صيف ملتهب يشعل أوروبا.. مكيفات الهواء تتحول إلى سلاح بيئى مدمر يبرد الأجساد ويحرق الكوكب.. المدن الساحلية تغلق شواطئها بسبب ارتفاع درجات الحرارة وانتشار البكتيريا القاتلة.. والطقس السيئ يزيد من خسائر الاقتصاد

فى شوارع باريس، ميلانو ومدريد، يركض الناس بحثًا عن ملجأ من حرٍّ غير مسبوق. الحرارة تلامس الـ 45 مئوية فى بعض المناطق، والمكيّفات تعمل بلا توقف، فيما تنفث ملايين الأطنان من ثانى أكسيد الكربون فى الجو. أوروبا، التى لم تكن معتادة على صيف لاهب بهذا الشكل، وجدت نفسها فجأة فى قلب أزمة مزدوجة: "صحية، واقتصادية، وبيئية".
ومع تزايد الاعتماد على التكييف، تتفاقم أزمة المناخ التى كان يُفترض أن تُخففها السياسات الأوروبية الخضراء. مكيفات الهواء التى تبرّد البيوت والمكاتب، ترفع استهلاك الطاقة بشكل جنونى، وتُضيف عبئًا جديدًا إلى شبكة الكهرباء التى أصبحت مهددة بالانهيار.
وفى مشهد صادم، أُجبرت مدن ساحلية على إغلاق شواطئها فى ذروة الصيف، ليس فقط بسبب الحر، بل بسبب تفشى بكتيريا قاتلة مرتبطة بارتفاع درجات المياه وتلوثها. المواطنون محاصرون بين حرارة قاتلة، وهواء ملوث، وشواطئ غير آمنة.
فكيف تحولت "أجهزة التبريد إلى قنابل كربونية صامتة؟ ولماذا تتجه أوروبا نحو صيف دائم بتكلفة باهظة على الصحة والاقتصاد؟ وهل تستطيع القارة العجوز التكيّف قبل فوات الأوان؟
ووفقًا لبيانات جديدة نشرتها يوروستات فإن إيطاليا تعد أكبر مستهلك للكهرباء المستخدمة فى أجهزة التكييف على مستوى الاتحاد الأوروبى، حيث تمثل حوالى ثلث إجمالى الاستهلاك، البالغ أكثر من 60 ألف تيراجول بمعدل يصل إلى 23 ألف تيراجول سنويا، وفقا لصحيفة اكسبريس الإيطالية.
وتعرضت إيطاليا خلال السنوات الأخيرة لموجات حر شديدة، وصلت درجات الحرارة فيها إلى 48 درجة مئوية، فى مناطق مثل صقلية وسردينيا كما أن البلاد تضم أكبر نسبة من كبار السن فى أوروبا، ما يجعل سكانها أكثر عرضة لمخاطر الحرارة المرتفعة ويفسر الاعتماد الكبير على التبريد، وهذه الأسباب تجعل إيطاليا فى المقدمة من حيث استهلاك مكيفات الهواء
ويأتى بعد إيطاليا، اليونان، فى المرتبة الثانية على الرغم من صغر حجمها، حيث استهلكت أكثر من 8000 تيراجول سنويا، تليها فرنسا ثم إسبانيا وألمانيا، أما فى منطقة البلقان، فجاءت ألبانيا فى المركز السابع باستهلاك بلغ نحو 1,931 تيراجول، بينما احتلت كوسوفو المركز الثانى عشر باستهلاك بلغ 1,208 تيراجول.
وأشارت صحيفة "انفورماثيون" الإسبانية فى تقرير لها إلى أن باحثين من جامعة فينيسيا وجامعة بوسطن، حذروا من تزايد الطلب على تكييفات الهواء وتأثيره على تغير المناخ خاصة أنه مع استهلاكه يتزايد معدل الكهرباء وأيضا تصدر ملايين الأطنان من الكربون.
درس الباحثون حالة أوروبا، وأكدوا فى دراستهم أن انبعاثات أوروبا تزداد بمقدار 10 ملايين طن من ثانى أكسيد الكربون من الآن وحتى عام 2050، وستكون الزيادة فى الهند أعلى بكثير، لتصل إلى 120 مليون طن فى الـ 28 عامًا القادمة.
وتعتبر تكييفات الهواء مسؤولة عن 20% من الكهرباء فى المبانى، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية فإنه نطرا لارتفاع أسعار الطاقة فى الوقت الحالى بسبب استمرار الحرب فى أوكرانيا، فإنها تمثل أيضًا تحديًا للطاقة، لسوء الحظ، فى مواجهة الحرارة الشديدة، أصبحت مكيفات الهواء ضرورة أكثر من كونها رفاهية.
خسائر اقتصادية فادحة
تتكبد الدول الأوروبية المزيد من الخسائر الاقتصادية مع اشتداد الحرارة عامًا بعد عام، حيث لا تقتصر تأثيرات التغير المناخى على البيئة فحسب، بل باتت تمس الاقتصاد بشكل مباشر، وأظهرت دراسات حديثة أن موجات الحر المتكررة تؤدى إلى انخفاض فى الناتج المحلى الإجمالى (GDPوتراجع واضح فى إنتاجية العمل، خصوصًا فى جنوب القارة.
وفقًا لتقرير "حالة المناخ فى أوروبا"، فإن القارة العجوز تشهد أسرع وتيرة ارتفاع فى درجات الحرارة عالميًا حيث تضاعف معدل ارتفاع الحرارة فيها مقارنة بالمعدل العالمى منذ الثمانينيات، وسجّل العام الماضى أعلى درجات حرارة فى تاريخ أوروبا والعالم منذ عام 1850.
الخسائر الاقتصادية بسبب الحرارة تتجاوز 1% من الناتج الأوروبى
وأشارت صحيفة 20 مينوتوس الإسبانية إلى أن الخسائر الاقتصادية تتجاوز 1% من الناتج الأوروبى، وفى حال عدم اتخاذ تدابير جديدة للحد من آثار الحرارة، يتوقع الباحثون أن ترتفع هذه الخسائر تدريجيًا، حيث تعد الدول الجنوبية هى الأكثر تضررا، من قبرص وكرواتيا والبرتغال ومالطا، وإسبانيا ورومانيا، مع خسائر فادحة قد تتجاوز 2.5% من الناتج المحلى بحلول 2055، وأيضا اليونان وإيطاليا مع خسائر متوقعة 2.17%.
أما المملكة المتحدة من أيرلندا والدنمارك وهولندا وبلجيكا، فتعد هذه الدول من الأقل تأثرا، حيث لا تتجاوز الخسائر فيها 0.5%، حتى فى أسوأ السيناريوهات المستقبلية. لكن مع ذلك، تُظهر جميع الدول الأوروبية، بما فيها الشمالية ارتفاع استهلاك مكيفات الهواء فى أوروبا بسبب الحر يثير القلق.. إيطاليا تتصدر القائمة
بكتيريا تغلق الشوارع رغم الحر
ورغم الحر، أطلقت السلطات الصحية فى عدد من الدول الأوروبية تحذيرات من مخاطر صحية متزايدة ناجمة عن انتشار بكتيريا خطيرة تنمو فى المياه الدافئة وقليلة الملوحة، كما حدث مؤخرًا فى فالنسيا، بإسبانيا، حيث أُغلقت ثلاثة شواطئ هذا الصيف.
وأفاد المركز الأوروبى للوقاية من الأمراض ومكافحتها (ECDC) بأن بكتيريا "فيبرو" أو "الضمة"، التى كانت فى السابق تُرصد بشكل أساسى فى بحر البلطيق، باتت تُسجل فى مناطق أخرى من أوروبا نتيجة ارتفاع درجات حرارة مياه البحر، وأصبحت تثير حالة من الذعر بعد أن تسببت فى إغلاق عدد من الشواطئ، وفقا لصحيفة لابانجورديا الإسبانية.
وأوضح المركز أن هذه البكتيريا تعيش فى المياه الساحلية التى تمتزج فيها المياه العذبة بالمالحة، خاصة عندما تكون درجة الحرارة مرتفعة ومستوى الملوحة منخفضًا. كما أشار إلى أن ظهورها فى مناطق جديدة يعود إلى تأثيرات التغير المناخى.
وتُسبب بكتيريا الضمة مرضًا يُعرف بـ"داء الضمة"، وهو مرض قد يكون خطيرًا، إذ يمكن أن يُصاب به الإنسان عن طريق تناول محار نيء أو غير مطبوخ جيدًا، أو من خلال السباحة فى مياه ملوثة أثناء وجود جرح مفتوح. وتزداد خطورة العدوى لدى من يعانون من ضعف فى جهاز المناعة أو أمراض الكبد، حيث قد تؤدى المضاعفات إلى التهابات شديدة، تعفن فى الدم، أو حتى بتر الأطراف.

Trending Plus