هبة مصطفى تكتب: بداية وطن لا يُهزم

إذا قُيّدت الصلاحيات، فلا قيمة للمهارات ولْيَكن في إنصاف الكفاءات، نهضةٌ لا تنتهي ففي عالمٍ تتسابق فيه المؤسسات لاستقطاب الكفاءات وتطوير المهارات، تبرز تساؤلات جوهرية:
ما جدوى المهارة إذا لم تُمنح مساحة تُترجمها إلى إنجاز؟وهل يُمكن لعقلٍ مبدع أن يبتكر داخل صندوقٍ مغلق بإحكام؟وهل تُثمر الموهبة في بيئة تُقيد حرية التصرف؟
نعم، عزيزي القارئ، فلا قيمة للمهارات إن لم تُصاحبها صلاحيات حقيقية تُفعلها وتحولها إلى نتائج ملموسة.فأعظم العقول تُصاب بالشلل حين تُحاصرها القيود، وأمهر الأيدي تُكبّل إن مُنعت من اتخاذ القرار. الصلاحيات ليست رفاهية، بل ضرورة تمكينية تُحيي المهارات وتمنحها الحياة.
ليس بالحب المشروط تُبنى الأوطان، ولا تُشيّد صروح النجاح، ولا تسير عجلة العمل.وكما قال الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “لستُ بالخبّ، ولا الخبّ يخدعني”، في إشارة إلى أهمية الجمع بين الذكاء والقدرة على الفعل، لا الذكاء المعطّل.
يرى مفكرون معاصرون أن الإبداع لا ينمو في بيئة سلطوية، بل في بيئة تتسم بالثقة وتوزيع الصلاحيات.
ولذلك نقول:
سيدي المسؤول، المهارة لا تنبت ولا تُثمر إلا في بيئة تؤمن بالثقة الحقيقية، للصالح العام، لا لمصلحة فرد على حساب طموحات الآخرين.
بيئة تتوفر فيها أدوات التأثير، ومساحة اتخاذ القرار.
فإذا قُيّدت الصلاحيات، مات الإبداع اختناقًا، ولم يبقَ من المهارات إلا شهادات معلقة على الجدران، دفعت الدولة تكلفتها، وبذل الفرد جهدًا للحصول عليها، لكنه خسر أحلامه وطموحه وحُرم من خدمة مجتمعه بها.
ثم نتساءل:
لماذا هاجرت الكفاءات؟
لأنها لم تجد في أوطانها سوى الإقصاء، والتجاهل، وإصرار البعض على إحياء “الخيول الميتة”، في محاولات عقيمة لإدامة الوجود الباهت على حساب الكفاءة الحقيقية.لا تتعجب، سيدي، من نقص الانتماء، ومن تغلب المصلحة الخاصة على العامة،
ولا من إهانة ذوي الخبرات، والاستعانة بأرباب المظاهر والميول الاستعراضية.
والسؤال هنا، عزيزي القارئ:
من يُصدّق البهلوان، ويلبسه ثوب الأسد؟
الجواب جاء منذ قرون على لسان الإمام الشافعي:
"ومن لم يذق مُرّ التعلمِ ساعةً، تجرّع ذُلّ الجهلِ طولَ حياتهِ.”في كل زاوية من هذا الوطن، تقبع طاقات بشرية مبدعة، وقلوب نابضة بالإخلاص والعطاء، لكنها وللأسف مهمّشة، منسية، موؤودة قبل أن تبصر النور.
كفاءات علمية، ومهنية، وفكرية، ما بين أكاديميٍ ضائع في طابور التعيين، ومخترعٍ مطمور في دهاليز الروتين، ومثقفٍ يصرخ ولا يسمعه أحد.
والسؤال المؤلم:
لماذا يُهمَّش المبدعون؟هل لأنهم لا يجيدون فن “المجاملات”؟أم لأنهم لم يسيروا في ركب المصالح؟
أم لأن ضمائرهم لم تسمح لهم بأن يكونوا “أدوات” في يد المنتفعين؟
إننا – للأسف – نعيش أحيانًا واقعًا لا يُقاس بالكفاءة، بل بالأهواء، حيث يُقصى المستحق، ويُقرّب من لا يستحق، فيختل الميزان، ويضيع الوطن قبل أن يضيع الأفراد.
نداء من قلب الوطن.. إلى من يهمه الأمر.
لقد أنقذت الوطن من أخطار عظيمة، وحققت إنجازات يشهد بها العدو قبل الصديق.
فهلّا التفتَّ إلى كفاءاتنا المهمّشة، تلك التي أُجبرت على الانزواء، أو اختارت الصمت لتفادي التصادم، وتأمين لقمة العيش؟
نرجوك – من قلب الوطن – أن تُشكّل لجانًا محايدة، تُنصت لكل عقلٍ مبدع، ولكل يدٍ قادرة، ولكل حلمٍ ضائع…لسنا أصحاب مصالح، ولا طلاب مناصب، نحن أبناء هذا الوطن، نريده كما أردته دائمًا: قويًّا، عادلًا، منصفًا لأبنائه. نحن لا نطلب سوى نافذة نور.
فرصة حقيقية نُثبت بها أننا كنا على استعداد دائم، وأننا قادرون على إحياء ما ظنه البعض قد مات.
ولْيَكن في إنصاف الكفاءات، نهضةٌ لا تنتهي.. من وطنٍ تحمّلنا الكثير لأجله.

Trending Plus