المراهنات الإلكترونية.. من لعبة افتراضية إلى جرائم حقيقية تهز المجتمع.. جريمة قتل صادمة بسبب لعبة على الإنترنت.. طالب يطعن سيدة ويحرق جثتها لسرقة المال.. خبراء: بوابة لانحراف الشباب نحو الجريمة

في ظل تسارع وتيرة التحول الرقمي وانتشار التكنولوجيا، بدأت تظهر على السطح جرائم إلكترونية تحمل في طياتها مخاطر جسيمة تهدد الأمن المجتمعي، من أبرزها المراهنات الإلكترونية التي باتت ملاذًا للشباب والمراهقين بحثًا عن الربح السريع، لتنقلب في كثير من الحالات إلى سبب رئيس في اقتراف جرائم مروعة تمس النفس والمال والعرض.

قضية مأساوية شهدتها محافظة الشرقية مؤخرًا، سلطت الضوء بقوة على التداعيات الكارثية لهذه الألعاب، بعدما كشفت أجهزة وزارة الداخلية ملابسات جريمة قتل بشعة راحت ضحيتها سيدة داخل شقتها في منطقة كفر صقر.

البداية كانت بتلقي مركز شرطة كفر صقر بلاغًا من الأهالي بنشوب حريق داخل شقة سكنية، وعلى الفور انتقلت قوات الحماية المدنية إلى المكان وتمكنت من السيطرة على النيران، لتكتشف قوات الأمن جثة لسيدة، مستأجرة للشقة، وبها عدة طعنات.

المتهم

التحريات كشفت عن مفاجأة صادمة، إذ تبين أن مرتكب الجريمة طالب يبلغ من العمر 17 عامًا، يقيم في نفس دائرة المركز، وبمواجهته اعترف بتفاصيل الجريمة، مشيرًا إلى أنه اعتاد ممارسة لعبة مراهنات إلكترونية منذ عدة أشهر عبر أحد التطبيقات على مواقع التواصل الاجتماعي، وبعد تعرضه لخسائر مالية متتالية، بدأ بسرقة أموال من والدته، التي يعمل زوجها في مجال المقاولات، لكن مع كشف أسرته لأمره وتشديد الرقابة عليه، قرر اللجوء إلى ارتكاب جريمة القتل بدافع السرقة لتوفير أموال يعاود بها الدخول إلى دوامة المراهنات.

الجاني أقر بتخطيطه للجريمة بعد أن علم أن المجني عليها تقيم بمفردها في الشقة، حيث تسلل إليها وقام بطعنها بسلاح أبيض حتى تأكد من وفاتها، ثم استولى على مبلغ مالي كان بحوزتها، وأتلف وحدة تخزين كاميرات المراقبة في العقار لإخفاء معالم الجريمة، قبل أن يشعل النيران في الشقة كوسيلة لإبعاد الشبهات.

وتمكنت الأجهزة الأمنية من ضبط السلاح المستخدم في الجريمة والمبلغ المالي المسروق بناءً على إرشاده، كما تم اتخاذ كافة الإجراءات القانونية حياله.

هذه الواقعة ليست إلا واحدة من بين عشرات الجرائم التي تكشف الرابط الخطير بين المراهنات الإلكترونية وارتكاب الجرائم الجنائية، وهو ما يؤكده اللواء رأفت الشرقاوي، الخبير الأمني، الذي أوضح أن الألعاب والمراهنات الإلكترونية لم تعد مجرد وسيلة للترفيه أو الهروب من الواقع، بل تحولت في كثير من الأحيان إلى بوابة لانحراف الشباب نحو الجريمة.

وأضاف في تصريحات لليوم السابع أن هذه التطبيقات تستغل الضعف النفسي لدى بعض الفئات، وتقوم بجرّهم إلى الإنفاق المفرط والمراهنة حتى الإفلاس، ما يخلق دافعًا قويًا للسرقة أو النصب أو حتى القتل.

من جانبه، يشير اللواء علاء عبد المجيد، الخبير الأمني، إلى أن بعض شبكات المراهنات الإلكترونية تقف خلفها جهات خارجية منظمة تستهدف تقويض البنية المجتمعية للدول عبر ضرب المنظومة القيمية للشباب.

تطبيق المراهنات

وأكد أن غياب الرقابة الأسرية والتوعوية يسهم في تفاقم هذه الوقائع، مشددًا على ضرورة إطلاق حملات توعية موسعة لمواجهة هذا الخطر المتنامي.

وبلغة الأرقام، أكد أن أجهزة الأمن ضبطت أكثر من 150 واقعة مراهنات خلال الفترة الماضية تسببت في العديد من الأزمات، وأطلقت رسائل توعوية للتصدي لذلك.

أما على الصعيد القانوني، فيوضح الخبير القانوني علي الطباخ أن القانون المصري يجرم كافة أشكال المقامرة والمراهنات، بما في ذلك الإلكترونية منها، بموجب نصوص قانون العقوبات، حيث تنص المادة 336 على تجريم النصب والاحتيال، والمادة 274 التي تجرم القتل العمد، إلى جانب قوانين مكافحة جرائم الإنترنت، والتي تتيح تتبع المتورطين في تشغيل أو استخدام هذه التطبيقات.
وأشار إلى أن مرتكبي هذه الجرائم، خاصة من القصر، يخضعون لأحكام قانون الطفل، الذي ينص على محاكمة الحدث وفقًا لطبيعة الجريمة، مع إمكانية إيداعه إحدى دور الرعاية أو إخضاعه لبرامج تأهيل نفسي وسلوكي.

المثير للقلق أن هذه الوقائع لم تعد تقتصر على فئات بعينها، بل باتت تظهر أحيانا بين بعض طلاب الجامعات والمدارس وحتى بعض الموظفين الذين ينجرفون خلف أوهام الربح السريع، ثم يجدون أنفسهم محاصرين بديون وخسائر مالية، ما يدفعهم إلى مسالك إجرامية متنوعة، من التزوير والنصب إلى السرقة والقتل.

ويرى خبراء أمنيون أن التعامل مع هذه القضية لا يجب أن يقتصر على البعد الأمني أو القانوني فقط، بل يجب أن يمتد إلى البعد التربوي والتوعوي، مع التركيز على تعزيز الوعي الرقمي لدى الشباب، وتطوير المناهج التعليمية لتشمل مفاهيم الأمن السيبراني، فضلًا عن دور الأسرة في المتابعة والتوجيه.

الواقع يشير إلى أن المراهنات الإلكترونية لم تعد مجرد لعبة، بل هي قنبلة موقوتة تهدد المجتمع من الداخل، تتطلب تدخلًا فوريًا على كافة المستويات لكبح جماحها ومنع تحولها إلى ظاهرة عامة تنخر في جسد الأمن الاجتماعي والاقتصادي.