واحة سيوة تستعيد عافيتها.. مشروع ضخم لوزارة الرى يعيد التوازن البيئى ويواجه تحديات المياه بـ5 محاور رئيسية.. إنجاز قناة صرف بطول 33.70 كيلومتر شريان حيوى جديد للواحة.. وغلق 114 بئرًا مالحة وحفر آبار مياه بديلة

في خطوة نوعية نحو استعادة التوازن البيئي والتنمية المستدامة لواحة سيوة الساحرة، أنجزت وزارة الموارد المائية والري مشروعًا ضخمًا لتطوير منظومة الري والصرف بالواحة، يمثل هذا المشروع علامة فارقة في جهود الدولة للتعامل مع التحديات البيئية التي واجهتها الواحة لسنوات، وعلى رأسها ارتفاع مناسيب المياه وتدهور جودة الأراضي الزراعية.

لطالما عانت واحة سيوة، المعروفة بجمالها الطبيعي وتراثها الفريد، من مشكلات بيئية خطيرة، أبرزها ارتفاع منسوب المياه الجوفية في بحيرتي سيوة وبهي الدين، وتدهور حالة جسور بركة سيوة، هذه التحديات هددت الزراعة، وهي الشريان الحيوي لاقتصاد الواحة، و استجابة لهذه التحديات الملحة، وضعت وزارة الموارد المائية والري خطة شاملة وطموحة، تم تنفيذها بدقة وكفاءة، بهدف إعادة الواحة إلى طبيعتها المتوازنة واسترداد عافيتها البيئية والاقتصادية.

حلول جذرية لتحديات مزمنة
ركز المشروع على عدة محاور رئيسية لمعالجة المشكلات القائمة وتحقيق التنمية المستدامة، كان أحد أهم الإنجازات هو تنفيذ قناة مكشوفة بطول 33.70 كيلومتر، وهي شريان حيوي جديد لنقل مياه الصرف الزراعي الزائدة من الواحة إلى منخفض عين الجنبي شرقًا. هذه القناة تلعب دورًا محوريًا في تخفيض منسوب المياه الجوفية في الواحة، مما يساهم في تحسين جودة التربة وتقليل ملوحتها، وبالتالي زيادة الإنتاجية الزراعية. هذا الحل الهندسي يمثل نقلة نوعية في التعامل مع مشكلة الصرف التي طالما أرقت المزارعين في سيوة.

وبالتوازي مع ذلك، اتخذت الوزارة إجراءات حاسمة للتحكم في مصادر المياه المالحة التي ساهمت في تفاقم مشكلة ارتفاع المناسيب، تم غلق 114 بئرًا شديد الملوحة كمرحلة أولى، ويجري العمل على غلق 82 بئرًا أخرى. هذا الإجراء ضروري للحد من تدفق المياه المالحة إلى التربة، مما يساعد على استعادة خصوبتها، ولكن الوزارة لم تكتفِ بالغلق، بل قامت في الوقت نفسه بـ حفر آبار بديلة من المياه العذبة، لضمان توفير مصدر مياه نظيف ومستدام لاحتياجات الزراعة والشرب، وهو ما يعكس نهجًا متكاملًا يوازن بين الحفاظ على البيئة وتلبية احتياجات السكان.
لمعالجة مشكلة تدهور جسور بركة سيوة، التي كانت تشكل خطرًا على الأراضي المحيطة، تم تدعيم وتعلية عدد من الجسور المحيطة ببركة سيوة بأطوال بلغت 14 كيلومترًا. هذا الإجراء الحيوي يعزز من قدرة الجسور على احتواء المياه ويمنع تسربها، مما يحمي الأراضي الزراعية والمناطق السكنية من الفيضانات المحتملة ويساهم في استقرار النظام البيئي للبركة.

ولمواجهة التحدي الأكبر المتمثل في ارتفاع مناسيب المياه في بركة سيوة بشكل مباشر، تم إنشاء محطة رفع انطفير. هذه المحطة، بتقنياتها المتطورة، تعمل على خفض مناسيب المياه في البركة، وهو ما يعتبر إنجازًا هندسيًا كبيرًا يسهم بشكل فعال في استعادة التوازن الهيدرولوجي للواحة ويقلل من المخاطر البيئية المرتبطة بارتفاع المياه.

معالجة نقص المياه وتوفير الطاقة المستدامة
لم يقتصر المشروع على معالجة مشكلة ارتفاع المياه، بل امتد ليشمل التعامل مع تحدي نقص المياه في بعض المناطق، وتحديدًا منطقة الكاف، في هذه المنطقة، تم إنشاء محطة رفع مياه وبيارة متكاملة، إلى جانب منظومة توليد كهربية بالطاقة الشمسية، هذا التطور يضمن توفير المياه بشكل مستدام للمنطقة، ويعزز من الاعتماد على الطاقة المتجددة والنظيفة، مما يقلل من البصمة الكربونية للمشروع. علاوة على ذلك، تم رفع كفاءة خزان منطقة الكاف، لضمان تخزين المياه بكفاءة وتوزيعها بفعالية لتلبية احتياجات السكان والزراعة في هذه المنطقة.

إن هذا المشروع الذي نفذته وزارة الموارد المائية والري في واحة سيوة يعكس رؤية شاملة للتنمية المستدامة، حيث يجمع بين الحلول الهندسية المبتكرة والإدارة الرشيدة للموارد المائية. من خلال هذه الجهود، تستعيد واحة سيوة تدريجيًا رونقها الطبيعي، وتزداد قدرتها على مواجهة التغيرات المناخية، وتتجه بخطى ثابتة نحو مستقبل أكثر ازدهارًا لسكانها ولبيئتها الفريدة.