ما الذى فعله الوزير محمد عبد اللطيف فى طلاب الثانوية العامة؟.. (الإدارة أهم من الفلوس) فى السيطرة على تحديات التعليم فى مصر

خالد صلاح
خالد صلاح
بقلم : خالد صلاح

حفظت عن ظهر قلب كل ما يقوله وزراء التعليم فى مصر عن خطط التطوير للثانوية العامة، والقضاء على الدروس الخصوصية، واستعادة هيبة المعلم والمدرسة، وإنهاء مأساة التكدس فى الفصول، ويكاد كل من التقيتهم منذ نهاية الثمانينيات وحتى اليوم كانوا يحلمون بالانتصار على هذه التحديات، وجميعهم كان يعيد على أسماعنا كل ما نعرفه مسبقا من أزمات، وجميعهم أيضا كانوا يعتبرون أحلامهم مستحيلة لنقص التمويل اللازم للتعليم، ولضعف البنية التحتية فى الأبنية التعليمية، وهيمنة مافيا الدروس الخصوصية على الطلاب وأولياء الأمور، كلهم تكلموا بلسان واحد، بدءا من العمالقة الدكتور فتحى سرور ثم الدكتور حسين كامل بهاء الدين ثم كل وزراء ما بعد الثورة، وأخيرا السيد الوزير محمد عبد اللطيف وزير التعليم الحالى الذى تشرفت بلقائه هذا الأسبوع مع مجموعة من الكتاب الصحفيين ورؤساء التحرير لصحف ومواقع مختلفة.

الحق أقول لكم إننى ذهبت إلى هذا الاجتماع وأنا أرتب نفسى على أن أسمع المعزوفة نفسها، وتهيأت لبضع ساعات من الجمل المكررة من عينة أن التحديات هائلة، وأننا نحتاج لمئات الآلاف من الفصول التعليمية حتى نقضى على التكدس، وأن أزمتنا تحتاج لتمويل هائل يشق على موازنة الدولة أن تتحمله، وتجهزت لأرد غيبة أولياء الأمور فى حال قرر الوزير أن يحملهم المسئولية عن اللجوء للدروس الخصوصية، أو مساعدة أبنائهم على هجر المدارس الحكومية لصالح (السناتر الخاصة) التى تستنزف ميزانيات العائلات المصرية بلا رادع ودون أمل فى حل نهائى.

ورغم هذا الدخول المتحفز إلى اللقاء جاءت التفاصيل على غير ما توقعته تماما، فالوزير محمد عبد اللطيف الذى طاردته حملات واسعة منذ الساعات الأولى لتوليه الوزارة نجح فى أن يدهشنا جميعا بما استعرضه من أرقام وإحصائيات، وبما كشفه من أفكار لم أعهدها من قبل فى وزارة التعليم منذ عهود عمالقة الوزارة فى سنوات ما قبل الثورة، وحتى اليوم.

لاحظ الوزير بالطبع أن هذا الحشد من أمامه لديه عشرات الأسئلة عن نفس الأزمات المتكررة، والتحديات المزمنة، والهواجس الكبيرة خاصة حول ما اقترحه الوزير من تصورات عن مشروع البكالوريا المصرية كبديل لنظام الثانوية العامة، ومخاوفنا من أن يكون هذا المقترح شأنه مثل غيره من المشروعات الطموحة التى تنقرض بمجرد أن يترك الوزير منصبه فى الحكومة، ويأتى وزير آخر لنبدأ جميعا من أول السطر.

كان الوزير مستعدا منذ اللحظة الأولى لهذا التحفز، وتسلح بشاشة عرض عملاقة وضع عليها مجموعة من الصور التوضيحية بالأرقام لما تم تحقيقه بالفعل فى عام واحد، والحقيقة أن الوزير نجح فى أن يثير دهشتنا جميعا بما سمعناه عن تفاصيل ما جرى فى عام واحد، من يوليو 2024 وحتى يوليو 2025.

فاجأنا الوزير أنه خلال هذا العام فقط استطاعت وزارة التعليم أن تحاصر المشكلة المزمنة لتكدس الفصول دون الحاجة إلى موازنات عملاقة للأبنية التعليمية، ودون انتظار سنوات طويلة حتى تدخل فصول جديدة إلى الخدمة فى مراحل التعليم المختلفة، ورغم أن التكدس كان قد وصل فى بعض الفصول إلى 200 طالب فى الفصل الواحد، استطاعت الوزارة أن تنزل بهذا الرقم إلى أدنى مستوى بين 39 إلى 50 فى الفصل الواحد، وقد كان هذا الرقم كفيلا بأن يدهش الجميع، وزاد عليه الوزير بأن الوزارة كانت تعانى من عجز فى المدرسين وصل إلى ما يزيد عن 469 ألف معلم، وقفز هذا الرقم إلى 665 ألف معلم بعد إصلاحات الوزير نفسه، إلا أن الوزارة استطاعت أيضا تغطية هذا العجز من خلال حلول إدارية لا علاقة لها بالتمويل، وبشغل فعلي على أرض الواقع فى جميع المحافظات دون إنفاق مليم إضافى من الميزانية، ودون بكائيات على أطلال الأزمات المزمنة.

كانت هذه الأرقام وحدها كفيلة بأن ننصت للوزير حتى نهاية العرض التقديمى، فقد ظهر جليا أننا أمام (صنايعى) تعليم، وليس وزيرا من عينة وزراء الاستراتيجيات والأفكار الكبيرة دون حلول فعلية على أرض الواقع، فالوزارة بدأت الحل من الأرض، لا من السماء، ومن المدارس والإدارات التعليمية وليس من المؤتمرات الفكرية، واللجان النظرية التى لم تسمن ولم تغنى من جوع قبل ذلك.

قال الوزير إنه وفر أكثر من 22 ألف فصل فى يوم واحد حين قرر أن يستغل المساحات المخصصة لكونترولات الامتحانات داخل المدارس، وقرر أن ينقل هذه الكونترولات إلى المكاتب الإدارية، وقد كانت هذه المساحات تغلق طوال العام ولا تفتح سوى مرتين فقط فى أوقات الامتحانات، وقد وفر قرار النقل 22 ألف فصلا دون عناء، ودون ميزانية وبحل إدارى بسيط فى شكله، لكنه مذهل فى المعنى والمضمون.

ولم يقتصر الأمر على ذلك، لكن الوزير نجح فى إضافة 98 ألف فصل تعليمي خلال عام واحد حين قرر استغلال مدارس المراحل الثانوية بنظام تقسيم الوقت بينها وبين مدارس أخرى لمراحل تعليمية أخرى، أى أن إدارة الوقت فى وزارة التعليم وفرت كل هذا العدد من الفصول دون إنفاق مليم واحد من الميزانية، وكل ما فعله الوزير أن جعل المدرسة الواحدة تخدم أكثر من مجتمع مدرسى فى اليوم الواحد، دون الحاجة لبناء جدار واحد إضافى وبهذه الآلية الإدارية انخفضت كثافة الفصول على نحو مدهش، وارتفعت نسبة الحضور فى المدارس، فبعد أن كانت نسب الحضور تتراوح بين 9 إلى 15% وصلت لنسبة 85 %، فحين شعر أولياء الأمور أن أبناءهم لا يعانون من هذا التكدس، ولا يضطرون للجلوس على بلاط الفصل، أو يتزاحمون على مقاعد متهالكة، شجعوا أولادهم على الحضور، وارتفعت النسبة بهذا المقدار الكبير خلال العام نفسه.

أما فيما يتعلق بسد العجز فى المعلمين الذى بلغ 665 ألف معلم، فلم يدخل الوزير معركة من أجل زيادة موازنة المرتبات لتعيين كل هؤلاء المعلمين، ولكنه لجأ إلى حل آخر، فإلى جانب تشغيل 50,000 معلم بنظام الحصة، والاستعانة بالمكلفين بالخدمة العامة من الخريجين لسد هذه الفجوة، اتخذ الوزير عددا من إجراءات هيكلة الساعات الدراسية ساعدت على سد هذه الفجوة بنسبة 99 % فى جميع المواد الدراسية الأساسية، وقد شرح الوزير هذه الهيكلة ببساطة

 

فالوزارة لم تستهدف من الهيكلة تقليل المحتوى العلمى، لكنها غيّرت توزيع الزمن على نحو بالغ الذكاء:

• قلّصت عدد الحصص الأسبوعية من 12 إلى 8.
• رفعت زمن الحصة من 45 إلى 50 دقيقة.
• زادت عدد أسابيع الدراسة من 23 إلى 31 أسبوعًا.


والنتيجة المباشرة أن إجمالى ساعات التدريس السنوية بقى كما هو: 207 ساعات لكل مادة، لكن الزمن جرى إعادة توزيعه بما يسمح بالتركيز، والاستيعاب، دون ضغط، وبما يسمح أيضا بأن يغطى العدد الحالى من المعلمين هذا العجز الكبير، وتم بالفعل تغطية جميع المواد الأساسية بنسبة 99%، وما يلفت الانتباه هنا أن كل ما فعله الوزير محمد عبد اللطيف هو إعادة تشغيل مرنة للموارد البشرية، استطاعت تقليص الفجوة الهائلة فى المعلمين، واستخدام كل ما لديه من موارد وأبنية لسد العجز فى الفصول، فاستطاع أن يتغلب على تحديات كنا نظن أننا غير قادرين عليها، ولن نستطيع معها صبرا.

• هذه الأرقام تثبت أن الإدارة هنا أهم من الفلوس، فكل من تباكوا من قبل على أزمات التمويل، ومشكلات التكدس، وصدروا إلينا الأزمة على أنها تحتاج لمعجزة سماوية أخطأوا، بينما العمل على الأرض، وابتكار حلول عملية سريعة أنجز ما كنا نظن أنه من المحال.


استمر تحفزنا، ولاحقنا الوزير بالأسئلة عن مشروعه لإعادة هيكلة الثانوية العامة، وواجهنا الوزير بكل ما دار فى الأشهر القليلة الماضية من ملاحظات على هذا المشروع، وأجابنا الوزير بثبات مشيرا إلى حقيقة مُرة بأن الطالب المصرى فى المرحلة الثانوية يدرس 32 مادة خلال ثلاث سنوات، وهو رقم - فى تقدير الوزير - لا يوجد له مثيل فى أى نظام تعليمى معروف، أما اليوم، فقد تحول نظام الثانوية بفضل الهيكلة الجديدة إلى 17 مادة فقط، مع مضاعفة عدد ساعات تدريس المادة من 50 إلى 100 ساعة، وإتاحة المجال لعملية تعليمية أكثر عمقا إذ لا معنى لامتحانات تنقل الطالب من سنة إلى أخرى بلا فهم، ولا طائل من نظام يكرس الحشو بدلاً من الفهم، والتلقين بدلا من الاستيعاب.

ثم جاء الدور على مشروع لبكالوريا المصرية، وهو المشروع الذى أثار كثيرًا من التساؤلات، والذى استأثر بجزء مهم من النقاش فى لقائنا مع الوزير.


وشرح الوزير فلسفته كالتالى:

• حرام أن يتحدد مصير طلاب الثانوية العامة على فرصة امتحانات واحدة فقط، فنحن نهدد مستقبل أبنائنا، ونحرم أنفسنا من ظهور مواهب حقيقية عندما يدفع الطالب حياته ثمنا لخطأ واحد فى الامتحان.


توزيع المحتوى على عامين دراسيين:

• ومن ثم فإن نظام البكالوريا سيؤدى إلى إتاحة فرص متعددة للتقييم طوال العام، مع إمكانية تحسين المستوى وهو ما ينهى أزمة الفرصة الواحدة التى تهد أحلام الملايين من الطلاب الآن.

• البكالوريا ستقودنا إلى دمج المهارات الفكرية والنقدية مع المقررات العلمية، مع اختيار التخصص من مرحلة مبكرة، وربط المحتوى بسوق العمل منذ المرحلة الثانوية.


كل هذا يعنى أن الطالب المصرى لن يكون مرتهنًا لموعد امتحان واحد، يحدد مصيره للأبد، بل سيكون أمامه خريطة تعليم متعددة المحطات والفرص، تقوم على التدرّج والفهم، لا الرعب والتلقين.
خرجت من هذا اللقاء، لا بشعور أن كل شيء قد تم، بل بأن ما تم إنجازه خلال شهور قليلة كان يستحق أن يتم شرحه بالتفصيل لأولياء الأمور وللطلاب، فما تابعناه فى اللقاء كان عملا إداريا ناضجا يثبت أن بكائيات التمويل لن تحل مشاكل مصر، لكن العمل الإدارى الحقيقى، والابتكار عبر منظومة من الحلول المرنة هو الذى يؤدى إلى هذه النتائج، وما حدث فى وزارة التعليم وإن كان من وحى أفكار الوزير، إلا أنه ما كان له أن يتحقق بدون مساعدة حقيقية من كل مدراء المناطق التعليمية، ومدراء المدارس، الذين آمنوا بأنهم قادرون على الحل، واصطفوا جميعا لتحقيق هذه الخطوات المهمة دون بكائيات، ودون تذمر، وفى صمت كامل.

أقول لكم مرة أخرى: (الإدارة أهم من الفلوس)

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

سموحة يحصل على توقيع السنغالي بابا بادجي مهاجم المصري

النيابة تستدعى ضحية واقعة طفل المرور لسؤاله حول الواقعة

نتيجة الثانوية العامة وقائمة الأوائل جاهزة على الاعتماد من الوزير

التفاصيل الكامله لنظر استئناف المتهم فى قضية طفل دمنهور.. ياسين يحضر بملابس سبايدر مان.. وجه رسالة للمتهم: هاخد حقي.. المحكمة تناقش تقرير الطب الشرعى.. وتأجيل القضية إلى 18 أغسطس لاستدعاء كبير الأطباء الشرعيين

انتداب المعمل الجنائي لبيان سبب حريق مصنع كرتون بالخانكة


المستشار محمود فوزى يكشف موعد وإجراءات انتخابات المحليات

الحكم على مدرب كونغ فو فى اتهامه بالتعدى على طالبة فى الهرم 22 سبتمبر

موعد تنفيذ حركة تنقلات الشرطة لعام 2025

رباعية الأهلى ضد الملعب ومشاركة بن رمضان حديث الصحافة التونسية

ترامب يهدد بتوجيه ضربة عسكرية جديدة لمنشآت إيران النووية .. تفاصيل


نتيجة الثانوية العامة 2025.. تجهيز النتيجة لاعتمادها خلال ساعات

إمام عاشور خارج معسكر منتخب مصر لمباراتي إثيوبيا وبوركينا فاسو

اليوم.. بدء التقديم بكلية الشرطة للحاصلين على الثانوية العامة 2024

الزمالك ينتظر رد السويحلى الليبى لضم أسامة الشريمى

اليوم السابع ينشر نتيجة الثانوية العامة 2025 اليوم برقم الجلوس

نيدفيد بعد رحيله عن الأهلى: انتهى دورى كلاعب لكن هيفضل عشقى للنادى

الأهلي يحسم مصير كباكا بعد العودة من معسكر تونس

موعد مباراة الأهلى القادمة أمام البنزرتي التونسي استعداداً للموسم الجديد

مواعيد القطارات على خط القاهرة أسوان والإسكندرية أسوان والعكس

لوكمان يقترب من اقتحام قائمة أغلى الأفارقة فى تاريخ الدوري الإيطالي

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى