، حسبما تذكر جريدة «الأهرام» فى صفحتها الأخيرة يوم 22 يوليو 1968.
كانت الجائزة عبارة عن «ميدالية ذهبية» عليها اسم أم كلثوم، بالإضافة إلى 2500 جنيه مصرى، ووفقا للأهرام، فإن المقابلة استمرت نصف ساعة، وأعلنت سيدة الغناء العربى عن تبرعها بمبلغ الجائزة إلى صندوق معاشات الفنانين، وخلال المقابلة ألقى «عكاشة» كلمة قال فيها: «إن الدولة تفخر بأن تقدم هذه الجائزة إلى الفنانة الكبيرة أم كلثوم، وأن هذا ليس تقديرا لما تقدمه من ألوان الجمال فقط، ولكنه أيضا لما تقوم به من دور وطنى حقيقى يعد نموذجا لما ينبغى أن يقدمه كل فنان»، وتزامن تبرع أم كلثوم بالمبلغ لصندوق معاشات الفنانين، بالإضافة إلى إشادة «عكاشة» بدورها الوطنى مع نشاطها فى حفلاتها الداخلية والخارجية لصالح المجهود الحربى والذى بدأته بعد هزيمة 5 يونيو 1967.
بعد كلمة «عكاشة» تكلمت أم كلثوم قائلة: «إن لسانى يعجز عن شكر الدولة لهذا التقدير الذى لا أستحقه، وإننى أدعو الله أن يوفق الرئيس لما فيه خير بلدنا، كما أعبر عن شكرى للدكتور ثروت عكاشة الذى رشحنى لهذه الجائزة، كما أشكر يوسف السباعى».
لم يكن حصول «أم كلثوم» على هذه الجائزة أمرا سهلا بالرغم من تربعها على عرش الغناء العربى، وإنما شهدت عملية ترشيحها مؤيدين ومعارضين، واستمر الأمر منذ عام 1959 أى تسع سنوات كاملة، حتى تدخل الرئيس جمال عبدالناصر، حسبما يذكر الكاتب سعد الدين وهبة فى كتابه «أم كلثوم» الصادر عن «الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما، بمناسبة مهرجان الإسكندرية السينمائى الدولى سبتمبر 1999».
يكشف سعد الدين وهبة، القصة كاملة، قائلا: «فى عام 1959 رشحتها اللجنة الموسيقية العليا لجائزة الدولة، وقالت فى مبررات الترشيح: إنها تقوم بأعمال فنية ممتازة من حيث التوجيه الفنى والأداء الذى انفردت به، بما يضفى عليه قوة فى التعبير والابتكار ويجعل من تصرفها فيه لونا من التأليف بالغ الأثر فى استكمال التأليف الأصلى، وقد رفعت أم كلثوم المستوى الفنى وساهمت بأكبر نصيب فى نهضة الموسيقى العربية وتطويرها مع المحافظة على طابعها، مؤدية بذلك الخدمة الكبرى للقومية العربية عامة، وبلادها خاصة، وهى إذ تقوم بأداء هذه الرسالة الكريمة منذ حقبة طويلة من الزمن، جاهدة فى نشرها وعرضها وتنفيذها، فإنها قد نجحت النجاح الأوفى الذى يجعلها جديرة بأن تتوج جهودها بهذا التقدير السامى».
بالرغم مما ذكرته «اللجنة الموسيقية العليا» من مبررات لترشيحها أم كلثوم، إلا أنها لم تكن مقبولة من لجنة أخرى، يكشف عنها سعد الدين وهبة، قائلا: «اللجنة الخاصة التى تراجع الترشيحات داخل المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية وكانت برئاسة الدكتور حسين فوزى «عالم البحار والأديب والرحالة»، رفضت منح أم كلثوم الجائزة لأنها مؤدية وليست مؤلفة»، ويعلق وهبة على ذلك قائلا: «يبدو أن هذا الرأى كان معروفا ومتداولا مقدما، ولذلك كانت اللجنة الموسيقية العليا حريصة فى تقريرها على أن تثبت أن أداء أم كلثوم يجعل من تصرفها لونا من التأليف بالغ الأثر فى استكمال التأليف الأصلى».
يؤكد «وهبة»، أنه على الرغم من ذلك لم تمنح أم كلثوم جائزة الدولة التقديرية إلا فى عام 1968، بعد تدخل الرئيس الراحل جمال عبدالناصر شخصيا ودهشته الشديدة مما سمعه عن رأى المسؤولين عن الموسيقى فى المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، من أن أم كلثوم لا تستحق جائزة الدولة التقديرية لأنها مؤدية وليست مؤلفة.
يكشف «وهبة»، أن اللجنة اجتمعت فى عام 1968 برئاسة توفيق الحكيم، وقالت فى تقريرها: «قدمت أم كلثوم إلى الدولة فى جميع المناسبات القومية صورة من تفاعل الفن وتجاوبه مع الأحداث الكبيرة، وأشاعت التذوق الجمالى عن طريق اللحن والنغم بصوتها الفريد، الأمر الذى فرض نفسه فنيا على جميع المستويات المحلية والعربية، فاستطاعت أن تضيف إلى التاريخ الفنى مدرسة تعتمد على صفات لها قيمة استمرار التراث الفنى، وفى الوقت نفسه بعيدة عن التجمد، ما أعطاها التطوير الحى المستمر».
يعلق «وهبة» على ما جاء فى التقرير الجديد، قائلا: «واضح من تقرير لجنة توفيق الحكيم أنها تحاول أن تعتمد فى قرارها لاستحقاق أم كلثوم جائزة الدولة التقديرية، على أسباب سياسية وثقافية وليست فنية، فهى تتجاوب مع «الأحداث القومية» وهى «تشيع التذوق الجمالى» وهى «تضيف إلى التاريخ الفنى مدرسة تعتمد على صفات لها قيمة استمرار التراث الفنى، بعيدة عن التجمد».

Trending Plus